إنّ محمداً (ص) منذ مطلع شبابه موضع احترام في مجتمعه، لِمَا كان يمتلكه في شخصيته من وعي، وحكمة، وإخلاص، وبُعد نظر. وقد اشتهر بسمو الأخلاق، وكرم النفس، والصدق والأمانة حتى عُرف بين قومه بالصادق الأمين، كما اشتهر برجاحة عقله، وصواب رأيه حتى وَجَدَ فيه المكّيون والقرشيون سيّداً من سادات العرب الموهوبين، ومرجعاً إليهم في المهمات وحلِّ المشكلات والخصومات. حيث إنّ الناس كانوا يتحاكمون إلى النبيّ (ص) في الجاهلية، لأنّه كان لا يداري ولا يماري. وكان النبيّ (ص) يسهم في بعض أحداث مجتمعه، وفي تجارب قريش السياسية والعسكرية والدينية، حيثما رأى في هذه التجارب حقاً وعدلاً. إنّ المتتبع لسيرة الرسول وسنته (ص) يجدها بوضوح أروع تجل لهذه الحقائق (الحقّ والعدل، والحب، والرحمة) ليكون بحقّ المتمم لمكارم الأخلاق، والرحمة المهداة للبشرية. والعاطفة جزء مهم من الشخصية الإنسانية وهو ما كان مغروس في شخصية رسول الله (ص)، والواقعية، وهي من أهم صفات الإسلام العامة تقتضي الاهتمام بها، وترشيدها لتتحقق الثمار المرجوة. ومن الجميل ذكر بعض المقاطع من (نهج البلاغة) يصف فيها الإمام عليّ (ع) أستاذه ومعلمه ونبيه ومحبوبه رسول الله (ص) بأروع الأوصاف فيقول: "بَعَثَ اللهُ سبحانهُ مَحَمَّداً رسول اللهِ (ص) لإنجازِ عِدَتِهِ وإتمام نُبُوَّتِهِ مأخُوذاً على النَّبيِّين ميثاقُهُ مشهورةً سماتهُ كريماً مِيلادُهُ"، ويقول عنه: "قائماً بأمرِكَ مُستَوْفِزاً في مرضاتِكَ غَيْرَ ناكِلٍ عن قُدُمٍ ولا وَاهٍ في عَزْمٍ واعياً لِوَحْيكَ حافِظاً لعهدِكَ ماضياُ على نفاذ أمرك حتى أوْرَى قَبَسَ القَابِسِ وأضاءَ الطريق للخابِطِ وهُدِيَتْ بِهِ القُلُوبُ بَعْدَ خَوْضاتِ الفِتَنِ والآثامِ". ويصف سيرته فيقول: "سِيرَتُهُ القَصْدُ وسُنَّتُهُ الرُّشْدُ وكلامُهُ الفَصْلُ وحُكْمُهُ العَدْلُ". ويقول عنه: "فبالغ (ص) في النَّصيحَةِ ومَضَى على الطريقةِ ودعا إلى الحِكْمة والمَوْعِظَة الحَسَنَةِ". وكذلك يقول: "حَتَّى بَعَثَ اللهُ محمَّداً (ص) شَهيداً وبشيراً ونذيراً خَيْرَ البَرِيَّةِ طِفْلاً وأنْجَبَهَا كَهْلاً وأطْهَرَ المُطَهَّرِينَ شيمَةً وأجْوَدَ المُستَمطَرِينَ ديمَةً". كما إنّ سيرة رسول الله (ص) ملأى بالعطف والحنان والمشاركة للأصحاب في كلّ الأعمال، الأمر الذي يثير الحماس فيهم وينسيهم مصاعب المسير ويدفعهم للتفاني. وقد ورد عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ: "كنا مع النبيّ (ص) في حفر الخندق إذ جاءت فاطمة ومعها كسرة من خبز فدفعتها إلى النبيّ (ص) فقال (ص) ما هذه الكسيرة؟ قالت: خبزته قرصاً للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسيرة، فقال النبيّ (ص): يا فاطمة أما إنّه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث". ومن أروع ما في سيرته (ص) أنّه كان يواجه المواقف الكبيرة مواجهة عقائدية وعاصفة تلهب الحماس في النفوس وتدفعها نحو التضحيات الجسام. كما ومن أخلاقه (ص): (الحلم، والصبر، والعفو، والشجاعة). إنّ الحلم والاحتمال والصبر والعفو معانيها كلّها متقاربة فهي كلّها مما أدّب الله به نبيّه المصطفى (ص) فقال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199). والعرف هو كلّ ما فرض الله فعله أي كلّ الواجبات الدينية. وإنّ المطالع لسيرة الرسول محمّد (ص) الأعظم يعلم إنّه كان من صفاته أن يعفو عمن ظلمه ويصل من قطعه ويحسن إلى مَن أساء إليه وإنّه كان لا يزيده كثرة الأذى عليه إلّا صبراً وحلماً. قال تعالى في خطابه للرسول (ص): (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (الأحقاف/ 35).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق