• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

توثيق المحبة بالإيثار

توثيق المحبة بالإيثار

◄من الصفات الكريمة التي يتحلى بها الإنسان: الإيثار، الذي هو تفضيل الغير على النفي في الخير وهو شعار النفوس الكبيرة الساعية لخدمة الإنسانية، وبعكس الفكرة القائلة: إنّ أكبر شرّ في الإنسان هو عيب يرافقنا جميعاً منذ الولادة، وكلّ النّاس يسامح نفسه فيه ولهذا لا تجد من يبحث عن الخلاص منه، انّهم يسمونه الحب الذاتي، ولا شك في أنّ لهذا الحب الذاتي بعض المحل من الحقّ، بل من الضرورة، لأنّ الطبيعة هي التي ركبته فينا، ولكن ذلك لا يمنع انّه متى أفرط فيه صار العلة العادية لجميع خطايانا. قد يتعامى الإنسان بغاية السهولة عما يجب، فقد يسيء الحكم على ما هو حقّ وطيب وجميل متى ظن أنّ الواجب عليه أن يفضل دائماً منافعه على منافع الحقّ، فأي إنسان شاء أن يكون رجلاً عظيماً لا ينبغي له أن يحب ذاته ولا ما هو له، ولا ينبغي أن يحب إلّا الخير سواء في نفسه أو في غيره، وإلا وقع من سلوكه في ألف خطيئة لا يمكن اجتنابها.

فالإيثار له أكبر الأثر في توثيق المحبة بين أفراد المجتمع إذا يجعلهم متعاطفين متعاونين، بعكس الاثرة التي تجعل صاحبها مكروهاً منبوذاً من المجتمع لأنّه لا يرغب أن يؤدي حقّه فيه. هذا ما يحمله الإيثار من سعادة لصاحبه، فمن أهم مكتشفات علم النفس الحديث ما ثبت علمياً أنّ سعادة الإنسان لا تتحقق بغير تضحية النفس في سبيل الغير.

لهذا دعا الله إلى الإيثار ومد قوماً تخلقوا به: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9).

جاء في أسباب نزول هذه الآية: "أتى رجل رسول الله فقال: أصابني الجهد، فأرسل الرسول إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً، فقال (ص): ألا رجل يضيف هذا الرجل الليلة رحمه الله؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله، قالت: والله ما عندي إلّا قوت الصبية، قال: إذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فاطفئي السراج ونطوي الليلة لضيف رسول الله، ففعلت، ثمّ غدا الرجل على رسول الله، فقال (ص): لقد عجب الله من فلان وفلانة وأنزل الله فيهما: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)".

هذه الحادثة تدل على عمق التربية التي غرسها الإسلام في اتباعه، وفيها قبس للذين ينشدون السمو الروحي لخير المجتمع.►

ارسال التعليق

Top