الدِّين الحق هو الدين القيِّم على الحياة، والذي يتناغم مع فطرة الانسان، وهو الكفيل بالقيمومة على كل أبعاد الوجود الانساني، والأدوار التسعة للدين في حياتنا هي:
1- تلبية حاجة الانسان إلى المطلق:
ويمكن تلخيص هذا الدور بالقول: إنّ حاجة الانسان إلى المطلق لا يمكن تأمينها إلّا من خلال الدين الحق القيِّم الذي حمل الأنبياء رايته على مدى التاريخ، وتمثل في آخر رسالة جاء بها النبي محمد (ص)، في حين إنّ كلّ المدارس الماضية تقف عاجزة أمام هذا التطلُّع الانساني إلى المطلق، وغاية ما تفعله قلب النسبيّ المحدود إلى مطلق، وهي محاولة يائسة وفاشلة ولا تُحقِّق الغرض المرجوّ منها.
2- مبدأ الخلافة العامّة وتكريم الانسان:
شَرَّفَ الله تعالى الانسان بأن جعله خليفته على الأرض، وبهذه الخلافة استحقّ أن تسجد له الملائكة، وتدين له كل قوى الكون بالطاعة، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70)، وهذا الشعور الداخلي بالعزّة كفيل بأن يرتفع بسلوك الانسان إلى ما يتناسب مع تشريفه بالخلافة وتكريمه وتفضيله على سائر الكائنات، فلا يتنازل عن هذا العرش لشهواته وأهوائه، يقول الإمام عليّ (ع): "مَن عرف قدر نفسه لم يهنها بالفانيات".
3- الاستئمان والرقابة الداخلية الدائمة:
إنّ معنى الاستئمان (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ) زرع رقيب داخل الانسان يُراقب أفعاله وصفاته وسلوكه إزاء الأمانة (المسؤولية الرَّبّانية)، ويدعوه إلى الإحسان بالواجب دائماً وأبداً، فالأمانة عهد والعهد هو المسؤولية، قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالعَهدِ إِنَّ الَعهْدَ كَانَ مَسْؤُولا) (الإسراء/ 34)، وهذه الرقابة إن لم تكن مضمونة، فهي أرضية خصبة للاستواء والتكامل والتسامي باتجاه الحق.
4- الدين يُحقِّق الهداية المُثلى:
يتفرَّد الدين الحق بقدرته على إيصال البشرية إلى شاطئ السلام والأمان، والهداية هي الوسيلة المضمونة للوصول إلى المطلوب، قال تعالى: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لا يَهْدِي) (يونس/ 35).
5- الدِّين يُحقِّق الرقابة المستمرة للشهداء:
يقوم الأنبياء وأوصياؤهم المعصومون، بعد مهمّة الهداية الرَّبّانية، بمهمّة الرقابة والشهادة على أبناء مجتمعاتهم بتخويل إلهي، وهي خلافة خاصّة يحمل فيها الخليفة واجب الرقابة على أُمّته، قال تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (الأنبياء/ 73).
6- الدين يُحقِّق القدوة للحياة:
ويقوم الأنبياء وأوصياؤهم، وكلّ مَن يدعو بدعوتهم بإحسان أيضاً، بدور ريادي تربوي تزكوي يضمن للسائرين على خطاهم سلامة السير وصحّة المسيرة، قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) (الأنعام/ 90)، وقال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب/ 21)، لاسيّما وأنّ حاجة الانسان إلى المثل الأعلى والقدوة الحسنة حاجة أساسية.
7- الدِّين يُحقِّق الحياة الدائمة:
هذا الاستبدال للفاني (الدنيا) بالباقي (الآخرة) لا يقوم به إلّا الدين الحق، ومن هنا كان الإيمان بالمعاد ركناً أساسياً في الشريعة الاسلامية.
8- الدِّين يُحقِّق الشعور بالسعادة:
إنّ الاعتقاد السائد لدى أغلب شعوب الأرض أنّ هناك مُنقِذاً يظهر عندما تتعقَّد الأُمور وتتعاظم المحنة ويُطبَّق الظلم، وهذا ما بَشَّرت به الأديان، بأن يكون للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للانسان على مرّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها، وتُصفّى فيه كلّ التناقضات، ويسود فيه الوئام والسلام، فهو يومٌ إنعطافيّ يُجدِّد الأمل في أنّ مسيرة البشرية سائرة نحو الارتقاء؛ فضلاً عن أنّ هذا الإيمان ليس مجرَّد مصدر للسلوى والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوّة ودفع لا ينضب، لأنّه بصيص النور الذي يقاوم اليأس في نفس الانسان.
9- الدين يربط العبادة بالحياة ويُذوِّب الأنانيات:
إنّ نظام العبادات يعالج حاجة ثابتة في حياة الانسان، والعلاج بصيغة ثابتة يفترض أنّ الحاجة ثابتة، والدور الذي تمارسه العبادات في إشباع الحاجات الأساسية يتلخَّص بالآتي:
أ) الحاجة إلى الارتباط بالمطلق (وقد سبقت الإشارة إليه).
ب) الحاجة إلى الموضوعية في القصد وتجاوز الذات (وقد سبقت الإشارة أيضاً إلى قدرة الدين على نقل اهتمامات الانسان الذاتية الضيِّقة إلى إهتمامات إنسانية أعلى سواء بالتعاون أو البذل أو الإحسان أو الدفاع عن حقوق الانسان المضطهد... إلخ).
ت) الحاجة إلى الشعور الداخلي بالمسؤولية كضمان للتنفيذ (وسبقت الإشارة إلى أنّ الشعور الداخلي بالمسؤولية (الضمير) يحتاج لكي يكون واقعياً عملياً حياً إلى الإيمان برقابة مطلقة لا يغرب ولا يعزب عن عملها شيء، وإلى مران عملي ينمو من خلال هذا الشعور بتلك الرقابة الشاملة).
بهذه النظرية الكُلِّيّة للدين، يتضح أنّ موقعه في حياتنا ليس موقع الهامش الترفيّ، أو العقيدة النظرية المجرَّدة، وإنما يُشكِّل صُلب حياتنا، والضمانة الأكيدة للوصول إلى حياة أفضل وأرقى وأثرى، وأنّ بإمكان الانسان أن يستغني عن أشياء كثيرة؛ لكننا لا نجد في تاريخ الانسان مَن استغنى عن حاجته الأساسية إلى الدين، على الرغم من كلّ المواقف السلبية من الدين لا كنظام حياة إلهيّ حكيم ومُحكم، بل نتيجة النفور من الممارسات الاستغلالية السيِّئة له.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق