صحيح أنّه لا يكاد يخلو مجتمع من وجود الفقر والفقراء، الذين لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم بجهودهم الذاتية، إمّا لعجز لديهم يمنعهم من العمل والكسب، أو لأنّ ظروفاً اجتماعية تحرمهم فرص الحركة والإنتاج، أو تعوق نشاطهم الطبيعي. لكن بعض الظروف الاجتماعية غير العادلة، قد تزيد من رقعة الفقر، وتضاعف عدد الفقراء، وهـذا ما حصـل في عهـد الإمام الحسـن (عليه السلام). فمن المعالم البارزة في سيرة الإمام الحسن (عليه السلام)، والصفات المميزة لشخصيته العظيمة، اهتمامه برعاية الفقراء، وجوده وسخاؤه، على المحتاجين والمعوزين، حتى اشتهر بصفة (كريم أهل البيت)، وكلّهم كرماء أسخياء، لكنّ الظروف الاجتماعية ساعدت على بروز هذه الصفة الجليلة في شخصيته أكثر. هكذا وجد الإمام الحسن (عليه السلام) نفسه في مجتمع كثر فيه المعوزون وذوو الحاجات، والضمير الإنساني الذي يحمله الإمام، ومعرفته الحقيقية والكاملة بمبادئ الدِّين ومقاصده، وموقعيّته القيادية كإمام وراع حريص على مصلحة الإسلام والمسلمين، كلّ ذلك يجعله في موقع المهتمّ والمتصدّي لهذه الحالة الاجتماعية، ولا يمكنه أن يأخذ موقف اللامبالاة، أو الاهتمام الجزئي المحدود، لذا نذر الإمام نفسه، ووظّف إمكاناته وما تحت يده، لمساعدة مَن حوله من فقراء المجتمع.
كما رُوِي عن تواضعه وكرمه عشرات الروايات، فمن ذلك، أنّه اجتاز على جماعة من الفقراء، وقد جلسوا على التراب يأكلون خبزاً كان معهم، فدعوه إلى مشاركتهم، فجلس معهم وقال (عليه السلام): «إنّ الله لا يحبّ المتكبرين». ولما فرغوا من الأكل دعاهم إلى ضيافته، فأطعمهم وكساهم وأغدق عليهم من عطائه، ومرّة أُخرى، مرّ على فقراء يأكلون، فدعوه إلى مشاركتهم، فنزل عن راحلته وأكل معهم، ثمّ حملهم إلى منزله، فأطعمهم وأعطاهم، وقال (عليه السلام): «اليد لهم، لأنّهم لم يجدوا غير ما أطعموني، ونحن نجد ما أعطيناهم». وروى المحدّثون عنه أنّه أتاه رجل في حاجة، فقال (عليه السلام) له: «اكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا». فكتبها ورفعها إليه، فضاعفها له، فقال له بعض جلسائه: ما كان أعظم بركة هذه الرقعة عليه يا بن رسول الله! فقال (عليه السلام): «بركتها علينا أعظم، حيث جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمتم أنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة، فأمّا إذا أعطيته بعد مسألة، فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه، وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرقاً، يميل بين اليأس والرجاء، لا يعلم بما يرجع من حاجته؛ أبكآبة الردّ أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت له حاجته فيما بذل من وجهه، فإنّ ذلك أعظم ممّا نال من معروفك». وأعطى شاعراً مبلغاً كبيراً من المال، فقال له رجل من جلسائه: سبحان الله، أتعطي شاعراً يعصي الرحمن ويقول البهتان؟ فقال: «يا عبد الله، إنّ خير ما بذلت من المال، ما وقيت به عرضك، وإنّ من ابتغاء الخير اتقاء الشرّ». ورُوِي أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) سُئِل: لأيّ شيء نراك لا تردّ سائلاً، وإن كنت على فاقة؟ فقال: «إنّي لله سائل، وفيه راغب، وأنا أستحي من أن أكون سائلاً، وأردّ سائلاً، وإنّ الله تعالى عوّدني أن يفيض نِعَمه عليَّ، وعوّدته أن أفيض نِعَمه على الناس، فأخشى إن قطعت عادتي، أن يمنعني عادته».
إنّ تعاليم الدِّين واضحة في رفض حالة الفقر ومكافحتها، بالدرجة نفسها لرفض الكفر ومقاومته، فقد رُوِي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «كاد الفقـر أن يكون كفراً». وكان يقول: «اللّهُمّ إنّي أعوذ بك من الكفر والفقر»، فقال رجل: أيعدلان؟ قال: «نعم». وعنه: «الفقر أشدّ من القتل» .والمطلوب ليس فقط تقديم شيء من المساعدة للفقير، وإنّما إخراجه من حالة الفقر، وهذا ما نلحظه من سيرة الإمام الحسن (عليه السلام) وسيرة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، فإذا ما جاءهم فقير، أعطوه بسخاء، ما يستعين به على تسيير أُمور حياته، وما كانوا يعطون الفقراء (قوت لا يموت) على حدِّ التعبير الشعبي، أو بالقطارة.. واللقطات التي ذكرناها عن كرم الإمام الحسن (عليه السلام) شاهد على ذلك.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق