الغرض من اللِّباس عندنا في الإسلام الستر والزينة:
(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) (الأعراف/ 26).
والريش أو الرياش تعبير عن وسائل الزينة وأدواتها، إذ لم يرد الله سبحانه وتعالى أن نستر أجسادنا فقط وإنّما أن نظهر بالهندام الجميل الذي يسرّ الناظرين من غير افراط ولا تفريط.
وقد حثّ الإسلام على التزيّن من خلال استحباب لبس الثياب الفاخرة والتعطر ولبس الحليّ بالنسبة للمرأة. وإذا كان قد حرّم لبس الذهب والحرير بالنسبة للرجال فلعلّ في ذلك إلفاتاً لعناية الرجل أنّ زينته خاصّة، وأنّ الترف يزيل النعم، غير أنّ إباحة التزيّن بالذهب وبغيره للمرأة محدّد بشرط عدم إبداء زينتها:
(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/ 31).
فالإسلام لم يحرِّم على المرأة لباساً خاصّاً شفّافاً أو واصفاً لجسدها أو أي زيّ كان، لكنّه طلب منها أن تستره ولا تبديه إلّا لمن حددتهم الآية الكريمة المارّة الذكر، وأن لا تبدي منه إلّا ما ظهر منها، وأن لا تقوم بالحركة التي تلفت أنظار الرجال إلى زينتها، وإلّا فهي تعيش شكلاً من أشكال الجاهلية الأولى وإن كان تتسمّى باسم الإسلام.
إلّا أنّ هناك ظاهرة لافتة شاعت في أكثر بلداننا الإسلامية وهي استقبال الوافد من الأزياء بحفاوة بالغة دون تمحيص وتدقيق وتحرٍّ عمّا يخبئه الزيّ الوافد.
إنّنا كمسلمين لنا هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا والأزياء المنسجمة مع ذلك ومع تعاليم ديننا الذي يمكن أن نلخّص مقولته في ارتداء الأزياء واضفاء الزينة بالكلمة التالية: ارتدِ ما يناسبك شريطة أن يكون محتشماً ولا يحمل ما يسيء إلى دينك وإنسانيتك:
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (الأعراف/ 32).
إنّ إقبال الشبّان والشابّات على الأزياء العصرية ومواكبة التقليعات والصرعات قد يكون أمراً لا ضير فيه مع مراعاة الاعتبارات الشرعية، إذ ليس كلّ زيّ وافد يستقبل بحفاوة، فلربّما يصدّره أعداؤنا للإساءة إلى شخصيتنا وأخلاقنا لنعيش لوناً من ألوان التحلّل من دون أن نستشعر خطورة ذلك، خاصّة وأنّ للألبسة رجالية كانت أم نسائية انعكاسات نفسية على اللّباس، أما رأيت لو أنّك مثلاً ارتديت الملابس الرياضية كيف تخفّ وتنشط لمزاولة الرياضة، وأنّك لو ارتديت الملابس العسكرية كيف تستشعر روحية العسكري، وقس ذلك على سائر الملابس، فلابدّ من الحذر من الانسياق مع الموضة في كلّ ما يقذفه سوقها إلينا ومن اتباعها في جميع صيحاتها، وقد لا يكون في بعض ذلك حرمة لكنّه يُظهر الشاب الذي يفترض فيه الرجولة بمظهر الأنثى وهذا يخلّ ولا شك بشخصيّته.
من هنا نفهم التحذير الشرعي من ارتداء ثياب الشهرة والاختيال، فثياب الشهرة هي التي تجعل لابسها مشهوراً بواسطتها على طريقة "خالِف تُعرَف"، وفي الحديث: "إنّ الله يبغض شهرة اللباس"، وأمّا ثياب الاختيال فأمر يتصل بالنيّة، فإذا كان القصد من اللباس التكبّر على الناس، فالتكبّر حرام، فالله سبحانه وتعالى يصف غطرسة وخيلاء "قارون": (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) (القصص/ 79)، متباهياً متبختراً مختالاً يمشي في الأرض مرحاً، الأمر الذي ترك أثره السلبي على بعض الفقراء الذين تمنّوا أن يكون لهم ما لقارون:
(قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (القصص/ 79).
لقد لاحظ رسول الله (ص) في مجلسه ذات يوم أنّ فقيراً جلس إلى جنب ثريّ فسحب الثريّ رداءه تكبّراً، فالتفت الرسول (ص) إليه مؤنِّباً: "خشيتُ أن يصيبك من فقره شيء؟" وقد رفض الفقير أن يعوّضه الثريّ عن هذه الإساءة شيئاً من ماله مخافة أن يداخله الذي داخل هذا المختال.
ولاشكّ في أنّ للباس الجميل وللزينة أثرين: أحدهما على المعتني بهندامه وأناقته، والآخر الناظر له، غير أنّه ينبغي أن يكون واضحاً أنّ الإسراف في الزينة والأناقة ليس شرطاً في الجمال، فقد تكون البساطة في الملبس ونظافته وكيّه واختيار اللون المناسب للبشرة هي الجمال.
كما أنّ الله سبحانه وتعالى إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن تظهر عليه:
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى/ 11).
ولذا جاء النهي أن يلبس الإنسان المسلم لباس أهل الذّلّ والمسكنة وهو اللباس الرثّ الخَلِق البالي الذي ينقص من كرامته في أعين الناس فتزدريه أعينهم، مثلما جاءت الدعوة إلى لبس أجود الثياب في الصلاة اليومية والجمعة والعيدين والاجتماعات العامّة للمسلمين حتى يطالعنا الآخرون فيسرّوا لمنظرنا:
(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف/ 31).
كان الرسول (ص) إذا جاءه ضيف لا يخرج لاستقباله إلّا إذا أصلح هندامه وسوّى شعره، وكان يقول: "إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيِّئ من نفسه، فإنّ الله جميل يحبّ الجمال".
ورأى النبيّ (ص) رجلاً رأسه أشعت، فقال: "أما وجد هذا ما يسكّن به شعره؟!"، وجاء رجل إليه ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه الرسول (ص) – كأنّه يأمره باصلاح شعره – ففعل، ثمّ رجع فقال النبيّ (ص): "أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنّه شيطان". ورأى آخر عليه ثياب وسخة، فقال: "أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه".
ويبقى أجمل اللباس وأبهره وأبهاه لباس الورع والإيمان والتقوى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف/ 26)، فهو اللباس الجميل دائماً الذي لا يبلى أبداً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق