هي ليلة اختصها الله بفضله، وكرمها وشرفها بإنزال كتابه القرآن فيها؛ ذلك قول الله سبحانه: بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة القدر). هذه الميزات التي جاءت بها هذه السورة تعرفنا بفضل هذه الليلة وقدرها عند الله؛ حتى ينتظرها الناس ويحيوها عبادة لله وتلاوة لكتابه الذي أنزله فيها وجعلها مباركة، كما قال الله في سورة الدخان: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان/ 3-4). ثمّ يحدد القرآن أنّ نزوله كان في شهر رمضان؛ فيقول الله في سورة البقرة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185). ومن هذه الآيات جميعاً كانت ليلة القدر من ليالي شهر رمضان، ولكن أية ليلة منه؟ لعلّ الله أخفى وقتها ليتعدد طلب المؤمن لها بألوان من الدعاء والعبادة، كما أخفى الإجابة في الدعاء ليبالغ المؤمن فيه، وكما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليجتهد المؤمنون في العبادة والدعاء جميع هذا اليوم، وكما أخفى الله موعد قيام الساعة ليديموا على الحذر من مفاجأتها ومما يدل على أنّها في العشر الأخير من رمضان ما ثبت من أنّ النبي (ص) كان يعتكف في المسجد في هذه العشر ويغلب على الظن أنّه كان يفعل هذا طلباً لهذه الليلة وتعليماً لأُمّته.
ميزات وعلامات لهذه الليلة جاء بها القرآن في سورة القدر:
- أنّها خير من ألف شهر بسبب نزول القرآن فيها؛ ولذلك يفضل تلاوته في هذه الليلة، ولقد حث الرسول (ص) على القيام فيها في قوله: "مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه". والمراد من إنزال القرآن فيها بدء نزوله على رسول الله (ص).
- (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)، أي أن نزول الملائكة كثير ونزول جبريل في تلك الليلة بإذن ربهم وأمره إياهم من أجل كلّ أمر قضاه الله – سبحانه – لينفذوا هذه الأوامر.
- (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، أي يسلم فيها الملائكة على المؤمنين تحية لهم، أو أنّ الله يسلم على المؤمنين، والسلام من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار. ويمكن أن يكون المعنى: أنّ الله يتجاوز عن سيئات المؤمنين السابقة إذا تابوا وأنابوا وأقبلوا فيها على عبادته، وأنّ هذا السلام هو رحمة من الله مستمرة هذه الليلة حتى انتهائها بطلوع الفجر.
إنّ الليلة موسم عبادة وإنابة، فتوبوا إلى ربكم واستغفروه لعلّكم ترحمون، خذوا من هذه الليلة صفاء النفس، وطهارة القلب، وإنابة المؤمن، وإيمانه بربه، وشكره على نعمه؛ فإنّ شكر المنعم واجب (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم/ 7).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق