السيِّدة زينب (عليها السلام) هي من نسبٍ وشرفٍ وعلمٍ وتقوى وجهاد، حيث شكَّلت الامتداد الطبيعي والرسالي لأُمِّها الزهراء (عليها السلام)، في صبرها وجهادها وتقواها، بما جعلها مدرسةً للأجيال في سيرتها التي لم تكن إلّا تضحيةً وفداءً للإسلام المحمّدي الأصيل، ولتأكيد الحقّ وشرعيّته، والوقوف بكلِّ ما أمكنها من قوّة في الخندق المواجه للباطل والظلم والانحراف.. هي السيِّدة الكريمة والمضحّية والمعطاءة بلا حدود، في سبيل رفع كلمة الله والدفاع عن الحقّ، بكلماتها التي هزَّت عروش الظالمين، ومواقفها البطولية التي زلزلت الأرض، وأكَّدت أنّ الحقّ لا يموت، مهما اشتدَّت الضغوطات والتحدّيات. ومَن تربّى في بيت الزهراء (عليها السلام)، الذي هو بيت الإمام عليّ (عليه السلام)، يصلح لأن يكون القدوة، فقد قدَّم هذا البيت الذي شكّل امتداداً للنبوّة والرسالة، الأنموذج الحيّ والعملي لأخلاقيات الإسلام، وروح شريعته ومفاهيمه التي تفتح عقول الناس وقلوبهم على الحقّ والخير والبرّ والعطاء، وعلى الوعي والمسؤولية تجاه الحياة والمصير والوجود.
شخصيَّة السيِّدة زينب (عليها السلام) التي مثّلت كلَّ فكر الزهراء (عليها السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، وشكّلت الامتداد للتجربة الإسلامية الرائدة المستنهضة لروح الأُمَّة، وتعزيز وعيها وحضورها. فإنّنا من خلال ما ندرسه من مسيرتها في كربلاء، وبالرغم من أنّ التاريخ لم يحدِّثنا عن سيرتها قبل كربلاء، وعن سيرتها بعد كربلاء تفصيلاً، ولكنّها كانت القائد في غياب القائد، وكانت الصابرة كأعمق وأرحب ما يكون الصبر، وكانت البطلة أمام المأساة، وهي القائلة: «اللّهُمّ تقبّل منّا هذا القربان»، فأيّ أُختٍ تعيش هذه المأساة، وهي لا تتوجَّه إلّا إلى الله، وهي تفكِّر في أنّ المسألة ليست مصيبةً شخصية في داخل الذات، وإنّما هي جهاد في سبيل الله.
ممّا نتعلّمه من سيرتها، أنّها تمثّل الأنموذج الخالد والحيّ للمرأة المسلمة، ولكلّ إنسانة ناضلت من أجل حفظ كرامتها وتحقيق رسالتها في الحياة، بما يبرز مدى ارتباطها بالله تعالى في كلّ الظروف والأوضاع، فهي التي صمدت ولم تضعف، بل كانت تستمدّ قوّتها من الله، ومن توكّلها عليه وثقتها به بالتسديد والتوفيق لعباده الصالحين المخلصين، الذين يطبّقون التوحيد في الحياة مواقف عملية كلّها عزّة وإباء وعنفوان ومواجهة للباطل وأهله.. نتعلّم من سيرتها كيف ننهض لننتصر للحقّ ونلتزمه بقوّة، فلا نهادن ولا نصالح على حسابه، ونتعلّم كيف نخلص في مواقفنا وعبادتنا وطاعتنا لله تعالى، فلا نقدّم أيّ حساب على حساب الله تعالى. لقد حملت العقيلة (عليها السلام) أمانة الرسالة وحفظتها بكلّ ما أُوتيت من قوّة، فكانت أمة الله الطائعة المخلصة بحقّ، لم تركن إلى دُنيا، ولم تستسلم لضغوطات هنا أو تحدّيات هناك.
هذه هي السيِّدة زينب (عليها السلام) الإنسانة المسلمة القوية، التي لم تستطع كلّ الضغوط وكلّ الآلام وكلّ الفجائع وكلّ المآسي، أن تسقط موقفها، وأن تجعلها تنسحب من الساحة.. وعندما نقدّم زينب (عليها السلام) إلى جانب الإمام الحسين (عليه السلام)، نستذكر أنّ أُمَّها فاطمة (عليها السلام) كانت إلى جانب الإمام عليّ (عليه السلام)، وأنّ جدتها خديجة كانت إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونفهم من هذا، أنّ الله تعالى يريد للمرأة المسلمة أن تقف وقفة الحقّ، وأن تواجه الظالمين، وأن تواجه الطُّغاة، وأن تملك القوّة في المواقع التي تفرض عليها أن تقول كلمة الحقّ، فالله لم يكلّف الرجل فقط في ما هي مسألة جهاد المواقف، بل كلَّف المرأة والرجل على حدٍّ سواء من أجل بلوغ الغاية في نصرة الله ونصرة دينه ونصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق