• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السوائل العشبية.. نبات الشمّر أنموذجاً

بريهان فارس عيسى

السوائل العشبية.. نبات الشمّر أنموذجاً
كما أنّ الطبيعة التي نعيش فيها غنية بألوان وأشكال النباتات العشبية التي يمكن لنا أن نتناولها كسوائل سواء كانت باردة، أو ساخنة، فإن أبداننا تحتاج إلى التنوع في تناول هذه السوائل، ليس بحثاً عن الاستمتاع بتناولها فحسب، بل كلون من ألوان العلاج التلقائي لبعض الأمراض التي يمكن لهذه الأعشاب أن تقاومها وتعالجها مع مرور الزمن.   - نبتة الشمّر: من هذه الأعشاب الغنية بالخواص والميزات الصحية، نتعرف في هذا المقال على نبتة مهمة، هي نبتة الشمّر. مع هذه النبتة نكتشف كم أنّ الطبيعة غنية بألوان الأعشاب التي تحمل فوائد جمة للناس، وكل ما تغتني به هذه الطبيعة له حاجز ومنفعة، إذ لا شيء فيها لا يلزم الإنسان. الشمر هو نبات مائل إلى اللون الأصفر، ومعروف لدى شعوب البحر المتوسط، ينمو بين 4 و5 أقدام في الطول. تجذب زهور الشمر ذات اللون الذهبي النحل، أما الزيت المستخرج من الشمر، فيكون من بذوره بعد كسرها حيث لها مذاق حلو ورائحة عطرة، كما أنه يهدئ المعدة والتشنجات أيضاً.

 والشمر: Fennel من النباتات المشهورة والمعروفة وهو نبات عشبي معمر، من الفصيلة الخيمية، كثيرة الأغصان بأوراق خيطية تتدلى إلى الأسفل، ولونها يميل إلى الزرقة، ساقها مبرومة زرقاء أو حمراء داكنة، والأزهار مظلية ذات لون أخضر إلى مصفر تكّون حبيبات صغيرة طولانية صفراء.

  - أسماء كثيرة تدل على منافع جمة: هناك أسماء وألقاب عديدة تطلق على هذه النبتة الغنية وذلك نسبة إلى فوائدها الكثيرة، وإلى الأمراض المتنوعة التي تعالجها، ومن هذه الأسماء والتعريفات: السنوت، والرازيانج، والشمار، والبسباس، والكمون، والشمرة، والشمر المر، والشمر الحلو، والحلوة، والحبة الحلوة، وحبة الحلاوة العربية، والشمر الكبير، وشمر الحدائق، والشمر الوحشي، والشمر الزهري. أما الاسم العلمي لهذا النبات فهو: Foeniculum Vulgare من خصائص الشمر السنوت: يحتوي الشمر (السنوت) على زيوت طيارة وأهم مركبات الزيت مركبا الأنيثول (Anethole) والفينشون (Fenchonp) وتعود الرائحة المميزة للسنوت إلى المركب الأخير، كما يحتوي على مركب الاستراجول (Esthagole) بالإضافة إلى فيتامينات أ، ب، ج، ومعادن الفسوفور والكالسيوم والكبريت والحديد والبوتاسيوم. وقد عُرف في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، ثمّ انتشر إلى أمريكا الجنوبية عن طريق الإسبان، ثمّ في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد دخل إلى ولاية فرجينيا بواسطة الإنجليز. ينتشر نبات السنوت في كل من مصر واليونان وسورية وجميع بلدان المغرب العربي وبكثرة في جنوب المملكة العربية السعودية ويعتبر أفضل الأنواع، ويُعرف في تلك الأماكن باسم السنوت. وتعتبر مصر وسورية من أكثر البلدان المنتجة للشمر.   - المكانة الطبية: استخدم الشمّر (السنوت) منذ آلاف السنين لعلاج كثير من الأمراض، فقد استخدمه الفراعنة تحت اسم (شماري). وعثر علماء الآثار على ثماره في مقابر بني حسن ودهشور، بينما ورد ذكره في بردية هاريس الطبية تحت اسم (شامارن)، ومن المعروف أن اسمه بالقبطية القديمة (شمارهوت) بينما ورد في بردية ايبرز وبرلين تحت اسم (بسباس) الذي احتفظ به العرب، ثمّ تحول بعد ذلك إلى بسباسة. كما ورد الشمّر في بردية هيرسيت كمنبه عطري للمعدة، أما في بردية أيبرز الطبية، فهو علاج انتفاخ البطن وكثرة الغازات، ويدخل ضمن عدة وصفات لعلاج نزلات البرد وتسكين الآلام. إضافة إلى أن زيت السنوت يُستخدم في صناعة العطور وبعض الوصفات الطبية. للسنوت مكانة في الطب العربي أيضاً، فهناك أحاديث عديدة عنه، ومنها ما ذكر عبدالملك بن حبيب عن أنس بن مالك (رض) أن رسول الله (ص) قال: "عليكم بأربع فيهن شفاء من كل داء إلّا من السام: السنا – والسنوت – والثغاء – والحبة السوداء". وقد ذُكر في الطب القديم أنّ السنوت نوعان: بري، وستاني. ومنه صنفان: نبطي، ورمي. وأشاد الأطباء القدماء من عرب وغيرهم بفوائده ومنها أنّه يحد البصر وخصوصاً صمغه، ويفرز الحليب، ويدر البول والطمث، ويفتت الحصاة، وباأخص ما كان منه رطباً طرياً، ويحلل الرياح وينفع من التهيج في الوجه، وورم الأطراف، والتبخر به يسكن الصداع ويدفع ضرر السموم. للسنوت تاريخ قديم فقد زرعه الصينيون القدماء والهندوس والمصريون، وزرعه الرومان وأكلوا عروقه وأوراقه العطرة الزكية الرائحة. وكان السنوت من أفضل المواد الطبية المستخدمة في العصور الوسطى حيث كانت تضاف أوراقه الطازجة إلى مأكولات السمك والخضراوات وذلك عند الأغنياء، أما الفقراء فيأكلون أوراقه كمادة فاتحة للشهية.   - متكشفات طبية معاصرة: لذلك فقد وقف الطب الحديث أمام هذه النبتة ودرسها دراسة متأنية من أجل اكتشاف المزيد من منافعها. لقد أثبت الألمان أنّ السنوت من أفضل الأعشاب لعلاج تعب المعدة، وكذلك مشاكل الهضم، ولعلاج النفخة والغازات وإزالة المغص، وتبيّن في الطب الحديث أن أفضل طريقة لاستخدامه هي سحق ثماره ووضعها في كأس مملوءة بالحليب وشربه، كما يوصى به للأطفال دون سن الثانية كمضاد لآلام المغص وذلك بسحق ملعقة صغيرة ونقعها في ملء فنجان لمدة 15 دقيقة، ثمّ يُسل الماء ويُضاف إلى حليب الطفل، ويمكن استخدام الوصفة ذاتها لإيقاف الإسهال عند الطفل، كما يجوز استخدام السنوت لتهدئة وتنويم الأطفال. وقد أثبت العلماء أن مركب الاستراجول الموجود في السنوت له تأثير مشابه لتأثير الهرمونات الأنثوية، حيث اتضح أنّه يزيد من إفراز الحليب لدى المرضعات ويساعد في إدرار الطمث. وأثبتت المستوصفات الصحية الألمانية استعمال السنوت في أشكال مختلفة مثل الأشربة، كشراب العسل بالسنوت لعلاج احتقان الجهاز التنفسي حيث يذيب المخاط المفرز في قنوات الجهاز التنفسي وبالتالي يعمل كطارد للبلغم.

 بعد هذه المكتشفات الطبية المهمة غدا السنوت في كثير من دساتير الأدوية الأوربية يُستخدم لهذه العلاجات، كما أثبتت الدراسات العلمية أنّ للسنوت تأثيراً قاتلاً لبعض أنواع البكتيريا ولهذا يستخدم لإيقاف الإسهال المتسبب عن البكتيريا، وهناك العديد من الوصفات أذكر هنا أهمها:

أ- علاج الاضطرابات الهضمية والإمساك، وفي هذه الحالة يُحضر ثمار السنوت بمعدل ملء ملعقة أكل من مجروش السنوت تضاف إلى ملء كوب ماء مغلي، ويُترك لمدة 20 دقيقة، ثمّ يُشرب مع السنوت مرة في الصباح، وأخرى في المساء. للمشاكل البولية مثل حصيات الكلى، أو الاضطرابات المرتبطة بارتفاع نسبة حمض اليوريك، وهنا يُستخدم جذور السنوت بمعدل ملء ملعقة من مسحوق السنوت، تُضاف إلى ملء كوب ماء مغلي ويُترك لمدة 15 دقيقة، ثمّ يُشرب كاملاً مرة في الصباح، وأخرى في المساء. ت- يُستعمل مغلياً جميع أجزاء السنوت غرغرة لعلاج التهابات الفم واللثة. ث- تُستعمل مغلية أوراق السنوت كحقنة شرجية لعلاج المغص عند الأطفال. ج- يُستعمل مغلياً مسحوق الجذور للغرغرة في التهاب الفم أو لغسل العين أو تكميدها عند إصابتها بالتهاب الملتحمة – الرمد – أو إجهادها في القراءة أو الكتابة، وذلك بإضافة فنجان من الماء الساخن بدرجة الغليان إلى مقدار ملعقة صغيرة من مسحوق الجذور لمدة 10 دقائق. ح- تُستعمل أوراق الشمر الغضة لمعالجة الثدي أيضاً، وذلك بوضع الأوراق الغضة فوق موضع الإصابة وتثبيتها بضماد، وتستعمل الأوراق المسلوقة أيضاً بتثبيتها ساخنة فوق البطن لطرد الغازات وتسكين الآلام الناتجة عنها في الأمعاء حتى عند الأطفال. خ- الشمر طارد للريح ومنشط للدورة الدموية ومضاد للالتهابات. د- مغلي البذور مسكن وملطف للمعدة ومدر للحليب أثناء الإرضاع. ذ- زيت الشمر مفيد لمشاكل الهضم ومسكن للسعال والأمراض النفسية. ر- يذاب زيت الشمر مع (25) نقطة من زيوت الصعتر والأوكالبتوس في (25) مل من زيت عباد الشمس أو زيت اللوز، ويفرك به الصدر لعلاج الأمراض الصدرية. ز- كمادات شاي الشمر الدافئة التي توضع على جفن العين تخفف من ورم الجفن وتحسن من الرؤية.   - فوائد صحية عامة: اكتشف الطب الحديث أنّ الشمر نافع لمعالجة الالتهابات في الجلد المخاطي – النزلة الشعبية والسعال في الصدر – ونوبات الربو، والسعال الديكي، والتهاب الحنجرة – بحة الصوت – وسوء الهضم في المعدة والأمعاء في إصابتها الحادة والمزمنة، وحتى في حالات سرطان المعدة وكذلك يُستعمل لمعالجة التالبولي بحوض الكلى والمثانة والمسالك البولية. كما أن مغلي الشمر يفيد كعلاج في جميع الحالات المذكورة خصوصاً عند الأطفال والشيوخ والمنهوكي القوى من المرض، فهو يغسل الجلد المخاطي ويزيل عنه إفرازات الالتهاب ويسكن بذلك الآلام الناتجة عنها. بالنسبة للمرأة الحامل، يمكن أن تشرب القليل من مغلي الشمر أيضاً لمعالجة ما قد تصاب به من اضطراب الهضم كالإمساك والغازات المعوية والغثيان أو القيء، وكذلك الأطفال الرضع، ثمّ إن مغلي حبيبات الشمر يدر إفراز الحليب، ويعمل مغلي حبيبات الشمر بإضافة فنجان من الماء الساخن بدرجة الغليان إلى مقدار ملعقة صغيرة من الحبيبات المهروسة ويشرب منه مقدار (2-3) فناجين يومياً. أما للأطفال الرضع فيكتفى لعمل مغلي حبيبات الشمر بكمية أقل من رفع ملعقة صغيرة من الحبيبات المسحوقة ويمكن غليها بالحليب مع الماء.

 ويجوز استخدام بذور الشمر لتفريج انتفاخ البطن وتهدئة آلام المعدة وتنبيه الشهية، وهي مدرّة للبول، ومضادة للالتهابات، كما تُستخدم البذور لالتهابات الحلق، ومقشعاً معتدلاً لإخراج البلغم. والشمر مأمون للأطفال ويمكن أن يُعطى كنقيع أو مغلي لعلاج المغص وضد التسنين المؤلم عند الرضع، ويدر حليب الثدي كما يُستعمل مغلي بذور الشمر لعلاج وتسكين نوبات السعال وذلك بأخذ ملء ملعقة كبيرة من مطحون بذور الشمر في كوب زجاجي ثمّ يُصب عليها الماء المغلي فوراً ويُغطى لمدة 10 دقائق ثمّ يصفى ويُشرب بواقع كوب بعد كل وجبة غذائية يومياً. ومن الفوائد المهمة لعشب الشمر أنّه: يحفز الشهية ويساعد في الهضم، حيث تُغلى ملعقة واحدة من بذور الشمر في 100 ملليلتر من الماء لمدة نصف ساعة ويُستخدم لعسر الهضم والانتفاخ والإمساك.

ويعد الشمر من أكثر الأعشاب أماناً للاستخدام في علاج المغص والذي يساعد الطفل على التخلص من الغازات وإراحة المعدة. وهنا تغلى ملعقة صغيرة واحدة من عشب الشمر في كوب من الماء ويترك الشمر منقوعاً في الماء حوالي 20 دقيقة، ثمّ يصفى ويترك ليهدأ قليلاً، ويُعطى للطفل، كما أنّه يوصف لتهدئة المغص. ومن المعروف عن الشمر فائدته لعلاج حصيات الكلى، ومشاكل الدورة الشهرية، والغثيان، والسمنة، وزيادة إفراز اللبن في الثدي أثناء الرضاعة الطبيعية. هنا ندرك كم أن علاقتنا هي علاقة وثيقة بالطبيعة، إذ تحتوي على مقومات الحياة الصحية والطبيعية، بيد أننا نهمل ما تغتني به الطبيعة، ويكاد طعامنا وشرابنا يقتصر على منتجات محددة دون أن نسعى إلى اكتشاف ما تغتني به الطبيعة، ويمكن لنا بلوغ ما نرتئي بيسر. إن بعض الأعشاب لم يستخدمها بعضنا البتة، بل البعض لم يسمع عنها، وهي في متناول يده، ويأتي ذلك على ألوان من الفاكهة والخضار، بل وحتى اللحوم التي تحتاج إليها أجسامنا. إنّ هذه النبتة يمكن لها أن تقف رادعاً أمام بذور أمراض يمكن لها أن تستفحل في أبداننا، وعندما نستخدمها نجدها بشكل تلقائي تصارع مقدمات تلك الأمراض، بل وتعالج بعضها أيضاً دون أن ندري بأن ما تناولناه كان علاجاً حقيقياً.

ارسال التعليق

Top