يُولد الطفل محبّاً للتعلّم بفطرته، وبعد عدّة سنوات تتصاعد الشكاوى بإعراض الطفل عن التعلّم ونفوره من الدراسة، ويتساءل الآباء «كيف أجعل طفلي يحبّ المدرسة؟»
الإجابة ببساطة هي أن تجعل تعليم طفلك مرتبطاً بالسعادة، وتخلق له جواً مبهجاً ومريحاً؛ لأنّ الشعور بالسعادة ينتج عنه إفراز هرمونات مثل: الدوبامين والسيروتونين وهما مسؤولان عن التركيز ونقل المعلومات إلى الذاكرة طويلة المدى، أمّا إذا تعاملت معه بلغة الأوامر والصوت المرتفع والتهديد، وجعلته يشعر بالتوتر فهنا يتم إفراز هرمون الكورتيزول الذي يؤثّر سلباً على تركيزه. إذن كيف يمكننا تحقيق ذلك؟
أوّلاً: ما هو الهدف؟
علينا كآباء وأُمهات أن نعي حقيقة أنّ التعلُّم غريزة فطرية أو احتياج أساسي مثل طلب الطعام والشراب، ولكن للأسف يتعرّض أطفالنا للضغط عن طريق ملاحقتهم بالواجبات والعلامات في كلّ مادة، والمقارنات مع زملائهم، ومعاملات سلبية سواء من المعلمين أو من والديهم.. إلى آخره، فأصبح الكثير منهم يعتقد أنّ التعليم عملية معقدة، ويرتبط التعليم لديهم بالألم والمشاعر السلبية، فيحاولون الهرب من هذا الشعور السيِّئ، وقد يتم وصمهم بالفشل وتسوء علاقتهم ليس بالتعليم والقائمين عليه وحسب، بل مع الأُسرة أيضاً؛ لأنّ الطفل يشعر أنّ أملهم فيه قد خاب.
لذا فلنتذكر دائماً ما الهدف من التعليم؟ هل هو مجرّد تحصيل لأعلى الدرجات والمباهاة بها؟ فهو إذن أشبه بلعبة يتنافس فيها اللاعبون على جمع أكبر قدر من العلامات، أم أنّ الهدف مجرّد تجاوز الامتحان وعدم الإخفاق فيه، فتصبح أكثر الأسئلة التي تطرح أثناء الدرس: هل سيدخل هذا الدرس في الامتحان؟ بدلاً من السؤال عن الفائدة الحقيقية منه، ويقوم الطفل بحشو المعلومات في رأسه إلى حدّ التخمة ثمّ يلقيها في ورقة الامتحان ويفرّغ عقله منها بشكل نهائي.
ما سبق لا يمت للتعليم بصلة، فلنعلم أنّ الهدف العام من أي عملية تعليمية هو الوصول إلى الكفاءة، أي الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق حجم أو مستوى معين من النواتج بأقل التكاليف. والكفاءة لها جناحان لا يغني أحدهما عن الآخر، وهما الرغبة والقدرة.
ثانياً: كيف تحبّب طفلك في التعلّم؟
لن يتعلّم المتعلّم إلّا إذا أراد أن يتعلّم، وهذه الإرادة ستتحققّ إذا كانت عملية التعلّم تحقّق له شيئاً يحتاجه، كإشباع فضوله لتساؤل ما، أو كإثارة لاستكشاف موضوع جديد، أو كحماس للانخراط في نشاط ممتع، الشعور بلذة الإنتاج وفرحة الإنجاز، ومواكبة نهم العقل النامي للتعلّم والمعرفة هي المحفزات الأقوى للتعلّم، وتتمثّل تلك المحفزات في تقديم الدروس التي تلائم اهتمامات الطفل، بالطريقة التي تلائم نمط تعلّمه، في الوقت الملائم للوصول لمستوى عال من التركيز، ولذلك سنجد أنّ طريقة التعلّم سيعول عليها الجزء الأكبر في زيادة رغبة الطفل، أكثر ممّا يعول على المادة المقدّمة نفسها.
تذكّر أنّ اللعب أيضاً من احتياجات الطفل الأساسية لذا ادرجه في جدوله اليومي، وفي حال تقديم مكافأة مادية يفضل أن تكون من الأشياء التي تزيد من حماس الطفل وحبّه للدراسة، كشراء أدوات مكتبية شكلها جذاب أو منظمات لأدوات الطفل أو ساعة رملية تساعده على تنظيم وقته.
