◄يؤثر الإعلام الجديد (أو البديل) في حياتنا بشكل كبير، يكاد يستوعب أغلب (إن لم يكن جميع) الأنشطة اليومية التي نقوم بها، سواء من أجل الترفيه، أو التواصل مع الآخرين، أو حتى في إنجاز أعمالنا ووظائفنا.
ويتفاعل الجمهور مع هذه التطوّرات التقنية في مجال الإعلام "التقليدي والجديد" من فضائيات كثيرة منوّعة، ومن إنترنت تفاعلي، ومواقع متجدّدة وحيّة بالمعلومات والصور ومقاطع الفيديو (مالتيميدا)، ومن مواقع تواصل اجتماعي كثيرة ومتنوّعة، بحيث أصبحنا مغمورين بهذه الوسائل، وبتنا نعاني من متابعة ما هو جديد، ونعاني أكثر من التأقلم معها، خاصّة أنّ المجتمع سريع ومرن في تبنيها، وتقبلها كوسيلة جديدة، فظهر الفيسبوك، فتعلقنا به، ثمّ ظهر تويتر، فاندمجنا معه، وجاء انستغرام، فاختزلنا حياتنا بالصور، ثمّ سنابشات، فوثّقنا حياتنا اليومية في مقاطع فيديو صغيرة، ثمّ أتى ستورهاوس، الذي يجمع بين صورك وكلماتك، كأنّك تكتب قصة عن نفسك.
بعضنا يشعر بأنّه تخلّف عن الركب حين يظهر تطبيق جديد، ولم يشترك فيه، خاصّة إذا اشترك فيه مَن حوله من الأهل والأصدقاء، فيضطر للاشتراك فيه، وهكذا مع كلّ تطبيق جديد في التواصل الاجتماعي. وتشير الإحصائيات إلى أنّ 91% من مستخدمي الإنترنت (ما بين 16 و64 سنة) لديهم حساب واحد على الأقل في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، كما تشير الأرقام إلى أنّه في المتوسط، فإنّ الشخص العادي لديه خمسة حسابات على مواقع تواصل متنوعة، وأنّ الرجال أكثر من النساء في تعدّد حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وأنّه كلّما صغُر عمر مستخدم الإنترنت، فإنّ الحسابات تكون لديه أكثر من كبار السن الذين قد يكتفون بحساب أو حسابين، وهذا أمر مفهوم ومنطقي كون طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي تستهوي الشباب صغار السن، أكثر من الكبار.
والسؤال الذي يبرز بقوّة: هل من الضروري أن يكون لي حساب على كلّ موقع تواصل اجتماعي ظهر ونشأ؟ بالطبع لا، نحن لسنا مطالبين، ولا مضطرين لأن نكون موجودين في كلّ مواقع التواصل الاجتماعي، لأنّ لكلّ موقع طبيعته الخاصّة به، التي قد تستهوي أشخاصاً محددين، وربما رفضها البعض.
بعضنا يحبّ تويتر لطبيعته السريعة في كتابة نص بعدد حروف محدد (140 حرفاً) ثمّ يرسله؛ لكنّه لم يتأقلم جيِّداً مع انستغرام مثلاً، والشيء نفسه في بقية مواقع التواصل الاجتماعي. تماماً كما يحدث مع مشاهدة الفضائيات، التي تجاوزت ألف قناة، فنحن لسنا مطالبين بأن نشاهد كلّ هذه الفضائيات، بل نختار منها ما يناسبنا، ويلبي احتياجاتنا الإعلامية، وهذه ثقافة يجب أن تسود بين أفراد الجمهور الإعلامي، لأنّ الصُّحف والإذاعات والفضائيات ودُور السينما، والإعلام الجديد بمواقع التواصل الاجتماعي فيه، جميعها تعرض ما لديها من بضاعة، وعلينا أن نختار منها ما نريد، وندع ما نريد، من دون أن يؤثّر فينا أقراننا أو محيطنا الاجتماعي.
صحيح أنّ السلوك الإعلامي مرتبط بالسلوك الاجتماعي، بمعنى نحن نشاهد عادة ونتابع، ما يشاهده أصدقاؤنا ويتابعونه (في الإعلام التقليدي والجديد)، وهذا ما يشعرنا بضرورة فتح حساب على موقع تواصل اجتماعي لا يعجبنا؛ لكنّنا نفتحه على أية حال؛ لكن ينتهي المطاف عادة بأن نهمل هذا الحساب الجديد بعد مدّة، لأنّه لا يتوافق مع شخصياتنا.
من المهم أن ندرك، ونحن نتحدّث عن كيفية التعامل مع وسائل الإعلام (ومواقع التواصل)، أنّ الإعلام جزء من حياتنا، وليس كلّ حياتنا، وبالتالي يجب ألا يتجاوز هذا الأمر، فحياتنا اليومية مليئة بالأنشطة التي يمكن تنفيذها من دون الحاجة إلى الاعتماد على مواقع التواصل؛ ولكنّنا (بقصد أو من دون قصد) جعلنا حياتنا، بمناشطها المختلفة، تدور حيث دارت مواقع التواصل الاجتماعي، وحيث دارت وسائل الإعلام، إلى درجة نشعر معها بأنّه لا يمكن الاستغناء عنها، وهذا ما يجعلنا نشعر بالضغط النفسي، لأنّنا تخلّفنا عن أقراننا الذين سبقونا في الدخول إلى موقع تواصل جديد، على الرغم من أنّنا لا نحتاجه حقيقة في حياتنا، لأنّ المواقع الأخرى تكفي، بل تزيد؛ لكنّه الشعور بالنقص الذي يتركه هذا التعامل الخاطئ مع وسائل الإعلام الاجتماعي، إلى درجة أنّه يفقدنا الحكم على الأشياء بصورة صحيحة أو منطقية، لذا لا غرو إن شاهدنا أولادنا (نشطاء) جدّاً في متابعة كلّ ما هو جديد في عالم التواصل الاجتماعي؛ لكنّ هذا النشاط لا نجده في باقي مجالات الحياة، من دراسة وعمل وتواصل اجتماعي حقيقي مع الأهل والأصدقاء، بل إنّ مهارات التواصل الاجتماعي قد ضعفت باعتمادنا على هذه الهواتف الذكية.
هذه دعوة لكي لا تغمرنا هذه الوسائل في بحرها المتلاطم، بحيث تسلبنا حياتنا من دون أن نشعر، فلنسترجع حياتنا من جديد.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق