شهر رمضان هو شهر التقوى والتقرب إلى الله عزّوجلّ بالإقبال على الطاعات وهجر المعاصي والذنوب، على أمل التعرض لنفحات الكرم الإلهي والرحمة الربانية التي يفيض بها الله تعالى على عباده في هذا الشهر الفضيل. يحتاج المسلم إلى أن يذكر نفسه وغيره بضرورة استثمار الأوقات المباركة ومواسم الرحمة والمغفرة في العمل للآخرة، وبضرورة الإفادة من الوقت ونفحات هذا الشهر وآثارها المباركة العاجلة والآجلة. لذا، فإنّه من المهم بمكان أن ينتفض المسلم انتفاضة رحمانية روحانية رمضانية مع انطلاق هذا الشهر الكريم، ليزيل غبار المعاصي المتراكم، والوهن الذي أوهى القلوب والأفكار، فيعيد نور الفطرة إلى القلب المظلم، ويغذي الروح بمياه النقاء، ويكسو الجوارح بلباس التقوى، ويعطر كيانه بعبير التوبة، فيسلم من الضلالات، ويستل عن مجاميع الهوى متشوفاً جوامع الهدى، ويطرد عن نفسه تلك الأدران التي ربما لحقته قبل إشراقة شمس رمضان مستفيداً من هذا الشهر وبركته، سالكاً هدى النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، مقتدياً بكمال علوم همته (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذاته وأمته، ولاسيما في مثل هذه الأوقات الفاضلة والمواسم الفاصلة في حياة المسلم. إنّ الغاية العظمى التي ينال بآثارها العبد القرب من ربه، ولاسيما بعد ركوب موج بحر رمضان، وتحمل آثاره، والتعلم في ظلال مدرسته، وسعيه الحثيث إلى تحقيقها والوصول إلى معرفتها وقطف ثمرتها وهي التقوى. فعلينا أن نجدد العزم على تحقيق هذه النتيجة، ونجتهد في تحصيل هذه النفحة. أجل شيء يفتح الله تعالى به على عبده التقوى، فإنّ منها تتشعب الخيرات وأسباب القربة والتقرب، وأصل التقوى هو الإخلاص، وحقيقته التخلي عن كلّ شيء إلّا ممن إليه تقواك، لا يصل العبد إلى شيء من التقوى حتى يكتمل زهده وورعه، والتقوى مقرونة بالراحة، أي من حيث الثمرة، قال تعالى في: (... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (الطلاق/ 2). لذا فعلينا أن نحرص على الوصول إلى صحة التقوى، التي هي من غايات الصوم، بترك سائر الذنوب، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 102). لا معين إلّا الله، ولا دليل إلّا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا زاد إلّا التقوى، ولا عمل إلّا الصبر، من أراد أن تصح له التقوى فليترك الذنوب كلها. ومعلوم أن الله تعالى فرض الصوم على الأمة الخاتمة، كما فرضه على من قبلها من الأمم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). ولكل أمة شرعتها فيه، ولا شك في أن معاني التطهير حاضرة في سائر تشريعه جلّ جلاله للصوم، وأنّه من أهم وسائل التنزيه الظاهرة التي تقود إلى تنزيهه الباطن مما قد تقع فيه الإنسانية من التعلق بالدُّنيا، والانغماس في ملاذها، إضافة إلى المعاني التي يحملها كالتجرد لله تعالى، والامتثال لأمره سبحانه، كما أن فيه من معاني ترويض النفس والخلق لتحمل سلوك طريق الهداية والصبر فيه، وهو من السُبل الظاهرة الباهرة في تحقيق القرب من الله عزّوجلّ. ولقد جُعل أجر الصوم من منح الله تعالى، ولا دخل لأحد من الخلائق في قبوله أو رفضه أو الإثابة عليه ومضاعفته أو رده على صاحبه، أو إنزال العقوبة على العبد بناء على نية أدائه، لاسيما إذا كانت على غير الوجه المطلوب. فما أجمل أن نلتقي في رمضان بالصدق والإخلاص والوفاء والمحبة فبالحب نعيش ونسعد من دون لوم أو تجريح، فنطوي آلامنا، ونفتح قلوبنا للمحبة، ونتمنّى الخير لنا ولكل الناس، وبقدر فرحتنا بإستقباله بقدر ما نرفع أيدينا بالدُّعاء، راجين من المولى أن يعيده علينا ونحن أسعد حالاً وأكثر إيماناً وحباً. فهو شهر وحيد في فضله، عظيم في أجره، فالملائكة تستغفر للصائمين حتى يفطروا، فعلينا أن نتسامح مع من أسأنا لهم، ونصل من قطعنا، ونعطي من حرمنا، ونعفو عمن ظلمنا، ونراجع كشف حسابنا، وما حصدناه طوال حياتنا السابقة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق