وضع لنا النبيّ (ص) منهجاً متكاملاً في تربية من حولنا، صغيراً كان أو كبيراً رجلاً أو امرأة، جاهلاً أو متعلماً... في كيفية تقديم وصفة النجاح والسعادة لهم سواء كانت معتقداً أو عبادة أو فضيلة أو قيمة عندما قال في الحديث:
"يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
فاختصر تعليم الناس وتربيتهم على الخير في كلمتين:
1- التيسير
2- التبشير
لأنّه يعلم (ص) أنّ الناس قد جُبلوا على حب اليسير والسهل وتقبلهم لأي شيء عبر ذكر محاسنه، فلقد كان النبيّ (ص) عندما يخيَّر بين أمرين يختار أيسرهما مالم يكن إثماً، وعلى النقيض تماماً، فقد نهى في الحديث الشريف عن التعسير على الناس وإلزامهم بثقال الأمور وتنفيرهم عن المحاسن والفضائل باستخدام الشدة والغلظة الذي قد ينتج عنه كره شديد للمعلومة وإن كانت مفيدة، وقد يتفاقم الأمر إلى كره المربي. فعن أبي أمامة عن رسول الله (ص) أنّه قال: "شر الناس الضيق على أهله، قالوا: يا رسول الله وكيف يكون ضيقاً على أهله؟! قال: الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته وهرب ولده وفر، فإذا خرج ضحكت امرأته واستأنس أهل بيته".
ومع وجود هذا الأمر النبوي في التعامل، نجد كثيراً ممن حاد عن هذا الطريق في تربية أبنائه، وأصبح يتعامل معهم بأسلوب التعسير والترهيب وزرع الخوف والشك في نفوسهم، مما يجعلهم ينفرون مما يدعو إليه هذا المربي، حتى لو كانت قِيَماً وفضائل تبدو في حقيقتها للمتربين أمراً لا غنى عن وجوده، لكن الوسيلة المستخدمة قد جعلت هذه القيمة والفضيلة مرفوضة من الأبناء وليست مطلوبة.
وهناك دلالات كثيرة في القرآن الكريم والسُنة المطهرة التي تدعو من يمتهن مهنة التعليم والتربية أن يترفّق بمن حوله ويكون معهم هيناً ليناً كما ورد في الحديث:
"إنّ الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه"، وفي حديث آخر قال النبيّ (ص): "ألا أخبركم على من تحرم النار؟ على كلّ هين لين قريب سهل" فهذه الصفات الأربع:
1- هين.
2- لين.
3- قريب.
4- سهل.
يجب أن يتحلى بها المربون عند تعاملهم مع الأبناء، فقد قال المناوي – رحمه الله – في شرح هذا الحديث العظيم:
(على كلّ هين) أي متصف بالسكينة والوقار، (لين) وهي ضد الخشونة، (قريب) أي قريب من الناس، (سهل) أي سهل في قضاء حوائج الناس.
ولنا أيضاً من قصة سيدنا موسى وأخيه هارون (عليهما السلام) عظة ورسالة عندما أمرهما الله تعالى أن يذهبا لأكبر طاغوت في زمانه يدعواه إلى الهداية فقال:
(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه/ 43-44).
ففي هذه الآية، إشارة ربانية تربوية عظيمة، فبالرغم من أن فرعون وصل لمرحلة الطغيان والشرك الأكبر عندما ادعى الألوهية في قوله: "أنا ربكم الأعلى" إلا أنّ الرب جلّ وعلا أمر موسى وأخاه هارون أن يستخدما أسلوب التبشير والتيسير والرفق واللين في دعوة فرعون إلى الهداية، فإذا كان أمر الله تعالى في دعوة فرعون أن يكون بهذا الأسلوب فكيف بعامة الناس؟ بل كيف لو أردنا اسقاطها على تربية الأبناء! سنجد أنّهم أولى الناس بهذا الأسلوب فهم فلذة الأكباد وعماد المستقبل.
· خطوات عملية لاستخدام قطعة "التيسير والتبشير":
1- التيسير يكون في المعلومة المراد توصيلها للمتربي. والتبشير هي الوسيلة المستخدمة لنقل المعلومة.
2- إحدى صور التيسير على المتربين هو التدريج في تحميلهم التكاليف وتعليمهم القيم والفضائل وليس جميعهم بدفعات قليلة.
3- التبشير كلمة تعني غرس المعاني الفضيلة بإظهار الجانب المشرق والإيجابي لها.. مثال: تبشير الأبناء بفضائل الإلتزام بالصلاة، وفضائل تطبيق الصدق، وربحيات التقرب إلى الله، وليس خطورة ترك الصلاة أو ترك الصدق وترهيبه بالنار وغضب الله...
4- النبيّ (ص) في الحديث أمر بالتيسير ونهى عن التعسير، وأمر بالتبشير ونهى عن التنفير.
· ابدأ بالتيسير عليهم ثم بشرهم عبر المحفزات:
من الخطوات العملية في تطبيق ذلك أن تيسّر على من حولك في الطلبات والتكاليف ثمّ تبشرهم عبر محفزات معنوية ومادية إذا ما طبقوا هذا الطلب أو التكليف، أذكر في مرة من المرات أني أقمت في منزلنا مسابقة للأطفال، وكان فحواها (من يقرأ 4 كتب له جائزة قيمة)، وكانت النتيجة مذهلة للغاية بسبب تطبيقي لذلك بإتقان، فأوّل ما فعلته هو اختيار أربع قصص صغيرة الحجم لا تتعدى 15 صفحة (هنا التيسير)، ثمّ أتبعتها بإعلاني لأطفال العائلة أن من يقرأ القصص الأربع له جائزة قيمة (هنا التبشير عبر محفز). إنّ الأمر بسيط في التربية، فهي مجرد قواعد، ستنجح عند اتباعك لها!
"لا أدري لماذا لا يطير العباد إلى ربهم على أجنحة من الشوق بدل أن يُساقوا إليه بسياط من الرهبة؟! إنّ الجهل بالله وبدينه هو علّة هذا الشعور البارد، أو هذا الشعور النافر، مع أنّ البشر لن يجدوا أبرّ بهم ولا أحن عليهم من الله تعالى".
فلماذا أيها المربي تحرص على أن تربي من حولك عبر ترهيبهم وزرع الخوف في أنفسهم وإبراز عواقب ترك أوامر الله وإتيان نواهيه، ولا تركز على تقديم البشارات لهم وربحيات التعامل مع الله جلّ وعلا وتتناسى تربية أبنائك على رحمة الله وزرع حبه في ذواتهم حتى ينقادوا له بأجنحة من الحب والرغبة في العمل بما أمر؟
(ومضة)..
قيل: امنح أبناءك الكثير من الحب والقليل من المال، لأنّ حاجتهم إلى الحب أكبر من المال.
المصدر: كتاب المُرَبِّي/ كيف نربي في الزمن الحديث؟ 12 قاعدة مبسطة ومبتكرة
بشروا ولا تنفروا
عبدالمحسن العصفور
وضع لنا النبيّ (ص) منهجاً متكاملاً في تربية من حولنا، صغيراً كان أو كبيراً رجلاً أو امرأة، جاهلاً أو متعلماً... في كيفية تقديم وصفة النجاح والسعادة لهم سواء كانت معتقداً أو عبادة أو فضيلة أو قيمة عندما قال في الحديث:
"يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
فاختصر تعليم الناس وتربيتهم على الخير في كلمتين:
1- التيسير
2- التبشير
لأنّه يعلم (ص) أنّ الناس قد جُبلوا على حب اليسير والسهل وتقبلهم لأي شيء عبر ذكر محاسنه، فلقد كان النبيّ (ص) عندما يخيَّر بين أمرين يختار أيسرهما مالم يكن إثماً، وعلى النقيض تماماً، فقد نهى في الحديث الشريف عن التعسير على الناس وإلزامهم بثقال الأمور وتنفيرهم عن المحاسن والفضائل باستخدام الشدة والغلظة الذي قد ينتج عنه كره شديد للمعلومة وإن كانت مفيدة، وقد يتفاقم الأمر إلى كره المربي. فعن أبي أمامة عن رسول الله (ص) أنّه قال: "شر الناس الضيق على أهله، قالوا: يا رسول الله وكيف يكون ضيقاً على أهله؟! قال: الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته وهرب ولده وفر، فإذا خرج ضحكت امرأته واستأنس أهل بيته".
ومع وجود هذا الأمر النبوي في التعامل، نجد كثيراً ممن حاد عن هذا الطريق في تربية أبنائه، وأصبح يتعامل معهم بأسلوب التعسير والترهيب وزرع الخوف والشك في نفوسهم، مما يجعلهم ينفرون مما يدعو إليه هذا المربي، حتى لو كانت قِيَماً وفضائل تبدو في حقيقتها للمتربين أمراً لا غنى عن وجوده، لكن الوسيلة المستخدمة قد جعلت هذه القيمة والفضيلة مرفوضة من الأبناء وليست مطلوبة.
وهناك دلالات كثيرة في القرآن الكريم والسُنة المطهرة التي تدعو من يمتهن مهنة التعليم والتربية أن يترفّق بمن حوله ويكون معهم هيناً ليناً كما ورد في الحديث:
"إنّ الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه"، وفي حديث آخر قال النبيّ (ص): "ألا أخبركم على من تحرم النار؟ على كلّ هين لين قريب سهل" فهذه الصفات الأربع:
1- هين.
2- لين.
3- قريب.
4- سهل.
يجب أن يتحلى بها المربون عند تعاملهم مع الأبناء، فقد قال المناوي – رحمه الله – في شرح هذا الحديث العظيم:
(على كلّ هين) أي متصف بالسكينة والوقار، (لين) وهي ضد الخشونة، (قريب) أي قريب من الناس، (سهل) أي سهل في قضاء حوائج الناس.
ولنا أيضاً من قصة سيدنا موسى وأخيه هارون (عليهما السلام) عظة ورسالة عندما أمرهما الله تعالى أن يذهبا لأكبر طاغوت في زمانه يدعواه إلى الهداية فقال:
(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه/ 43-44).
ففي هذه الآية، إشارة ربانية تربوية عظيمة، فبالرغم من أن فرعون وصل لمرحلة الطغيان والشرك الأكبر عندما ادعى الألوهية في قوله: "أنا ربكم الأعلى" إلا أنّ الرب جلّ وعلا أمر موسى وأخاه هارون أن يستخدما أسلوب التبشير والتيسير والرفق واللين في دعوة فرعون إلى الهداية، فإذا كان أمر الله تعالى في دعوة فرعون أن يكون بهذا الأسلوب فكيف بعامة الناس؟ بل كيف لو أردنا اسقاطها على تربية الأبناء! سنجد أنّهم أولى الناس بهذا الأسلوب فهم فلذة الأكباد وعماد المستقبل.
· خطوات عملية لاستخدام قطعة "التيسير والتبشير":
1- التيسير يكون في المعلومة المراد توصيلها للمتربي. والتبشير هي الوسيلة المستخدمة لنقل المعلومة.
2- إحدى صور التيسير على المتربين هو التدريج في تحميلهم التكاليف وتعليمهم القيم والفضائل وليس جميعهم بدفعات قليلة.
3- التبشير كلمة تعني غرس المعاني الفضيلة بإظهار الجانب المشرق والإيجابي لها.. مثال: تبشير الأبناء بفضائل الإلتزام بالصلاة، وفضائل تطبيق الصدق، وربحيات التقرب إلى الله، وليس خطورة ترك الصلاة أو ترك الصدق وترهيبه بالنار وغضب الله...
4- النبيّ (ص) في الحديث أمر بالتيسير ونهى عن التعسير، وأمر بالتبشير ونهى عن التنفير.
· ابدأ بالتيسير عليهم ثم بشرهم عبر المحفزات:
من الخطوات العملية في تطبيق ذلك أن تيسّر على من حولك في الطلبات والتكاليف ثمّ تبشرهم عبر محفزات معنوية ومادية إذا ما طبقوا هذا الطلب أو التكليف، أذكر في مرة من المرات أني أقمت في منزلنا مسابقة للأطفال، وكان فحواها (من يقرأ 4 كتب له جائزة قيمة)، وكانت النتيجة مذهلة للغاية بسبب تطبيقي لذلك بإتقان، فأوّل ما فعلته هو اختيار أربع قصص صغيرة الحجم لا تتعدى 15 صفحة (هنا التيسير)، ثمّ أتبعتها بإعلاني لأطفال العائلة أن من يقرأ القصص الأربع له جائزة قيمة (هنا التبشير عبر محفز). إنّ الأمر بسيط في التربية، فهي مجرد قواعد، ستنجح عند اتباعك لها!
"لا أدري لماذا لا يطير العباد إلى ربهم على أجنحة من الشوق بدل أن يُساقوا إليه بسياط من الرهبة؟! إنّ الجهل بالله وبدينه هو علّة هذا الشعور البارد، أو هذا الشعور النافر، مع أنّ البشر لن يجدوا أبرّ بهم ولا أحن عليهم من الله تعالى".
فلماذا أيها المربي تحرص على أن تربي من حولك عبر ترهيبهم وزرع الخوف في أنفسهم وإبراز عواقب ترك أوامر الله وإتيان نواهيه، ولا تركز على تقديم البشارات لهم وربحيات التعامل مع الله جلّ وعلا وتتناسى تربية أبنائك على رحمة الله وزرع حبه في ذواتهم حتى ينقادوا له بأجنحة من الحب والرغبة في العمل بما أمر؟
(ومضة)..
قيل: امنح أبناءك الكثير من الحب والقليل من المال، لأنّ حاجتهم إلى الحب أكبر من المال.
المصدر: كتاب المُرَبِّي/ كيف نربي في الزمن الحديث؟ 12 قاعدة مبسطة ومبتكرة للكاتب عبدالمحسن العصفور
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق