• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أسباب نبذ العنف في الأساليب الحديثة لتربية الأبناء

أسباب نبذ العنف في الأساليب الحديثة لتربية الأبناء

يقول علماء النفس إنّ العنف في تربية الأولاد هو من أسوء الأشياء التي تؤثِّر في نفسية الطفل بعدما يكبر، وقد كانت هذه العادة منتشرة قديماً في أغلب منازل العالم إن لم يكن كلّها، ولكن مع تقدّم الزمن اندثرت هذه العادة الخاطئة بعض الشيء.

 

العنف في تربية الأولاد

على مدار عدّة قرون طويلة كان العنف في تربية الأولاد هو أساس التربية عند أغلب المنازل في العالم، وذلك لأنّ الجهل والرجعية كانت تسود تلك الشعوب ولم يكن يوجد علم النفس ولا اجتماع ولا أي شيء ينير أعيُن الناس للطريق الصحيح، ويأتي العنف في تربية الأولاد على هيئة إيذاء نفسي وجسدي بالضرب والشتم والإهانة وكلّ شيء قد يؤتي ثماره السيِّئة فيما بعد، وتوجد العديد من الدوافع التي تجعل الآباء يقومون باستخدام العنف في تربية الأولاد مثل النشأة في بيئة عنيفة وقاسية، البطالة والفقر اللذان يهددان الكثير من المنازل العربية، العصبية الشديدة من قبل الوالدين وعدم الاتّجاه للتحاور والمناقشة، وجود خلافات بين الأب والأُم سواء كانت مادّية أو اجتماعية أو فكرية، وغيرها من الأسباب التي تؤدِّي لاستخدام العنف كوسيلة لتربية الأولاد، ولكن للأسف هذا العنف لا يؤتي ثماراً طيِّبة حسبما يتوقع الآباء، بل تكون عواقبه وخيمة للغاية، ومن الممكن أن لا تظهر هذه العواقب إلّا بعد تجاوز العشرين عام، ولذا نحن هنا سنتناول آثار العنف السيِّئة على الأولاد.

 

تعرّض الطفل للإصابة بالأمراض النفسية

الذي يتخذون العنف في تربية الأولاد منهاجاً لتعاملهم مع الأبناء هم أكثر الناس حزناً على ما سيفعلونه في أطفالهم فيما بعد، فقد أثبتت الإحصائيات العملية التي أجرها علماء النفس المتخصصين أنّ خمسة وسبعين بالمائة ممّن يصابوا بالأمراض النفسية والعصبية هم في الأصل قد تم التعامل معهم بعنف في طفولتهم، حيث أنّ هذا العنف يولِّد الذكريات السيِّئة التي تظل تراود الشباب بعد تخطيهم العشرين من عمرهم، وعندما يتذكّر تلك الأشياء التي حدثت به وهو صغير يشعر وكأنّ الدُّنيا تضيق به من كلّ اتّجاه ويتّخذ من غرفته ملجأ له، وهنا تبدأ المشاكل النفسية في الظهور بسبب ذلك العنف الذي لم يجدي أي نفع مع الأطفال.

وهذا العنف عادة ما يحدث بسبب الفقر والبطالة اللذان يراودان الكثير من المنازل العربية كالأشباح في منامهم فيلجأ الأب إلى إخراج ما به في طفله الصغير لكي يصبح أفضل دراسياً ولا يعيش نفس الحالة التي يعاني منها أبواه، ولكنّ علماء النفس يحذرون من استخدام العنف في تربية الأولاد لما له من عواقب وخيمة للغاية على الأولاد.

 

اتّخاذ الطفل للعنف منهاجاً في حياته

مع الآثار الوخيمة التي يتسبّب فيها العنف في تربية الأولاد هي اتّخاذ الطفل للعنف منهاجاً في حياته وتعاملاته مع الآخرين في الصغر والكبر، حيث أنّ الطفل بعدما يلقى الكثير من العنف البدني والنفسي من الوالدين يبدأ في إخراج ذلك العنف في تعاملاته مع أصدقائه في الدراسة ثمّ زوجته ثمّ أولاده، وذلك لأنّ العنف يقوم بتشكيل شخصية عنيفة تميل لسلك المنهاج القاسي في التعامل مع كلّ شيء أمام أعيُنهم، فتبدأ بأصدقاء الدراسة الذين ينفرون واحداً تلو الأخر بعدما يروا ما حل بهذا الطفل من عنف تجاههم، ثمّ الزوجة فلا يوجد أي تفاهم أو تحاور فكري بين الطرفين فهذا الرجل العنيف يرى نفسه دائماً على الطريق الصواب.

ومن الممكن أن يؤذي مَن أمامه أياً كان لإشباع رغباته العنيفة فقط، ثمّ يتطوّر الموضوع ويُرد ما كان يفعل به وهو صغير وذلك مع أطفاله الصغار، فيقوم بسلك منهاج العنف في تربية الأولاد مثلما فعل معه والده، وهكذا تستمر الحياة بنفس الصورة وتنتشر ظاهرة العنف من جيل لجيل مثل الفيروس وهنا ينشأ أطفال لن يفيدوا المجتمع بأي شيء.

 

حبّ العزلة والخوف من العالم الخارجي

من الممكن أن يتسبّب العنف في تربية الأولاد بإيذاء الطفل وإصابته ببعض الأمراض النفسية مثل العزلة والقلق والخوف ممّا هو خارج المنزل، فعادة ما تكون حالة الأطفال الذين يكبرون في بيئة قاسية تتّخذ من العنف منهاجاً لها في تربية الأطفال هي حالة ينتابها القلق والخوف من أتفه الأشياء، فلذا يفضلون العزلة والمكوث في المنزل بصورة استمرارية خوفاً من العلاقات الاجتماعية والمناقشات الخارجية، وما يزيد الطين بلة إذا كان هذا العنف يتّخذ من الإيذاء البدني مظهراً له، حيث أنّه من ضمن أشكال العنف الثلاثة يوجد الإيذاء البدني الخطير وهو أشدّهم فتكاً بالأطفال، ولكنّ للحقيقة هو غير منتشر بكثرة في العالم العربي فالشائع هو الضرب باليد أو بواسطة أي أداة أُخرى مؤلمة قليلاً.

وعادة ما يكون الآباء في مشاكل فكرية أو مادّية أو اجتماعية فلذا يلجأ الأب بتفريغ أحزانه وغضبه في طفله الصغير، ويذكر الأطباء النفسيين أنّ هذا العنف قاسي للغاية ولابدّ من تجنّبه نهائياً واتّخاذ المحاورة والنقاش هما طريق التفاهم وحل المشكلات مع الأبناء لتجنّب حدوث أي ضرر نفسي لهم.

 

تسبّب العنف في تربية الأولاد في إثراء العالم الإجرامي

يعمل العنف في تربية الأولاد على إقحام الكثير من الشباب في الطريق الإجرامي العنيف، حيث أنّ هذا العنف يعمل على توليد الشعور باللامبالاة وعدم النظر لأي شيء أخر في المجتمع، وهنا تكون البذرة الأولى للمجرمين الذين يقامون بسرقة المواطنين وترويعهم والتعذيب والقتل في بعض الأحيان، هذا بجانب إمكانية استئجارهم في قتل الضعفاء أو الرجال المهمين في البلاد فهم مغيبون فكرياً ولا يوجد ما يحثهم على حبّ الوطن والدِّين وترك كلّ الفعلات الشنيعة، وهذا ما أظهرته لنا الإحصائيات التي أجراها طلاب علم النفس في جامعة القاهرة المصرية.

حيث تبيّن أنّه من ضمن مائة مجرم أياً كانت تُهمته يوجد منهم ثلاثين قد نشئوا في بيئة عنيفة وقاسية لا يتم التعامل معهم إلّا بالضرب من قبل آبائهم، ولذا قد أردف هؤلاء الطلاب قائلين إنّه من الواجب على كلّ فرد منّا حث الآباء والأصدقاء على ترك العنف جانباً ومعاملة الأبناء بهدوء ونقاس سليم، وذلك لكي نحد من ظواهر العنف واللاوعي اللذان انتشرا بكثرة في الكثير من الدول العربية.

 

بناء علاقة سيِّئة بين الآباء والأبناء

من العواقب الوخيمة التي يتسبّب بها العنف في تربية الأولاد هو إنشاء علاقة طفيفة وسيِّئة للغاية بين الآباء والأبناء، وذلك لأنّ الطفل بالطبع لا يميل لمن يضربه أو يؤذيه نفسياً، فلذا يعمل على البُعد قدر الإمكان عن هؤلاء الأشخاص ومن هنا تبدأ العلاقات السيِّئة في الظهور، فبدون أدنى شكّ لا يمكن للعنف أن يولِّد رابطة قوية بين الآباء والأبناء فهو يقوم بإضعاف ما بينهم خطوة بخطوة حتى يقضي عليها تماماً، حيث أنّ العنف والقسوة هما تضاد للمودّة والعاطفة والحبّ، فلذلك تكون العلاقة بين الطرفين طفيفة للغاية تنطبق عليها عبارة «أدق من الشعرة وأحد من السيف»، ولهذا إذا أردنا تجنّب تلك العلاقات الطفيفة والسيِّئة علينا بإنشاء رابطة حبّ قوية بين الأبناء والآباء بعيدة كلّ البُعد عن العنف والعقاب الجسدي، تقوم على أساس الاحترام المتبادل بين الطرفين هنا يمكننا إخراج جيل جديد خالي من المشاكل النفسية.

 

الكاتب: أحمد علي

ارسال التعليق

Top