• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام السّجاد (عليه السلام) ومنهج الدُّعاء

عمار كاظم

الإمام السّجاد (عليه السلام) ومنهج الدُّعاء

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، وفي آية أُخرى يقول سبحانه: (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186)، وقال سبحانه: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان/ 77).

تركّز هذه الآيات على أهميّة الدُّعاء، فهو الذي يجعل الإنسان قريباً من الله بشكل أساسي، لأنّ الدُّعاء هو أن تتحدّث مع الله؛ أن تناجيه، أن تشكو له، أن تطلب منه ما تحتاجه، أن تحدّثه، وهو العالِم بما يدور في نفسك، عن كلّ آلامك وأحلامك ومشاكلك، لأنّه وحده في الكون القادر على أن يحلّ لك مشاكلك، ويزيل عنك آلامك، ويقضي لك حاجاتك.. وليس من الضروري في الدُّعاء أن تحمل الكتاب وتدعو، بل يكفي أن تدعو بحسب لغتك؛ أن تقول عندما تشعر بالتعب: «يا ربّ، أنا تعبان ومتألم»، أن تتكلّم مع الله تعالى بطريقتك الخاصّة، لتشعر أمامه بالراحة والسعادة. وكما أنّ الصلاة هي معراج روح المؤمن إلى الله، كذلك الدُّعاء هو الطريقة التي تتصل فيها بالله وتتقرّب فيها إليه.

والإمام زين العابدين (عليه السلام) كان خير دليل ومرشد لهذا الطريق وهو طريق الدُّعاء الذي جعل منه منهج كامل ومتكامل ليساعدنا على السير فيه.. فعندما ننفتح على حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام) فإنّنا نرى الدُّعاء هو المنهج الذي تركه لنا، وكان يمارسه أمام الناس، وهناك فرق بين أن تكتب دعاءً وتقدّمه للناس، وأنّك تعيش هذا الدُّعاء في نفسك وتتحدّث وتبتهل إلى الله به والناس من حولك، إنّك بذلك تعطيهم إيحاءً من خلال هذا الجوّ الروحاني الذي ينطلق من دعاء شخص كزين العابدين (عليه السلام)، كيف يكون دعاؤه كدعاء أبيه عندما دعا في يوم عرفة.. كما قال الراوي: لقد شعرنا بأنّ كلّ مَن حولنا وما حولنا يبكي خوفاً من الله سبحانه وتعالى، ولذلك، استطاع الإمام زين العابدين (عليه السلام) أن يموّن تلك المرحلة بهذه الثروة الدُّعائية المتنوّعة التي تقتحم على الإنسان كلّ حياته، فنراه في أية حالة فردية أو اجتماعية عامّة أو خاصّة، يدعو الله سبحانه وتعالى.

ونجد في (الصحيفة السّجادية)، وفيما تركه الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الدُّعاء خارج الصحيفة السّجادية، كدعاء أبي حمزة الثمالي وما إلى ذلك، نجد أنّ هذا الدُّعاء يغني كلّ حاجات الإنسان للحديث مع الله سبحانه وتعالى، ولو قرأنا أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام)، لرأينا أنّها ليست مجرد أدعية ابتهالية روحية في المطلق، ولكنّها أدعية مثقّفة، باعتبار أنّها تشتمل على الكثير من المفاهيم الإسلامية في الواقع الداخلي للإنسان، وفي الواقع الخارجي له، وفي علاقته بأقرب الناس إليه وأبعدهم عنه، وفي نظرته إلى المال، وفي وظيفته، ونظرته إلى أهل المال ومكانتهم، ونظرته إلى الفقراء وإلى الأغنياء، ونظرته إلى قضية العدل والظلم، ونظرته إلى التخطيط في الزمن كيف يكون زمناً إسلامياً، ونظرته إلى حالة الصراع بين المسلمين وغيرهم، فيقف من أجل أن يدعو لأهل الثغور، بالرغم من أنّهم لم يكونوا من خاصته، لأنّ قضية الإسلام كانت كلّ قضيته.

ومن هنا، ملأ الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذا الفراغ الروحي بكلّ هذا الامتلاء والغنى الروحي، ولا نزال نتغذّى من مائدة هذا الإمام العظيم في الصحيفة السّجادية وغيرها، ونشعر كما لو كانت هذه الأدعية هي أدعية مرحلتنا، لأنّها ليست أدعية زمن معيّن أو شخص معيّن، ولكنّها أدعية الإنسان كلّه والحياة كلّها.. فـ(عليه السلام) ملأ كلّ المرحلة التي عاش فيها علماً كأعمق وكأوسع ما يكون العلم، وروحانيةً كأصفى وأنقى وأسمى ما تكون الروحانية في انفتاح الإنسان على الله تعالى.

ارسال التعليق

Top