عمار كاظم
ربّما يثير البعضُ الجدلَ حول طريقة إثارة ذكرى الإمام الحسين (ع)، من خلال التأكيد على العنوان الذي تخضع له هذه الذكرى في امتداداتها الفكريّة والعمليّة في مدى الزمن، وتأثيراتها الإيجابية في وعي الإنسان المسلم والتزاماته، وفي حركيّتها الإسلامية في المضمون الإسلامي الحركي في علاقته بعناصر القوّة للإسلام وأهله. فقط طَرَح هذا البعض مسألة العاطفة الحسينية في الذكرى، سواء في المضمون الفكري للمأساة، على مستوى تحريك كل العناصر المثيرة للحزن في مفردات قضية عاشوراء بالطريقة التي تستنزف الدموع بشكل مثير؛ أو في الأسلوب الفنّي البكائي الذي يستغرق في اللحن الحزين الشجيّ، ويوزِّع عناصر الإثارة في كلّ أنغامه وتقاطيعه؛ أو في الممارسات الحادّة المعبّرة عن صراخ الذات في تأثّرها بالمأساة وانفعالها بقضاياها المؤلمة فكانت هناك عدة اتّجاهات فكريّة في هذا الموضوع فاتجاه يضع مسألة العاطفة في درجة كبيرة من الأهمية، بحيث يُلاحظ أنّ الخصوصيّة الذاتيّة للذكرى لا يمكن إبعادها عن العنصر الحزين للمسألة في أيّ موقع من مواقع الإثارة؛ الأمر الذي يجعل من العمق العاطفي مسألة حيويّةً في هذه القضية، فلا مجال للفصل بين إثارة الذكرى في وعي الناس، وبين الأسلوب العاطفي، لأنّ ذلك يعني إبعاد الشيء عن ذاته. ويُلاحظ أنّ العاطفة تُتيح للذكرى الاستمرار في خط الحياة من خلال تأثيرها في الشعور الإنساني، ممّا يؤصّل علاقةً عاطفيةً للناس بأهل البيت (ع). وهناك الاتجاه الآخر الذي يجرّد المسألة من العنصر العاطفي ليضعها في دائرة الجانب الفكري، فهو يرى أن قضية الإمام الحسين (ع) ليست من القضايا الإنسانية الذاتية التي تتمحور حول الذات، بل هي من القضايا الإسلامية الكبيرة الخاضعة للعناوين العامّة المتّصلة بالمسؤلية الشرعية من جهة وبالخطّ السياسي الثوري من جهة أخرى. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ مسؤولية العلماء والمفكرين المسلمين أن ينطلقوا إلى هذه القضية – المأساة – الثورة، ليطرحوها في الجانب الفكري في مسألة شرعية الثورة ضد الكفر والاستكبار الداخلي والخارجي، وليحرّكوها في ساحة الواقع الحاضر باعتبارها نهجاً عاماً للخطّ الإسلامي الحركي القويّ في مواجهة التحدّيات، ولينفذوا إلى داخلها، ليواجهوا مفرداتها بالتحليل العلمي الدقيق الذي يقدِّم لنا النموذج الأكمل للإنسان المسلم الثوري الذي يقدّم ذاته للإسلام ويواجه أقسى النتائج في ساحة الصراع الدامي بين الحقّ والباطل، لتكون عاشوراء تاريخاً للعِبرة، لا للعَبرَة. وهناك اتجاه آخر، وهو الموازنة بين الجانب الفكري والعاطفي، فلا يطغى فيها جانب على آخر وذلك باعتبار أنّ المسألة الفكرية مرتبطة بالشرعية الإسلامية في المسألة الثورية، وبالهدف الكبير في قضية التغيير والحياة والإنسان؛ وذلك من خلال العناصر المتنوِّعة التي تختزنها الثورة الحسينية في هذا وذاك، ممّا يجعلها منفتحة على الحاضر والمستقبل بحيث تحقّق الغنى الكبير للإسلام في مسيرته الحركية. وفي ضوء ذلك لابدّ من التأكيد على هذا الجانب، من خلال تحديد الخطوط الفكرية والحركية والفقهية المتصلة بالسيرة الحسينية في الشكل والمضمون، واعتبار المنبر الحسيني موقعاً متقدماً من مواقع التثقيف الإسلامي. فهو المنبر الذي يجتذب الجماهير الإسلامية اجتذاباً تقليدياً، الأمر الذي منحنا الفرصة للنفاذ إلى عقولهم وقلوبهم من خلال العنوان الإسلامي الكبير للذكرى، فيدفعهم إلى الانفتاح على إسلام الفكرة والحركة والثورة، من خلال انفتاحهم على الإمام الحسين (ع) الذي يمثِّل التجسيد الحي لذلك كلّه، فتكون الذكرى مدرسة إسلامية شعبية متنوعة الأبعاد والأساليب، ووسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام.
ارسال التعليق