• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإخلاص.. قوام الفضائل وملاك الطاعة

عمار كاظم

الإخلاص.. قوام الفضائل وملاك الطاعة

الإخلاص.. هو جوهر العبادة، ومناط صحّة الأعمال، وقبولها لدى المولى عزّوجلّ. وقد مجّدته الشريعة الإسلاميّة، ونوّهت عن فضله، وشوّقت إليه، وباركت جهود المتحلّين به في طائفة مِن الآيات والأخبار: قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف/ 110)، وقال سُبحانه: )فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر/ 2-3)، وقال عزّوجلّ: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البيّنة/ 5). وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن أخلص لله أربعين يوماً، فجّر الله ينابيع الحكمة مِن قلبه على لِسانه». وقال الإمام الجواد (عليه السلام): «أفضل العبادة الإخلاص». وعن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الدُّنيا كلّها جهل إلّا مواضع العِلم، والعِلم كلّه حجّة إلّا ما عُمِل به، والعمَل كلّه رياءٌ إلّا ما كان مخلِصاً، والإخلاص على خطر، حتّى ينظُر العبد بما يُختَم له».

إنّ أفضل عبادة يقوم بها المرء، هي الإخلاص لله تعالى في العبادة، حيث يصل الإنسان على المستوى الروحي والنفسي، إلى حالة يكون فيها مخلصاً عند الله تعالى، عندما يوافق ظاهره باطنه، وقوله فعله، فيما يرضي الله ولا يتعدّى حدوده، فلقد أمرنا الله تعالى أن نعبده مخلصين له الدِّين، كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) (الزّمر/ 2). وفي الحديث الشريف المرويّ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من عمل تعمله تبتغي وجه الله تعالى، إلّا ازددت به خيراً ودرجةً رفيعةً». إذاً، يجزي الله تعالى عباده على أعمالهم الخالصة لوجهه، والتي لا يبتغون من ورائها أيّ شيء آخر دنيويّ يدخل في الحسابات الماديّة، فحسابات الله غير ماديّة.

الإخلاص لله هو أن يأتي الإنسان بأعمال نقية، لا يشوبها رياء، قياماً بالواجب، سواء في العبادات أو في سائر الأعمال، قاصداً بذلك وجه الله ورضاه. فالإخلاص من الصفات الروحية التي تسمو بالمرء إلى منزلة رفيعة من الخلق الإنساني. فأهواء النفس والرياء والغايات الشخصية، يحاربها الإسلام ليحل محلها الإخلاص لله. ولهذا أولاه الإسلام اهتماماً خاصاً وقرنه بالعبادة. قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البيّنة/ 5) وقال سبحانه: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (الزّمر/ 2). ولما كانت الأعمال الخالصة لله وحده لابدّ لها من سابق نية وعزم نجد الإسلام يهتم بالنية هذه ويجعلها محوراً تدور عليه أعمال المؤمن. قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته لدُنيا يُصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». فالنية الطيِّبة هي عنصر من عناصر التربية الخلقية التي تجعل الإنسان عضواً ممتازاً في المجموعة الإنسانية، وقد جعلها الإسلام الأصل في قبول الأعمال عند الله خالصة له، وله بذلك السبق بأن أعلنها قبل أن يعلنها « كانت» (فيلسوف الأخلاق الألماني) إذ قال: «إنّ حسن النية هو الكلّ في الكلّ في الأخلاق». فالخير في الإسلام ليس خيراً إلّا إذا كان عن نية طيِّبة خالصة لوجه الله، والعمل الطيِّب ليس طيباً إلّا إذا استنار بأوامره، ولا شك أنّ هذا مذهب جليل في تقدير الرجال والأعمال يصحح الأوضاع ويسمو بالمجتمع إلى مستوى رفيع من الكمال إذ يجعل الأقوال والأعمال منوطة بغاية واحدة ومثل أعلى هو الله، فلا يحب المؤمن ولا يبغض ولا يفعل ولا يترك إلّا لله، والله لا يأمر إلّا بما كان خيراً للشخص وللمجموعة الإنسانية. وهكذا، على المرء أن يتّسم بصدق الإخلاص، وجمال الطويّة، ليكون مثلاً رفيعاً للاستقامة والصّلاح.

ارسال التعليق

Top