◄عندما ندرس النصّ القرآني في مسألة الصيام نجد أنّ الله يقول: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، إنّ هدف الصوم هو تعميق التقوى وتجذيرها في عقل الإنسان وفي قلبه وحركته في الواقع.
فمن لم يحصل على ملكة التقوى وفعليتها في شهر رمضان فإنّه لم يكن قد حقق هدف هذا الشهر، وينطبق عليه الحديث الشريف "رُبّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش"، لذلك علينا أن ندخل في شهر رمضان دخولاً واعياً، تماماً كما لو كان للإنسان غاية يريد أن يحصل عليها، ولذلك لابدّ للإنسان أن يراقب نفسه في كلّ يوم من أيّام الصوم ليعرف ما إذا كان قد تقدّم في التقوى أو أنّه تقهقر، حتى ينتهي الشهر ليكون في القمّة من التقوى.
ثمّ إنّ هذا الشهر الذي أراده الله سبحانه وتعالى حركة من أجل التقوى قد تضمّن في مستحباته عدة مفردات عبادية وثقافية، فيستحب للإنسان في هذا الشهر أن يقرأ القرآن ليترك من خلال آياته في التقوى العقلية، وحي يتثقّف بالقرآن وتكون الممارسة العملية للصوم عنده ممارسة نابعة من قاعدة ثقافية هي ما يقرأه في القرآن من آيات العقيدة والشريعة والموعظة والمنهج والحركة في الحياة. ولقد أكّد الله سبحانه أنّ شهر رمضان هو شهرُ القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة/ 185)، فافتحوا على القرآن كما لو كان ينزل عليكم الآن لتستقبلوه بعقولكم وألسنتكم وحياتكم.
ثمّ أرادنا الله في ليالي ونهارات هذا الشهر أن ندعوه في ابتهالاتنا (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، واعتبر الذين يتركون الدعاء مستكبرين (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60)، وهكذا يقول: (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186)، وقد ترك لنا النبيّ (ص) والأئمة (عليهم السلام) تراثاً من الأدعية المتنوعةالمتحركة التي ندعو الله بها في النهار وفي المساء وفي السحر وفي كلّ يوم، مما يمثل ثروة روحية ثقافية تعمق الروحانية في نفس الإنسان وتقرّب الإنسان إلى الله لأنّها توصله إليه.
إنّ شهر رمضان هو موسم من مواسم الروح والتقوى والاستقامة، وهو كما وُصِفَ في الخطبة التي استقبل بها النبيّ شهر رمضان في آخر جمعة من شعبان" "أيُّها النّاس قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، قد دُعيتم فيه إلى ضيافة الله وجُعلتم فيه من أهل كرامته، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مُستجاب، فاسألوا الله بنيّات صادقة وقلوب طاهرة" اخلصوا فيه نيّاتكم وطهِّروا قلوبكم قبل أن تدخلوه، "واسألوا الله أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإنّ الشقي من حُرِمَ غفران الله في هذا الشهر العظيم"، فعلينا أن لا نكون من الأشقياء بل من الأتقياء، فإننا نحتاج إلى أن نُحضِّر أنفسنا وأرواحنا وعقولنا وأجسادنا للدخول إلى شهر رمضان، ولكنّ النّاس – للأسف – يُحضِّرون حلويّاتهم وكلّ ما يشبع بطونهم ثأراً من الصيام ومن جُوع هذه الساعات وبذلك نُتخم الصيام بشهواتنا وملذّاتنا، وإذا اتخمناهُ بكلّ ذلك فإنّ التخمة قد تجلب الموت وقد يموت الصيام في حياتنا ونموت روحياً... أعاذنا الله من ذلك.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق