إنّ الحياة الزوجية هي انسجام وتكامل.. وهذا الانسجام يكون في جوّ من المودة والرحمة، أي في مناخ صحّي يؤمن الحياة الهادئة المستقرة للأُسرة. والمودة والرحمة عنصران أساسيان للتفاهم فيما بين الزوجين، ذلك أنّ الحياة اليومية لا تخلوا من مشاكل كبيرة أو صغيرة، ولا تخلوا من منغِّصات. ومن هنا وضع الفكر الإسلامي قاعدة أساسية للتفاهم والتعامل بين الزوجين، وهي المودة والرحمة، والمودة تعني المحبة والألفة وصفاء السريرة والتفاهم بالتي هي أحسن، فإذا توفّرت هذه العناصر الخيِّرة التي تجمعها كلمة المودة، فإنّ العلاقة الزوجية تكون سعادة وهناء. فالإسلام يريد للزواج أن يكون سكناً للإنسان وليس حالة من الاضطراب والقلق، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم/ 21).
إذن الزوجة هي السكن، والزوج يسكن لدى الزوجة. الزوج هو ساكن وليس صاحب السكن حتى وإن كان يمتلكه، السكن شيء أبعد وأعمق من هذا. فالسكن هو سكينة النفس وطمأنينتها واستقرارها؛ السكن هو الحماية والأمن والسلام والراحة والظل والارتواء والشبع والسرور، السكن قيمة معنوية وليس قيمة مادية. ولأنّ السكن قيمة معنوية فإنّ الزوج يجب أن يدفع فيه أشياء معنوية، وهو أن يتبادل المودة والرحمة مع الزوجة. فهذا السكن يُقام على المودة والرحمة؛ فالمودة والرحمة هما الأساس والهيكل والمحتوى، وبغياب المودة والرحمة ينهار السكن.
وجاء السكن سابقاً على المودة والرحمة، إذ لابدّ للإنسان أن يسكن أوّلاً، أن يختار المرأة الصالحة ويتقدم إليها ويتزوجها ليتحقق السكن، فإذا قام السكن جعلت المودة والرحمة. إذن لا يمكن أن تقوم المودة والرحمة إلّا من خلال وفي إطار سكن، أي من خلال وفي وإطار زواج. والكلمات الربانية البليغة تقول: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ)، أي أنّ الله هو الذي جعل؛ أي لابدّ أن يكون. فطالما أنّه زواج فلابدّ أن يستمر على المودة والرحمة، هذا ضمان من الله لكلِّ مَن أراد الزواج، فإذا أردت أن تسكن فلابدّ أن تتزوج. وإذا تزوجت فلابدّ أن تنعم بالمودة والرحمة. وبالتالي تصبح الزوجة هي أصل المودة وهي أصل الرحمة؛ لأنّها التي وفرّت السكن، فلا دعامة لهذا السكن إلّا بالمودة والرحمة.
ووفق منهج القرآن وشريعته ومفاهيمه التي تحدَّثت عن الزوجية والزواج وبناء الأسرة، فإنّ القرآن يعتبر الأسرة هي وحدة البناء الأساسية في هيكلية المجتمع وبنائه، وفي حال انهيارها سينهار المجتمع وتضطرب الحياة فيه. كما وقد دعا القرآن الكريم والرسول العظيم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الزواج وتأسيس وبناء الأسرة، وشرَّعت الرسالة الإسلامية القوانين والأحكام وقيم الأخلاق لتنظيم الأسرة وبنائها والحفاظ على سلامتها على أساس ميثاق وعهد شرعي مقدس: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ (النِّساء/ 20-21).
وبهذا يوجب القرآن أن تكون أجواء الأسرة والحياة فيها ما تقّر به الأعيُن، وما يحقق الود والسعادة والراحة النفسية، وإنّ أفضل صيغ التعامل مع الزوجة وتثبيت حقوقها هو قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النِّساء/ 19)، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ (البقرة/ 228). وبالمقابل فقد ثبّت القرآن حقوق الزوج على زوجته بالعدل والإحسان، ومن هذا المنطلق أوجب الإسلام العناية بالأبناء والرعاية المادّية والنفسية والعاطفية لهم، من الإنفاق المادي المتيسر، ومن الحبّ والاحترام والرعاية العاطفية، والتربية الصالحة والتعليم وغيره.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
شششششششششششششششششششششاعة ملاك
شكرا جزيلاا