كذلك يجدر بنا أن نعدّد معه أسباب وأهميّة تعلّم المواد التي يدرسها، ونتعرّف معه على تطبيقاتها على أرض الواقع، ونبحث عن نشاط تطبيقي يمارسه الطفل بنفسه، فيجب ربط التعليم بالحياة، وهذا هو المبدأ الذي تتبناه فلسفة STEAM.
ثالثاً: لا تقل له افعل، بل كيف يفعل
يجب علينا أن نتوقف عن قول: ذاكر، ونبدأ في توجيهه لكيفية إدارة وقته والمذاكرة بفاعلية، فمثلاً من الخطأ أن يمكث الطفل عدداً من الساعات متواصلة في عملية المذاكرة دون فواصل، المخ يفقد تركيزه بعد 45 دقيقة على الأكثر، لذا يجب التوقّف وأخذ فاصل قصير (خمس دقائق مثلاً) كلّ نصف ساعة، والفاصل الرابع يكون طويلاً نسبياً (من ربع إلى نصف ساعة)، هكذا لن يشعر الطفل بالخمول ويستطيع تخزين المعلومات بسهولة، هذه التقنية معروفة باسم The Pomodoro technique.
كذلك علّم طفلك أنّ ما تكرر تقرر، فالتكرار شيء لا غنى عنه لتثبيت المعلومة، ولكن يفضّل التكرار بطُرُق مختلفة دفعاً للملل، واستخدام أكثر من حاسة، وربط المعلومات بدروس سابقة أو بمشاعر أو بمناسبات أو بمكان؛ لأنّ كلّما زادت الروابط بين المعلومات في المخ سهل تذكرها.
لذا عليك الاتفاق مع الطفل قبل بدء عملية المذاكرة على الآتي:
- خطّة اليوم، بأي مادة سنبدأ؟ وكم مادة سيتم مذاكرتها؟
- وقت المذاكرة مقابل وقت الراحة، لابدّ من الالتزام بوقت الراحة فهو ليس للرفاهية، وإنّما ضروري لتتم المذاكرة بفاعلية، ويمكن الاستعانة بمؤقت أو ساعة إيقاف لضبط هذا الأمر.
- ما الذي سيقوم بفعله في وقت الراحة (أكل، شرب، مشاهدة التلفاز، لعبة… إلخ)؟
- يراعى في وقت الراحة ألا يكون طويلاً، فلا يأخذ ساعة مثلاً، وإنّما يمثّل من 10 إلى 15 بالمائة من وقت المذاكرة ككلّ.
- في حال إذا قررت مكافأته فيجب تحديد نوع المكافأة والالتزام بها فور انتهائه من مهمّته، ولكن لا تجعل هذا ديدنك مع طفلك، فيصبح هدفه الأساسي هو المكافأة وليس التعلّم.
- إذا التزم الطفل بساعتين أو ثلاث للمذاكرة يومياً سيكون قدراً كافياً، مع عدم إهمال الترفيه وممارسة أنشطته المحبّبة كما اتفقنا سابقاً. إذا كنت تشارك فعلياً في تعليمه وتشرح له مادة معينة، فتذكر أنّ تركيز الطفل لتلقي الشرح لن يزيد على 15 دقيقة، لذا راعي أثناء شرحك أن تفصل بشيء بعيد عن موضوع الدرس كأن تقول طرفة أو تجعله يقوم بنشاط حركي سريع وهكذا، كذلك انتبه إلى الأُمور التي تؤثّر على انتباهه بالسلب وتجنّبها. وإذا أخطأ الطفل في إجابة سؤال لا تعنفه أو تصرخ قائلاً: خطأ، بل قل له: عليك التفكير في جواب آخر، أو اقتربت من الجواب الصحيح، أو هذا جواب ممتاز ولكن لسؤال آخر.
رابعاً: الأولويات
عزيزي الأب، عزيزتي الأُمّ، من الأفضل أن نرتب أولوياتنا بشكل صحيح، فبالتأكيد عملية التربية وتقويم السلوك مقدّمة على عملية التعليم، وأنّ الفهم مقدّم على الحفظ، وأنّ المهارات مقدّمة على المعارف، وأنّ الكيف مقدّم على الكم، وأنّ الإبداع مقدّم على النمطية. يجب الاهتمام بتعليم الطفل مهارات الحياة التي سيحتاجها بالفعل عند اختلاطه بالمجتمع واصطدامه بمشكلاته أو عند احتياجه للعمل بوظيفةٍ ما.
الشهادة بالنهاية هي مجرّد ورقة، لا تقيم طفلك بالدرجات، ولا تقارنه إلّا بنفسه هو كأن تقول له: أرى أنّ مستواك في تحسّن، أثق في أنّك تستطيع القيام بما هو أفضل، أنت مميز بالفعل وتفعل ما بوسعك وهذا ما يهمنا، مهما كانت الدرجة التي حصلت عليها فنحن فخورون بكونك ابننا وموقنون أنّك تقوم بعملك على أكمل وجه.
تذكرا «هرم بلوم» للإدراك المعرفي لكي تساعدا طفلكما على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الدراسة:
- مرحلة التذكر، هناك وسائل عديدة تساعد على الحفظ بشكل ممتاز، ولكن لا يجب أبداً أن نقف عند هذه المرحلة فقط كما اعتدنا للأسف.
- مرحلة الفهم، وجدير بالذكر أنّ الفهم إحدى أهمّ وسائل التذكر، يمكن الاستعانة بفيديو تعليمي أو مقال من الإنترنت، أو قراءة كتاب من المكتبة العامّة في فهم ومعرفة المزيد عن بعض الدروس التي يجد صعوبة في فهمها.
- التطبيق، يجب أن يطبّق الطفل ما يتعلّمه في مختلف جوانب حياته وإلّا فما فائدة ما يتعلّمه؟
- التحليل، وهو أن يقوم بتحليل الموقف لعناصره الأساسية.
- التقويم، بفحص مصادر المعلومات لتقييم جودتها.
- الابتكار، إعادة تنظيم المعلومات بطُرُق جديدة ومختلفة.
خامساً: عوامل مساعدة لتحبيب الطفل في المذاكرة
هناك عوامل أُخرى يجب مراعاتها في تهيئة بيئة ملائمة للمذاكرة مثل الإضاءة الجيِّدة، والتغذية المتوازنة، والمكان الهادئ نسبياً مع مراعاة البُعد تماماً عن السرير أو على الأقل أن يكون مواجهاً لظهر الطفل بحيث لا تقع عليه عينه.
من الأفضل التعرّف على معلميه بالمدرسة ومتابعة كيفية تعاملهم معه، والاطمئنان أنّ العلاقة بينهم وبين الطفل قائمة على الاحترام والتحفيز، وليس على الخوف؛ لأنّ الشعور بالخوف والتهديد يعاكس عملية التعلّم كما ذكرنا من قبل. يمكنكما بناء علاقة جيِّدة مع المعلمين تمكنكما من اقتراح أفكار ووسائل يستعينون بها في توجيه الطلاب، قد تجدان كثيراً من الأفكار المبتكرة للتعلّم النشط في هذا الكتاب.
كذلك تشجيع الطفل على الاشتراك بأي نشاط مدرسي يحبّه، أو الاتفاق معه على القيام برحلة تساعده على فهم أو تذكر دروس معيّنة كزيارة المتاحف العلمية والتاريخية.
وأخيراً، من الأشياء التي تشرح صدر الطالب للقيام بأداء واجباته أو الكتابة في كراساته هو الاستعانة بالرسم والزخرفة والتلوين داخل كراسته.
إذن يتجلّى لنا أنّ دورنا الأساسي كآباء وأُمّهات تجاه أبنائنا فيما يخص تعليمهم هو التشجيع والتحفيز والتوجيه فقط، مع إمكانية تقديم بعض المساعدة إذا لزم الأمر، أمّا أن نراقبهم في كلّ لحظة ونراقب علاماتهم الدراسية بتوتر وقلق، ونجلس إلى جوارهم طوال فترة المذاكرة وعمل الواجبات، أو نلاحقهم بالأوامر تارة وبالتوبيخ واللوم تارةً أُخرى، كلّ هذا لن يؤدِّي لنتيجة إيجابية على الإطلاق بل سندخل في حلقة مفرغة من المشاكل والأضرار النفسية نحن بالتأكيد في غنى عنها، تذكرا أنّ المجموع الكبير لن يفيد في شيء وأنتما تخسران ابنكما.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق