• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وسائل التواصل الاجتماعي

أسرة البلاغ

وسائل التواصل الاجتماعي

وسائل التواصل الاجتماعي

-مقاربة اجتماعيّة-

 

 

 

 

لجنة التأليف ـ مؤسسة البلاغ

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بين يدي الكتاب:

المقاربة: من الدنو والاقتراب، وهي -كما في المنجد في اللّغة والإعلام- ترك الغلوّ وملامسة الحقّ. والمقاربة: إدخال السيف في القُراب (الغِمد).

في هذا الكتاب، نحاول أن نلامس موضوعاً شديد الحساسية وبالغ الأهمية بالحقّ، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وبالابتعاد عن التّطرُّف -في القبول والرفض- ما أمكننا ذلك.

إدخال السيف في القُراب لا يعني ملاصقة الغِمد للسيف، كما لا يعني أنّ الغِمد (بيت السيف) فضفاض بحيث يسقط أو ينهدل السيف منه، إنّه يلامسه ولا يخنقه فيضيّق عليه، ويلامسه فلا ينفسح كثيراً فيتّسع عليه. بهذه الصورة التقريبية نحاول الدخول في قُراب الموضوع لنقاربه، ونقترب منه، ونتلمَّسه من خلال أبعاده الاجتماعية، مقتربين -جهد إمكاننا- من المعالجة الموضوعية لوسائل تواصلية باتت تفرض نفسها على سوق التعامل الاجتماعي بقوة لا تُنافَس: سريعة التغيُّر والتّغيير، سريعة القبول والاستقبال، سريعة التأثر والتأثير، سريعة البناء والهدم.

إنّ كلمة الكتاب -في مقاربته الاجتماعية التي تتعدَّد فيها الآراء وتتنوّع- ليست نهائية ولا مغلقة، هي تفتح باب الأسئلة والمداولة مُشرعاً، ولا تتركه مفتوحاً على المجهول، إنّها تتلمَّس إجاباتها -قدر الإمكان- من وحي التعامل اليومي مع وسائل التواصل فائقة التطور، لا من حيث مناقشة الرفض أو القبول، فتلك مسألة تجاوزها الزمن التجريبي أو العملي، أو قل تجاوزته هي ببراعتها الذكية وخدماتها المشكورة، حتى لم يَعُد هناك من يستمع إليك إذا ناقشته في بديهية أو مسلّمة ضرورة التواصل عبر وسائل تفتحك على العالم أينما كنت، وتفتح العالم عليك أينما كان.

أمّا إذا أخطأت وقلّلت من قيمة أو شأن وسيلة من تلك الوسائل، فإنّ المُستمِع إليك -إذا قبل أن يستمع- سيسخر منك قائلاً: أتريدني أن أرجع إلى الإنسان (النياندرتال) لأعيش في العصر الحجري أو في كهوف التأريخ؟

إنّنا، ولكي نُنهي جدلية الرفض والقبول التي لا محل لها من النقاش في كتابنا هذا، لابدّ من أن نرسو على قناعة عقلية وعلمية راجحة لا يتطرَّق إليها الشك، وهي أنّ الرسول القائد 6 لو كان في عصرنا لاستعمل بمقتضى حكمته الأساليب الإعلامية والتبليغية المعاصرة والملائمة، دون أن يستغني بالمرّة عن وسائل الاتصال القديمة، ذلك انّ هذه الوسائل لم تسقط من الاستعمال كليةً، نعم، لقد انحسرت موجتها. خفّ بريقها، ولكنّها ستبقى على الرغم من ضرائرها ومنافساتها، تثبت جدارتها وحيويتها في التعامل، ولن تكون في يوم ما خارج دائرة التداول، أو خارج نطاق الخدمة.

بهذا، نكون قد سجّلنا انحيازنا المدروس إلى وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، عبر مقولة عقلانية مضغوطة، وهي: إنّنا مع إيجابيات ومنافع هذه الوسائل، وضد سلبياتها وأضرارها.. مع الاستخدام السليم.. لا مع الاستعمال السيِّئ، وهذا الموقف ليس حُكماً شرعياً بقدر ما هو حُكُم عقلي تفرضه الحكمة في الاختيار، والاعتدال في الحُكُم، وللقارئ الكريم أن يعتبر تصوُّرات الكتاب فرضيات قابلة للأخذ والرّد والطعن والنقد والتهذيب والترشيد.

 

الجديد.. القديم:

تتطور وسائل الاتصال الاجتماعي بقفزات نوعية مذهلة، وهي لا تلبي حاجة الحياة اليومية المتسارعة الإيقاع إلى وسائل تحاكيها في مستوى إيقاعها؛ بل تسبقها بخطوات واسعة، لكنّ الجديد في الشبكات والوسائل التي بين أيدينا، على الرغم من حداثتها وارتفاع منسوب أدائها، يبقى محتفظاً بقديمه في داخله، كالنخلة التي تحتفظ بسرّ النواة مهما تعدّدت وتكاثرت عذوقها، لاسيّما وانّ كلّ وسيلة اتصال أو تواصل، مهما بلغ مستوى التطور والإبداع والإقناع فيها، لا تخرج عن معادلة إعلامية ثابتة، وهي:

الإرسال ← الرسالة ← الاستقبال

 

والتي يمكن ترجمتها اجتماعياً إلى:

المُرسِل ← الرسول ← المُستَقبِل

 

حينما أرادت (السماء) -في أول فجر الخليقة- أن تتواصل مع (الأرض) أرسلت (الأنبياء) وأنزلت معهم الكتب والرسالات من أجل إيصال كلماتها ورسائلها وتعاليمها إلى سكان هذا الكوكب. ومنذ البدء كان هناك الرفض والتكذيب في مقابل القبول والتصديق.. لم يكن التلقِّي (واحداً) و(شاملاً).

وحينما كان (الشاعر) يلقي قصيدة في محفل عام، كان هناك جمهور من الناس يستمع إليه، ينفعل ويتفاعل مع مشاعره وأفكاره وتحريضاته.. يصرخ.. يصفِّق.. يطلب الإعادة.. أي إنّه يستقبل رسالة الشاعر رفضاً وتأييداً وبشكل حيّ ومباشر، ومثلُ الشاعر (الخطيب) الذي يعتلي منصّة الخطابة أو المنبر.

ومن حين راحَ (الحمام الزاجل) ينقل البريد بطريقة بدائية جدّاً، ومحدودة جدّاً، إلى حين انتهت إليه آليات العمل البريدي اليوم من نطاق واسع للخدمات، ظلّت الآلية المتطورة جدّاً هنا، هي نفس الآلية البدائية جدّاً هناك: (مُرسِل) و(رسالة) و(مُستَقبِل)، بل لم تشذّ عن هذه القاعدة كلّ وسائل الاتصال الأخرى من (الصحيفة) إلى (المجلّة) مروراً بـ(الراديو) و(التلفاز) وانتهاءً بالفضائيات، والشبكة العنكبوتية (الإنترنيت) بكلّ تفريعاتها وشبكاتها وتشعباتها، حيث ما زالت المعادلة الثلاثية الأبعاد تحكم وسائل الاتصال والتواصل قديمها وحديثها، بل وستحكم الأحدث الذي سينجبه رحم المستقبل، الأمر الذي يجعلنا نطمئن بالقول -ونحن ننظر إلى غد هذه الوسائل- إنّ عاملاً من العوامل الثلاثة، أو حلقة من حلقات التواصل، أو ضلعاً من أضلاع المثلث سوف لن يسقط ذات يوم، إذ طالما كانت هناك (رسالة) كان لابدّ أن يكون هناك (مُرسِل) وأن يكون هناك (مُستَقبِل).. ليس للمثلث ضلعان!

نقّل بصرك بين وسائل وشبكات التواصل المطروحة للتداول الآن: شبكة (النت) العامة، أو التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) أو التغريدة (تويتر) أو البريد الإلكتروني (الإيميل)، أو الفيلم القصير المصوّر (الفيديو) أو (اليوتيوب)، أو أي استنباط أو اختراع تقني سيتحفنا به علماء وخبراء التقنية الإلكترونية في مجال التواصل، ما الذي يجمعهن كأخوات وما الذي يفرِّق أو يميِّز بينهن وبين (جداتهن) الشائخات من وسائل التواصل القديمة؟!

الذي اختلف هو (الشكل) و(السرعة) و(اتساع الرقعة) و(تعدّد الأغراض) و(تعدّد الاختيارات) تبعاً لذلك، ودخل في (الرصيد) الكثير من الموارد التي كانت موزَّعة فسجّلت (احتياطياً) ضخماً من ثروة معرفية لم يشهدها التأريخ من قبل.

تنوّعت الأشكال، وصَغُرَ حجمها، واُختزلت السرعة بدرجات قياسية عالية، واتسعت دائرة التداول إلى أوسع نطاق ممكن، وصار الجهاز الواحد يقوم بمهام أجهزة اتصال وتواصل عديدة: حفظاً وأرشفةً وتصويراً، واستقبالاً، وتبادلاً للمعلومات.

خذ جهاز هاتفك المحمول الذي هو بحجم الكفّ، وانظر كيف تحوّل في قفزة نوعية من مجرد هاتف ينقلُ ويستقبلُ المكالمات إلى (هُدهُد سليمان) يأتيك بالأخبار ممّا لم تُحط به خُبراً، أو إلى (خاتم سليمان) تطلب منه فيلبي، وتسأله فيجيبك!

هذه الشريحة التي بحجم الكفّ التي خفّ وزنها وغلت قيمتها المعرفية تضع الآن العالم المترامي الأطراف، الحيّ، النابض، المتدفِّق بالحركة، المتغيِّر، المتفاعل، كلّه بين يديك وفي أيّة لحظة من لحظات الليل أو النهار.. هو اليوم (صحيفتك) المنوّعة، وهو (فضائيتك) المتعدِّدة، و(ألبومك) الذي يضمّ آلاف الصور الثابتة والمتحركة، وهو (بريدك) الصوتي والنصّي الذي لا يستريح ولا يعرف معنى (العطلة).. وهو (مكتبتك) التي تستلّ منها أي كتاب، في أي موضوع بعدد من النقرات البسيطة، وهو (مستشارك) الذي يجيبك إذا سألت، ومعلّمك الذي يعلّمك دروساً خصوصية مجانية أو شبه مجانية.. هاتفك الصغير هذا هو العالم كلّه مجموعٌ في يدك.. هو رزمة أجهزة في جهاز واحد، ولكنّه مع كلّ خدماته المذكورة المشكورة، يبقى أميناً لأصله ومحافظاً على كلمة السرّ المودعة في صلبه، وعلى (الحبل السّريّ) الذي لم ولن ينقطع عن ولادة أي جهاز أو اختراع أو وسيلة تواصلية جديدة!

 

مزايا وسائل التواصل الاجتماعي:

يقتضينا الانصاف أن نقف عند أهم مزايا وخصائص وسائل التواصل الاجتماعي، وهي وإن باتت معروفة من خلال التجربة، لكن تجلية بعض أبعادها -في قراءة أو مقاربة كهذه-. تنفع في إلفات النظر وتوجيه الغاية إلى دورها الخطير وأهميتها الكبرى في حياتنا، وتبيان ضرورة الإفادة من اختصاصاتها المتعدِّدة، واغتنام مجالات التواصل في غير البُعد الخبري، أو التسوّقي، أو الإخواني المحدود.

1- الخبر اليقين:

قبل أن تتطور وسائل الاتصال والتواصل، لم يكن الجو الإعلامي خالياً من التلوث، ولم تكن وسائله أمينة دائماً في نقل الأخبار كما هي، بل كانت بعض الأخبار تُطبخ في مطابخ خاصّة، وكان المُخبِر أو المحرِّر ومَن يُشرف عليه من أجهزة ومؤسسات إعلامية يتلاعبان في طريقة نقل الخبر وصياغته وأسلوب عرضه.

كانت الصُحُف والمجلات والراديوات أو(المذياعات) والتلفزيونات -إلّا القليل النادر- محصورة ومقصورة على الحكومات التي تسيّرها وتوجّهها وفق سياساتها الخاصّة، فكنت تجد (الكذب) و(التلفيق) و(صناعة الخبر) و(فلترة الخبر) و(توجيه الخبر) و(التلاعب بالخبر)، وكنت من أجل أن تتعرف على الحقيقة وتبحث عن الخبر اليقين، تضطر إلى البحث عن مصادر خبرية أخرى لتقارن ما سمعت من دائرة إعلامية قريبة مع ما تقوله دائرة إعلامية بعيدة، لتصل إلى ما يبعث الاطمئنان في نفسك، ولم يكن يفعل ذلك إلّا القلّة أو الثلّة.

اليوم، وبفضل وسائل التواصل الحديثة، باتت المهمة أسهل نسبياً، خاصّة مع حرِّية، التنقل من مصدر خبري مشكوك في مصداقيته إلى مصدر خبري آخر يمتلك شيئاً من الصدقية أو المصداقية، ذلك أنّ لعبة الازدواج بين نقل الخبر مجرداً وبين خلطه بالمزاج التحليلي ما يزال يضيِّع الكثير من الحقائق على المشاهدين والمستمعين، لكنّنا في قبال هذا الكم الكبير للفضائيات وأجهزة التواصل، نبقى في حاجة دائمة إلى قاعدة (التبيّن) التي دعانا القرآن إلى الأخذ بها في استلام واستقبال الأخبار لئلا نُخدع أو نُستغَل أو نُلدَغ من جحر هذه الوسيلة أو تلك. (لنتذكّر أنّ سليمان 7 لم يكتفِ بما نقله الهُدهُد من أخبار مملكة سبأ والملكة بلقيس، بل أراد أن يتأكّد من صحة الأخبار بنفسه، ولذلك أرسل رسالة بيد الهُدهُد.. فهو لم يأخذ الأخبار أخذاً مسلّماً، بل وضعها بين احتمالين (الصدق والكذب)، وعلى هذا فإنّ من الخطأ الذي لا يُغتَفر أن نعتبر وسائل الإعلام والتواصل معصومة، وإنّ أخبارها قرآن منزل، ولا هي ببراءة الأطفال وطهارة الملائكة).

وسائل الإعلام والتواصل الحديثة سهّلت لنا قراءة الخبر من أكثر من زاوية، ونقلّبه على أكثر من وجه، ولم تعد حكوميّة فقط، بل هي مؤسسات إعلامية أهلية، وحزبية، ومدنية لم تتخلَّ عن ازدواجية نقل الخبر وتوجيهه، أو إسقاط الرؤية الخاصة بالقناة أو وسيلة التواصل عليه، أي إنّنا ما زلنا نعاني من (عين الرضا) الكللية عن كلّ عيب، و(عين السخط) التي تُبدي المساويا. وتبقى المسؤوليّة مسؤوليّة (المُستَقبِل) في البحث عن الحقيقة في أكثر من قناة، ووسيلة اتصال وتواصل، وأكثر من مصدر تحليل، لاسيما وأنّ (التضليل) لبس لباساً عصرياً قد ينطلي على اعتبار كلّ ناقل خبر (جُهينة)[1] عندها (الخبر اليقين) أو (حُذامِ)[2] يجب أن تُصدَّق في كلّ ما تقول.

2- المكتبة العالمية:

انتقلنا في عصر شبكة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي من (المكتبة الخاصة) أو (المكتبة المحلية) إلى المكتبة العالمية التي تضع بين أيدينا أُمهات المصادر والمراجع والمؤلفات، وتتيح لنا القراءة المجانية في كتب كنّا نسمع بعناوينها ونقرأ شيئاً مختصراً في التعريف بمضامينها ويعزّ علينا شراؤها أو اقتناؤها أو حتى استعارتها.

إنّنا في عصر القراءة الميسّرة التي تفوق في إنجازها كتب الجيب، أو الكتب المستعملة، أمام العلم والأدب والتاريخ والتربية بأبوابه المشرعة. لقد وضعت شبكة التواصل الاجتماعي كتباً وعلوماً وآداباً كثيرة من رفوفها المُتربة على مكتبات عريقة إلى مستطيلات صغيرة تضع اسم الكتاب أو المؤلِّف داخلها ليحضر بين يديك خلال ثوانٍ معدودات وليقول لك في أدب وتواضع: (شبيك لبيك كتابك المفضّل بين يديك).

إنّنا في عصر القراءة الميسّرة المجانية في عصر (الحرية) و(المسؤولية) أيضاً، الأمر الذي يجعل من القراءة المنوّعة والملوّنة متعة لمن يعشق القراءة ويريد الاستزادة من المعارف التي في بطون الكتب.. وحينما يتاح لك (الاطلاع) وبالمجان، فإنّ مسؤوليتك في عدم الاطلاع تشكل إدانة.. لقد وصل (الرسول) إليك.. وكانت (الرسالة) بين يديك.. لماذا لم تتعلم؟!

3- الثقافة العملية:

تتيح وسائل التواصل الحديثة نوعاً جديداً من الثقافة، لطالما كنا ننادي ونطالب به وهو الثقافة العملية التي تحيل (الشحم الثقافي) إلى (طاقة ثقافية) إلى ممارسة عملية.. إلى ترجمة ميدانية، اليوم وبفضل هذه الوسائل المتاحة والمبذولة (بات بمقدور كلّ إنسان من أصحاب الدخل المحدود اقتناء نسخة من أجهزة الهاتف المحمول ذي الأغراض المتعددة، أو الكمبيوتر المحمول، وإذا ضاقت أو فاتت ساحة التعلم أو اكتساب ثقافة عملية في المدرسة أو المعهد أو الجامعة، فإنّ مواقع الشبكة الإلكترونية تفتح لك أبواب فصولها لتتعلم الطب في مستويات معينة لتحصل على الإسعافات أو العلاجات الأولية (لاحظ إنّنا لا ندعو إلى الاستغناء عن الطبيب أو الاختصاص الطبي وأن تأخذ الدواء بدون إرشاد المختص، لكن نريد أن نقول بأنّ الثقافة الطبية لم تعد في العيادة فقط، بل هي سهلة التناول بكبسة زر)، وقل نفس الشيء عن زراعة حديقتك، وتصليح سيارتك، ومعالجة عطل في مرفق من مرافق البيت، بل حتى الطبخ والمطبخ لم تعد وصفاته محلية. بل هي تعلّمك الطبخ في أرقى المطابخ العالمية، أو أنّها تعطيك الفرصة كي تمارس الرياضة التي تناسبك.. لا في تعليمات مكتوبة فقط، بل بحركات متتابعة خطوة خطوة حتى يسهل عليك التقليد والتطبيق والممارسة الصحيحة.

4- نظام الصفوف المفتوحة:

تبعاً للنقطة (3) فإنّ التعليم أصبح أيضاً متاحاً بدرجة أكبر وفضاءات أوسع من الاختناق في صفوف محدودة ومواعيد دوام ثابتة ونظام تعليمي صارم. (مرة أخرى لا يُفهم من ذلك إنّنا سنستغني عن (العلم) وعن (المنهج) وعن (الاختبار) بدليل إنّ برامج التعليم على النت نفسها تحتاج إلى كلّ هؤلاء. لم يعد تعلّم اللغات أو أساليب التعامل الزوجي، أو الأُسري، أو الاجتماعي، والبحث عن أي موضوع بطريقة أشمل وأوسع، صعباً، ذلك انّ مواقع الشبكة الإلكترونية تفتح لك أبواب فصولها لتتعلّم الطب في مستويات معينة لتحصل على الإسعافات الأولية أو العلاجات الثانوية أو المناعات الضرورية. وهذا ما كنّا نعنيه بالقول إنّ بعض وسائل التواصل القديمة لم تخرج عن الخدمة لمجرد وجود وسائل تواصل إلكترونية، ولقد لاحظنا كيف أنّ تجاهل الوسائل القديمة قد أوقعنا في أخطاء منهجية تحتاج منّا إلى إعادة نظر).

5- تبادل المعلومات:

نوافذ (النت) بكلّ شبكاته قد تنفتح على بعضها البعض، وهذا الذي تدخل إليه من نافذة يُدخِلك إلى نوافذ أخرى، وهكذا.. أنت -بفضل وسائل التواصل- أمام خزائن علمية، وثقافية ومعلوماتية مفتوحة، وفي عصر القوة فيه للمعلومة أكثر من قوة المال والسلاح، ولذلك كلّما تيسّرت مهمة التبادل المعلوماتي وروعيت الدقة والصدق في النقل، أضفنا إلى عقولنا عقولاً أخرى، واهتمامات أخرى، وطرقاً للتفكير أخرى، وبدائل أخرى أيضاً. إنّ من أكبر إنجازات الشبكة المعلوماتية وأجهزة تواصلها إنّها عدّدت الخيارات ووسعت الآفاق، وتركت في خريطة البناء مساحات شاسعة أخرى لملحقات إضافية أخرى..

6- فائض الوقت:

بموجب استعمال وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أصبح هناك فائض من الوقت، وفائض الوقت هذا (نعمة) و(نقمة) في الوقت ذاته: (نعمة) لأنّه يوفِّر مزيداً من الوقت لتنمية الطاقات والمواهب، وممارسة الهوايات وإنجاز الأعمال، واكتساب خبرات ومهارات جديدة.

و(نقمة) لأنّ الوقت الفائض إذا لم يُستثمر جيِّداً يصبح مثل مياه الأمطار التي تذهب إلى البلاليع وقنوات الصرف الصحي من غير استفادة حقيقية من الثروة المائية، هذا الفائض في الوقت أو الثروة الزمنية المهدورة يوظّف اليوم لمزيد من الجلوس والتسمّر عند طاولة الكمبيوتر أو اللابتوب أو الآي باد، أو الجهاز المحمول ليُصرف على أشياء كان في الماضي لها وقتها المحدَّد أو المخصَّص ولم يعد لها ذلك التوقيت الخاص، أي كلّما زاد الوقت عندنا سكبناه في (المجاري) ولم نجره في الإسالة أو في المخازن التي نسحب من رصيدها المدخر وقت الحاجة.

لقد اختصرت علينا شبكات التواصل -مشكورةً- الكثير من أوقاتنا في مشاوير التسوق، والمواعيد المطولة، ودفع الفواتير التي تحتاج إلى الانتظار في الطوابير، وإرسال المعاملات التي تحتاج إلى صبر أيوب، والحجوزات على متن الطائرات وفي المطاعم والفنادق وغيرها، لكنّنا -إلّا القليل النادر- ما زلنا (نبعزق) الوقت الفائض في اللهو واللعب أكثر منه في بناء الذات وتطوير الكفاءات، ولو فعلنا لرأينا وجهاً حضارياً أكثر إشراقاً، وعلائق اجتماعية أعمق ارتباطاً، وخدمات إنسانية أرقى مستوى، وثقافة نوعية أغنى من كلّ ما حصدناه حتى الآن.

7- لم يفتك شيء:

من بركات الشبكة المعلوماتية بصفة عامة، وأجهزة التواصل بصفة خاصة، أنّها هيّأت لنا فرصة الاستمتاع بالوجبات الثقافية أو الأدبية أو الحوارية التي لم يكن لدينا وقت لمشاهدتها حيّة وفي أوقات عرضها، فبنقرة زر يمكن أن استعيد أو استرجع ما فاتني في أي وقت، وهذا من بعض ألطاف هذه الوسائل التي لا يضيع معها شيء إلّا الوقت الذي يُنفق في غير ما فائدة.

8- سياحة مجانية حول العالم:

لم يعد التنقل أو التجوّل حول العالم، بفضل وسائل التواصل الإلكتروني والمعلوماتية المعاصرة حِكراً على الأثرياء وأصحاب السلطة فقط، وإن كان الفارق بين محدودي الدخل وبينهم أنّهم يرون (الحقيقة) وهؤلاء يرون (الصورة) ويسمعون (الصدى)، لكنّ الحقّ يقال إنّ الطواف حول العالم، أو الملاحة العالمية عبر وسائل التواصل السريعة، جعل البعض منا ينتفع من وصية القرآن الكريم بالسير في الأرض، ومعرفة أخلاق وطباع وعادات الشعوب، ويقرأ عن تأريخها، وأسباب نهضتها أو انهيارها، وكأنّه عاش فيها فعلاً، وهذا ليس بالخيال المجرّد، فحينما قيَّم الإمام عليّ بن أبي طالب 7 تجربته مع التأريخ لم يقل إنّه (قرأ التأريخ) بل قال إنّه (عاش التأريخ). تأمّل في كلماته 7 التي هي بعضٌ من وصيته الغنية لولده الإمام الحسن 7:

«أي بني! إنّي وإن لم أكن عُمِّرتُ عمر مَن كان قبلي، فقد (نظرتُ) في أعمالهم و(فكّرت) في أخبارهم، و(سِرتُ) في آثارهم، حتى (عدتُ كأحدهم)، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد (عُمِّرتُ) مع أولهم إلى آخرهم، (فعرفتُ) صَفوَ ذلك من كَدَره، ونَفعَه مِن ضَرَره، فـ(استخلصتُ) لك من كلّ أمرٍ نَخيلَه (أنقى وأصفى ما فيه) وتَوخّيتُ (اخترت) لك جَميلَه، وصَرَفتُ عنك مجهوله»[3]!

تأمّل أنّه وهو الشيخ يوصي ولده وهو من جيل الشباب أن ينتفع من تجارب الشعوب وأحداث التأريخ لا أن يقرأه فقط، وأن يدرس الأعمال، ويفكّر في القصص، ويسير في الآثار ليعتبر ويتعظ، وأن يختار النافع المفيد ويترك الضار المسيء.

9- مراعاة التخصص:

انتهى زمن العموميات.. زمن الطبيب العام، والميكانيكي العام، والمحامي العام، والمدرّس العام، والمزارع العام، أو أوشك أن ينقرض، على الرغم من أنّ بعض هؤلاء أو كلّهم ما زالوا يزاولون أعمالهم ويمارسون مهنهم في هذا البلد أو ذاك، لكنّ عصر التكنولوجيا وتقنية المعلومات ووسائل التواصل لم يعد يسمح بكوكتيل الاختصاصات هذا، فليس عندنا اليوم الفيلسوف بمعناه التقليدي الذي كان يتقن أكثر من (فن) وأكثر من (حرفة) وأكثر من باب من أبواب المعرفة والعلوم.

اليوم نحن أمام (الاختصاص) أو التخصص في كلّ حقل، وعلم، ومعرفة، وميدان عملي، بل الحديث يجري الآن عن تخصص التخصّص، فللهندسة الكهربائية فروع واختصاصات عديدة في الطاقة والإلكترونيات، ونظم التحكّم الآلي، ومعالجة الإشارات والاتصالات اللاسلكية والنظم الكهربائية، والمواد المغناطيسية والأجهزة الكهرومغناطيسية والكهروميكانيكية، وهندسة الاتصالات، وهندسة الحاسوب.. وغيرها.

إنّ المتخصص والمتمحض في فرع من فروع العلم خَدَمَ العلم أكثر من خدمات الطب العام والهندسة العامة والمحاماة العامة، وقلّص الكثير من الأخطاء والأخطار والأضرار وحصرَ المساوئ والسلبيات في أضيق نطاق، وهذا ما تكشفه جولة حرّة بين مواقع الشبكة العنكبوتية، ومن ضمنها شبكات التواصل الاجتماعي.

10- فضاء لنشر الوعي الديني:

كان الدعاة إلى الله -تعالى- والعاملون في سبيله، والساعون لنشر الوعي والثقافة الدينية يستهلكون الكثير من الوقت كي يصلوا بدعوتهم إلى شخص أو شخصين، أو عشرة أو عشرين، أو قرية أو قريتين. أمّا اليوم، وبفضل هذا الفضاء المفتوح على الناس كلّ الناس، وعلى الأمكنة جميع الأمكنة، بات بإمكان الداعية أن يوصل صوته ورسائله إلى الملايين، وصار تلامذته ومريدوه أو مساعدوه يوزّعون ويبثون رسائله الصوتية والمصورة، بأكثر من وسيلة، وأكثر من أسلوب إبداعي، بل أضحى بإمكانه أن يحادثهم ويحادثوه، ويناقشهم ويناقشوه، ويسألونه ويجيبهم حتى كأنّهم في جلسة واحدة ومكان واحد. وليس في أماكن متفرقة وأزمنة مختلفة موزعة على أربع رياح الأرض.

وهذا عامل مهم من عوامل تيسيير التواصل الاجتماعي يضع الدعاة الذين يمتلكون شروط الدعوة إلى الله ومؤهلاتها، أمام مسؤولية إيصال رسائلهم (الاعتدالية) بدلاً من أن تنشط سوق (الرسائل المتطرّفة) التي إذا ما شهدت غياباً أو انحساراً في جانب الدعوة الحقة والحقيقية، ملأته بالخرافات والدعاوى الباطلة، والفتاوى المنفّرة.

 

الآثار الجانبية لأجهزة التواصل:

كون وسائل الاتصال الاجتماعي تقدم خدماتها الجليلة لزبائنها أفضل بعشرات المرات من الوسائل القديمة (الإلكترونية لا الوسائل الحيّة التي تبقى متصدرة المشهد)، هذا لا يعني أنّها (كاملة)، وإلّا لما أطلّ العلماء والخبراء علينا في كلّ آونةٍ بجديد يستكمل نواقص القديم. ومن أجل أن لا نسقط أمام حالة الانبهار بجديد الإلكترون، يتعيّن أن نلتفت أيضاً إلى النواقص مثلما نندهش بالتطورات، ولئلا تكون عين الرضا عن كلّ عيبٍ كليلة، كان لابدّ من التعرّف على بعض النواقص المرافقة أو المصاحبة للفضائل والإيجابيات، لا للتقليل من شأن وفاعلية هذه الوسائل، بل حتى لا نسلّمها كامل الزمام، أو نستسلم لها استسلام الأسير لآسره.

1- مطاعم الوجبات السريعة:

يطلق على عصر التقنية الحديثة بعصر السرعة، وقد اُتخذ هذا الشعار ذريعة لكلّ عمل (مسلوق) سلقاً وغير مطبوخ على نار هادئة. وإذا كان بعض الشبان والفتيات ممن يستهويهم الجديد والتغيير، يفضلون (السندويش) على طبخة الأُم، فهذا لا يعني أنّ قيمة السندويش الغذائية هي دائماً أفضل من القيمة الغذائية للطبخات التي تُصنع بيدي الأُم، حتى وإن كانت السندويشات أطيب مذاقاً!!

للسرعة إيجابياتها، ما في ذلك شك، فهي تختصر (الوقت) و(الجهد) و(المال)، لكن لها سلبياتها أيضاً، فهي تقلّل (الجودة) و(تزيد في الأخطاء والأخطار) وكما أنّ هناك إسهاباً مملاً، هناك أيضاً إيجازٌ مُخلّ، ولذلك كانت الوسطية والاعتدال خير الأمور (ليس في عصر الدابة والطاحونة فقط، بل في عصر المونيلكس والصواريخ أيضاً). إنّ أسلوب التعامل بـ(بين.. بين) بلا سرعة أرنبية مفرطة ولا بطء سلحفاتي قاتل، هو الأفق إذا لم يكن في كلّ حين، ففي أغلب الأحيان.

لاحظ التعليقات السريعة -غير المختمرة- على رسالة ما، أو موضوع ما، أو فيلمٍ ما، أو مادة إلكترونية ما، كيف تتباين في درجات الرفض والتأييد، ففي حين تتزايد علامات الإعجاب (Like)، يندر التأمّل في الرسائل المرسلة وقراءتها قراءة متمعنة، والنظر إلى أبعادها وآثارها وخلفياتها.. الانطباعات الأولى في وسائل التواصل كثيراً ما تكون هي الأخيرة، علماً أنّ ردّ الفعل المتسرّع يكلّف غالياً، على خلاف الردّ المتمهّل والمتعقّل، ألا ترى أنّ استجابات الكثير من الشبان غير المتأنية لرسائل المتطرفين هي التي أعطت للتطرّف هذه المساحة المرعبة المتمددة على خارطة حياتنا وبلداننا؟!

2- التوحّد (العزلة المختارة):

يصطلح علماء النفس على التوحّد بـ(اضطراب الذاتوية) وهو إعاقة متعلقة بالنموّ السلوكي. فلقد لاحظ الأطباء النفسانيون أنّ المتوحّد يتميَّز بخلل في التعامل الاجتماعي، وبخلل في التواصل والنشاط التخيلي، وبقلة ملحوظة في نشاطاته واهتماماته، إضافة إلى سلوكه المتكرر آلياً، الأمر الذي يؤثر على النموّ الطبيعي للمخ في مجال الحياة الاجتماعية، ومسارات التواصل مع الآخرين، حيث عادة ما يواجه الأشخاص المصابون بالتوحّد صعوبات في مجال التواصل غير اللفظي، والتعامل الاجتماعي، وكذلك صعوبات في الأنشطة الترفيهية. ومن أعراض التوحّد -وهو مرض اجتماعي نفسي- إنّ لغة المتوحّد إمّا أن لا تتطور بتاتاً، أو تتطور ببطء، وأنّه لا يسلّم على أحد ولا يستمتع بوجود الآخرين، ولا يشاركهم اهتماماتهم، ولا يحب أن يشاركوه عالمه الخاص به، ولا يستطيع أن يعرف مشاعر الآخرين (يفقد حساسية التقاط تلك المشاعر) ولذلك لا يتعامل معها بصورة صحيحة، أي إنّه لا يتفاعل مع المواقف العاطفية بصورة طبيعية، ويميل إلى استجابة غير معتادة للأحاسيس الجسدية، وتنتابه نوبات من السلوك غير السويّ كأن يضرب رأسه بالحائط، ولا يحب التغيير في ملابسه أو أنواع أكله أو طريقة تنظيم غرفته، وقد يخاف من موضوعات غير مؤذية، ولا يخاف من مخاطر حقيقية.

ويقاوم الذاتيون المتوحّدون التغيير في المكان والعادات، وتضطرب عندهم أوقات الأكل والنوم[4].

المفارقة الغريبة، هي إنّ وسائل التواصل الاجتماعي يفترض فيها أن تحقق مستوى أعلى من التفاعل الاجتماعي، إلّا انّها تؤدي -في بعض الحالات والأحيان- إلى الانكماش الاجتماعي. فكيف يقع أو يحصل هذا التناقض الغريب؟

الجواب: إنّما يحصل ذلك بسبب العوالم الافتراضية التي تخلقها أو توجدها شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، ونعني بالعالم الافتراضي أو (المجتمع الافتراضي) كلّ ما له صلة بالفضاء التخيلي، فأنت تجتمع مع أُناس لا تعرفهم قبل أن يحقق لك اللقاء الإلكتروني فرصة التعرف عليهم في غرف الحوار والدردشة ودونما حدود ومواعيد مسبقة، وفي أكثر الأماكن تحرّراً من القيود والضوابط للتداول في اهتمامات مشتركة، فهو أشبه بلقاء عابر في حديقة عامة، أو مكتبة عامة، أو حفل عام، أو على مدرجات ملعب رياضي، أو في مقهى، أو في حافلة نقل عمومي. هل يمكن أن يتكرّر؟ نعم. يتكرّر بإرادة الطرفين. فالمجتمعات الافتراضية تقوم على الاختيار، وتضع لها قواعد الخصوصية والسريّة الخاصة بها، ولكنّها -في أغلب الأحوال- تبقى لقاءات عابرة حتى وإن تكرّرت هي (لقاءات فضائية) لا لقاءات أرضية يتبادل فيها الطرفان حرارة المصافحة، وحرارة الكلمات الطازجة، وحرارة التعاطف الذي لا يُقرأ عادةً إلّا عن قرب.

في وسائل التواصل الاجتماعي، نلتقي عبر (حائط زجاجي أو بلاستيكي بارد) ودائماً هناك حاجز أو حائل لا تستطيع شفافية الزجاج إسقاطه أو إلغاءه، ولذلك فنحن نستلم الصوت والصورة حيين في (اللحظة الزمنية) لا في (اللحظة المكانية)، فلا مباشرة ولا معاشرة، وإن كانت هناك مناظرة ومحاورة.

أمّا الرسائل النصّية التي استغنت عن الزيارات، وتركت كلّ فرد في الأُسرة منهمكاً في عالمه الافتراضي ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتّى﴾ (الحشر/ 14)، سرقت حلاوة إقطاف الثمرة الناضجة، وتذوقها طازجة، تاركة للعين وحدها تلمّس الأشياء، والعين مهما أوتيت من قدرة بصرية لا تستطيع أن تمارس أدواراً أو وظائف غير المخصّصة بها. تعال لنحصي بعضاً من خسائرنا في العوالم الافتراضية فيما يخص (الزيارة) المباشرة، والزيارة على (النت).

- «الزيارة تُنبت المودّة»[5] (الرسول 6).

- «مَن زار أخاه في بيته قال الله -عزّ وجلّ-: أنت ضيفي وزائري، عليّ قِراكَ وقد أوجبتُ لك الجنّة بحبك إياه»[6] (الرسول 6).

- «ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض»[7] (الإمام موسى بن جعفر 7).

- «ملاقاةُ الإخوان نَشْرَةٌ (تشرح الصدر) وتَلقيحٌ للعقل، وإن كان نَزْراً قليلاً»[8] (الإمام محمّد الجواد 7).

لهذا كانت الروايات تعتبر الزيارة والتزاور إحياءً للقلوب، وذكراً لله، وتذكيراً بالحقّ وبالصبر وبالمرحمة، وعطفاً للمزور على الزائر، فلقاء الإخوان مغنم جسيم. (قد يروق لك منظر الماء الصافي الرقراق في نهرٍ بحري مصوّراً على شاشة وتلتذ عينك برؤيته، لكنّه لن يروي ظمأك.. ذلك هو الفرق بين الواقع الحقيقي، والعالم الافتراضي.. ألم ترَ أنّ الله تعالى جعل من نعيم أهل الجنّة جلوسهم على سُرر متقابلين.. أما كان بالإمكان اختصار مسافات الجنّة بشاشات عملاقة تثبت في قصورها لترى من تحب أن تراه على إحدى قنوات الجنّة؟!).

إنّنا في اللقاءات المباشرة نلتقي مع (الروح) وإن التقى الجسد والجسد، والوجه والوجه، واليد واليد، وبالتالي فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية لن تكون بديلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي الحميمة.. هي تخفف الشوق لكنّها لا تروي الظمأ!!

3- درجة الصدق والشفافية:

ليس كالمعاشرة والخبرة الحياتية والمجالسة، ورفقة السفر، والتزامل والتعامل في محيط عملي مشترك، من معرّفات للإنسان بالإنسان الآخر، فهي التي تكسب العلاقة، إضافة إلى دفء المودة، صدقيتها والثقة المتبادلة بين الطرفين. أجهزة التواصل الاجتماعي مهما ترقت في سلّمها التقني لا ترتقي إلى مثابة العلاقة الإخوانية التي يجذرها الحزن والفرح في المشاركة الوجدانية، فإذا كان (التمثيل) في الواقع الحياتي قد انطلى على بعض الشبان والفتيات (خصوصاً في حالات الخطوبة) فما بالك به على الشاشة.

الفرق بين درجة الصدق الواقعي والشفافية الناتجة عن الاختبار والتجربة، وبين علاقة بين اثنين يفصل بينهما جدار عازل وإن كان زجاجياً، هو كالفرق بين شخصين حاضرين في مكان واحد وزمان واحد، وبين شخصين ينقل مشاعرهما وسيط أو وكيل، الشاشة تقرّب الصورة وتنقل الصوت لكنّها لا تذوّب المسافة.. ولا تنقل الحرارة بنفس درجة حرارتها الفعلية.

قد يحقق لي جهاز التواصل -أياً كانت وسيلته- فرصة الحديث مع عائلتي أو أصدقائي إذا كنت مسافراً وأعيتني المسافات البعيدة، فأراهم ويروني عبر السكايب (Skype) أو غيره، وهذه خدمة لا تُنسى لوسائل التواصل، لكن لقائي الذي استشعر فيه صدق المشاعر، وحميمية اللقاء، ودلالات السلوك لا يأتي عبر هذه البوابة. نقول هذا ليس في حالات المودة والصفاء، بل حتى في حالات الزعل والخصومة، فإنّ وضع يدك على رأسي، أو معانقتي أو تقبيل جبيني.. لا يمكن للحائط العازل أن يعطيني نفس الدرجة من مبادلة المشاعر، لا نقلل من قيمة اللقاء عبر الشاشة، لكنّنا نقلل من درجة صدقه وشفافية تعبيره.

4- انزياح الحياء:

الحياء خلقٌ جميل من الاثنين: الشاب والفتاة، ومنهما معاً أجمل، وقد يستحي الشاب وهو يخاطب الفتاة وجهاً لوجه، وتستحي هي منه أيضاً، امّا في شبكات التواصل الاجتماعي فترتفع ستارة الحياء بأسرع ممّا في الواقع –فكأنّ هذا الجدار الزجاجي الفاصل هو الذي يدعو إلى رفع الكلفة والتحفظ، ويعطي جرعة أكبر من الجُرأة والتخلِّي عن دواعي الحياء. وربّما في مراحل متقدمة يسقط الجدار كحاجب وينزاح معه ستار الحياء، فتتخذ الكلمات لهجة صريحة لا يتردد الشاب من استخدامها سافرة، ولا تتردد الفتاة من استقبالها مكشوفة، خاصةً وانّ كلاً منهما يقف على ضفة من ضفاف هذا النهر الإلكتروني الذي لا يتيح فرصة للتحسّب والتحذّر والاحتياط.

وفي مرحلة أشدّ وطأة، قد تسقط حتى حرمة انكشاف الفتاة المسلمة التي يفترض بها أنّها تراعي واجبات الستر الشرعي، فتبيح لنفسها، أو لمن يزيِّن لها ذلك أن تتعامل معه تعامل الزوجة مع زوجها من غير عقد للزوجية أو رابطة شرعية تربطهما، وكأنّ خلوة كلّ منهما بالآخر، من غير نظر الآخرين إليهما، تبرِّر لهما أن يتكاشفا مكاشفة حميمة غالباً ما تكون الفتاة فيها هي الضحية أو المُغرَّر بها، لأنّها قد تستدرج بذرائع شتّى وتنحاز إلى عاطفتها أكثر من انحيازها إلى كوابح عقلها.

5- تهاوي نظام التقسيم الزمني (برمجة الوقت):

التفريط بالوقت ضحية من ضحايا وسائل التواصل الاجتماعي بخاصة، والشبكة العنكبوتية عموماً، فإذا كان البعض من النقّاد التربويين ينتقد في وقت سابق طول جلوس الأبناء والبنات إلى شاشة التلفاز، فماذا يقولون اليوم عن جلوسهم اللامحدود زمنياً، مُسمَّرين إلى شاشة الكمبيوتر أو الهاتف المحمول، وقد يستغرق ذلك النهار بأكمله وشطراً طويلاً من الليل، أو العكس، فقد يستغل بعض الشبان أوقات الليل وهدوءه ليسهر مشدوداً إلى شاشة تسرق من وقته كما تسرق من رقاده اللذيذ، وربّما تفوته أوقات الطعام أو الاجتماع إلى أُسرته، أو حتى أوقات عبادته (صلاته)، فضلاً عن حرمانه من أوقات دراسته.

وهنا مفارقة، سبقت الإشارة إليها، ففي حين توفر فرص التواصل الاجتماعي وقتاً إضافياً فائضاً يمكن أن يوظّف في مزيد من التثقيف والتعلّم والعبادة والتواصل الاجتماعي المثمر، أو في هوايات نافعة، ورياضات تحافظ على الصحة، نرى الخمول واللهاث البصري الذي ما إن يستقر على مشهد حتى يغادره إلى غيره، وهكذا تنطوي الساعات وتمضي الأوقات، ومدمن النت لا يأبه لانسلاخ ساعات مهمة من عمره، فإذا هو يُنفق من وقته على الجهاز الذي صُنع ليوفر له الوقت أضعاف ما كان يُنفقه قبل هذا التوفير!

6- تهافت الحواجز الثقافية:

سبقت الإشارة في طرحنا لمفهوم أو مبدأ (التعارف) القرآني، أنّ الغاية منه هو إزالة الحواجز أو الفواصل أو الحدود الثقافية بين الأُمم وذلك أنّ مثل الأُمم كمثل الأفراد لكلٍّ مواهبه وطاقاته ومؤهلاته الإبداعية ومميّزاته الشخصية التي يستكملها مع الآخر الذي يشاطره الهمّ والاهتمام فيكمله ويتكامل به. ومن هنا فإنّ الحديث عن تمييع الهُويّة الدينية أو الثقافية وضياع ملامحها في هذا الكم الثقافي الهائل والمختلط فيه الحابل بالنابل، والذي يتداخل فيه الخير والشرّ، وتتجاور فيه (خزائن المعرفة) إلى جانب (صناديق القمامة)، وكنوز الأدب إلى جوار حاويات النفايات، وجوار الطيب إلى جنب الروائح النتنة.

إنّنا ونحن نناقش التأثيرات السلبية أو نقائص وسائل التواصل الاجتماعي الموضوعية والذاتية لا نغفل (التفاعل) و(الانفعال) السلبي مع طروحاتها والانخداع بأساليبها الشيطانية المعاصرة التي ترفع شعار التكنولوجيا وتختبئ وراء شعار التواصل: (لاحظ أنّ الشيطان أيضاً يتجدد ويعمل تحديثاً (Updating) لوسائله، فهو حاضر وبقوة على مواقع وصفحات الإنترنت، ويطل برأسه عبر نوافذه، وينفخ في مواده من ريحه، ويزيّن بعض صوره وسطوره)، وبالتالي فهذا ميدانٌ يتنافسُ فيه (النجباء) على الخير، ويتساقط على حلباته (السفهاء) متكالبين على الخبث والشرّ والفساد والجريمة.. ميدان للأذكياء وساحة للبُلهاء..

لكنّنا يجب أن نوضّح مسألة مهمة في هذا الصدد، وهي أنّ (صبغة الله) وهي الفطرة السليمة التي تؤمن بالله وتوحّده وتعبده، ليست دهاناً على جدران منزل أو واجهة مبنى، تحول وتنصل وتتغيّر ويخفت بريقها مع الأيام، هي مندكة في الفطرة حتى لا انفكاك بينهما، ولذلك فإنّ من اُكتسبت هُويّته الإسلامية أو الدينية بالعلم والعقل والتأمّل والدراسة، وعاشها تجربة حيّة، لن يستبدلها بكلّ هُويّات الدنيا: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ (البقرة/ 61).

لا خوفَ من هذا الجانب على هُويّتنا الإسلامية، بل إذا أحسنا استعمال هذه الوسائل التواصلية، فإنّنا نجذّر ونعمّق ونؤصّل هذه الهُويّة، ونزداد بها تمسكاً كلّما ازدادت التحديات التي تواجهنا وتواجهها، خاصةً وإنّ أبواب المعرفة والثقافة الرصينة -أنّى كان منبعها- تلتقي في جوانبها الإنسانية في مشتركات كثيرة مع مفاهيم وتعاليم ديننا الحنيف، وما أكثر المشتركات لمن يبحث عنها.

الخوف كلّ الخوف من إهمال الهُويّة وتركها على أرصفة الإنترنت تتلاعب بها رياح السموم فتركلها كما تركل الصبيةُ الكرة، فبدلاً من أن تدخل الهدف، قد تصوّب لكسر زجاج النوافذ، أو إصابة عين أحد المارّة، أو إفساد بضاعة بائع متجوِّل، أو تسقط في الوحل حتى لا يتمكّن أحد من إخراجها.

بعض نقّاد التقنية الحديثة ووسائل تواصلها، يرى أنّها تتسم بدرجة عالية من اللامركزية، وسوف تنتهي -عاجلاً أو آجلاً- إلى تفكيك مفهوم الهُويّة التقليدي، وهو بذلك يريد أن يقرع جرس الإنذار لتخويف حَمَلة الهُويّة من أنّها قد تتحول في هذا المعترك الثقافي إلى قطعة فاكهة مع قطع فواكه مختلفة داخل خلّاط كهربائي ضخم يحيلها جميعاً إلى كوكتيل لا هو بالتفاح ولا هو بالموز ولا هو بالفريز ولا هو بالجزر. إلّا انّنا يمكن أن ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى، فالهُويّة الجديدة هي التي يدعو إليها مبدأ التعارف: هُويّة عالمية، إنسانية، كونية، عامة، لا تصادر الهُويّات الخاصة، بل تُعطيها نكهتها الخاصة ولونها المميَّز (يمكنك وأنت تشرب الكوكتيل أو عصير الفواكه أن تميِّز نكهة الموز من نكهة الجزر على الرغم من اختلاطهما بعضهما ببعض)، ولذلك لا تصِحّ الدعوة إلى (انصهار الهُويّات) وإنّما إلى (تلاقح الهُويّات) من غير أن يُلزم أحد أحداً على تغيير هُويّته الخاصة.. المطلوب أن يعرض كلٌّ هُويّته، وأن يدرس كلٌّ ما عند الآخر من إيجابيات وسلبيات، فيأخذ بما ينفعه ويدع ما لا ينفعه.. وفي النهاية فإنّ الأصالة تفرض نفسها في سباق الزيف والتزوير والطارئ والدخيل، لاسيّما إذا كانت بنيتنا الثقافية التحتية متينة ورصينة.

7- حرية الفضاء المفتوح:

لو أردنا أن نشبِّه الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) بمدينة مزدحمة تتعدَّد فيها الشوارع واتجاهات السير، واختلاف المركبات والمارّة، وتنوّع المتاجر والبضائع، وكثرة الباعة المتجولين على الأرصفة، وبيع ما هو (مرخَّص) وما هو (ممنوع).. مدينة يتداخل فيها ضجيج شوارعها بآذان مساجدها بأجراس كنائسها، بانضباط بعض أهلها، وانفلات بعضهم.. لرأينا أنّ المدينة الإلكترونية صاخبة أيضاً تكثر وتتكاثر في شوارعها المتناقضات من اعتدال ديني إلى تطرّف ديني، ومن أدب وحشمة وعفة إلى مواقع إباحية وبيوت دعارة وتصرّفات مخلّة بالشرف، من خدمات جليلة إلى استخدامات بذيئة، من ثقافة تبني إلى ثقافة تهدم، من وقت يُستثمر في الخير إلى وقت يُضيَّعُ في التسكّع، في الشوارع، من كلمات تُقال للصلاح والمصلحة، إلى كلمات تُطلق للإساءة والبذاءة والتشهير والتسقيط، من بيانات ومعلومات نافعة إلى بيانات تُسرق وتُصادر، من مواقع مؤلّفة بين العقول والقلوب والأفكار والأديان، وبين أخرى تبثّ الفتن، وتزرع الإحن، وتخرّب الوطن وأبناء الوطن.

(الإنترنت) بكلّ وسائل تواصله وشبكاته مدينة للحرية، يمارس أهلها حريتهم من غير رقابة (حتى ضوابطها خجولة أو يمكن اختراقها وتجاوزها والتحايل عليها).. حرية مكفولة للجميع، ومن الطبيعي في مدينة كهذه أن ترى النافع المفيد إلى جانب المؤذي الضارّ، وبين أبنائها الصالح والفاسد، وبين شعاراتها الكاذب والصادق، والحال أنّ الحرية -حتى في أشدّ البلدان تحرُّراً- ليست منفلتة أو متهورة أو بلا ضوابط بتاتاً، نعم، هناك قوانين تحمي الحرية من الاعتداء، لكن ثمة قوانين تمنع من أن تتجاوز الحرية حدودها، ولذلك لا تجد شارعاً في البلدان المتحررة بلا إشارات مرور، ولا دوائر أو مؤسسات من غير أنظمة ومناهج مقررة، ولا مدارس وجامعات بلا ضوابط وتعليمات، ولا حكومة بغير سياسة ودستور.. الحرية المطلقة وَهْم.. الحرية التي بلا قيود ولا حدود لا وجود لها حتى في الجُزُر المنفصلة عن محيطها.

لهذا كانت هِبَة أو مُنحة الحرية أشبه بجائزة مالية ضخمة، صحيح أنّ الفائز بها لم يُتعب نفسه كثيراً في الحصول عليها[9]، وله حقّ التمتع بها كيفما يشاء، لكنّه إذا بَعْثر أمواله أو هدرها بطريقة سفيهة، أو أشعل النار فيها مثلاً، لامَه العقلاء على فعلته المستنكرة، وربّما عملوا على منعه من إساءة التصرّف فيها، خاصة إذا تعرضت حياتهم للأذى أو الخطر بسبب سوء تصرّفاته الخرقاء الرعناء.

حرية التنقل والتجوّل و(الملاحة) الإلكترونية مكفولة، لكن إساءة استخدامها في تعريض حياة المستخدم أو حياة الناس إلى الخطر أو الإساءة، قد تمنعه بعض الضوابط، لكن (ضمير) المستخدم هو أقوى قانون يمكن الاعتماد عليه في التقليل من الحوادث المؤسفة التي تحصل في المدينة الإلكترونية المزدحمة!

كيف نحمي أنفسنا في مدينة صاخبة متلاطمة كهذه؟

بعض الدراسات المتخصّصة دعت إلى عدم الاستجابة لأي طلب صداقة (ففي شارع النت أو شوارع التواصل في الشوارع المحيطة بنا والمحاذية لبيتنا: الإنسان الصالح والإنسان السيِّئ، والاطمئنان لكلّ أحد جهل و(غفلة) تساعد على (الاستغفال)، كما ينبغي عدم التصديق بما يقوله الإنترنت (أو بالأصح ما يقوله زبائنه فهو حيادي كما سيتضح) لأنّ روّاد وزوّار وسكّان شبكات التواصل ليسوا (جُهينة) ولا هم (حُذامِ) بل فيهم وفيهم، وبعض المعلومات ليست (غير صحيحة) فقط، وإنّما (غير صحية) أيضاً، وبالتالي فإنّ التسرع في نشرها وإشاعتها مساهمة على نشر التلوّث في الأجواء البعيدة عنه، ولذلك ينصح المخلصون بعدم تبادل أية معلومات أو صور خاصة مع أشخاص غير موثوقين لئلا يساء استخدامها.

في مدينةٍ هامشُ الضبط والانضباط فيها ضيق.. نرفع قبعاتنا لمن لديهم القدرة على الممانعة، وقول (لا).. و(الصيام) عن (الحرام).. وإلى الذين يمارسون التبليغ بالتي هي أحسن.

 

حيادية أجهزة التواصل:

يقودنا الحديث عن (الحرية) و(التحكّم) إلى نقطة محورية فاصلة في الإجابة عن سؤال حريّ بكلّ مستخدم لشبكات التواصل أن يطرحه على نفسه:

هل لأجهزة التواصل ذنب في الاستعمالات السيّئة لها؟

هل هي المسؤولة عن الوقوع في (الفِخاخ) و(الشِباك) و(المصائد) و(المقالب) و(المطبات)؟

هل هي (عاقلة)؟ بمعنى، هل هي التي ترشدني إلى هذا الاستعمال أو ذاك الاستعمال؟

هل هي (مريدة) تريد لي أن (أَخدع) أو أن (أُخدَع)، أم حيادية، بريئة، والمسؤول الأوّل والأخير هو أنا مستخدمها؟!

هذه الأسئلة عامة وليست مختصة بأجهزة التواصل وشبكة المعلوماتية فقط، فهي أيضاً قديمة – جديدة، تطرح كلّما طرح السوق الإلكتروني جديده من أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والجامعة.

خُذ الفضائيات -مثلاً- هي مبثوثة على الصحن الذي يقدّمها أو يضعها كلّها على مائدتنا وبين أيدينا.. بصالحها وفاسدها، ونافعها وضارها، ولكنّ (المشفِّر) لتلك القنوات الذي يغلق بعضها باختياره، ويسمح للبعض الآخر باختياره. هو الذي يختار ما يأذن له بالتسرّب إلى (بصره) ومنه إلى عقله وعواطفه وغرائزه، هو (أنا) المشاهد الحرّ المختار الذي يجب أن يصحح مقولة التحكّم عن بُعد التي تُطلق على جهاز السيطرة (الريموت كنترول) فيقول إنّهما جهازان وليس جهازاً واحداً! جهاز باطني عقلي حكيم وهو (جهاز التحكّم عن قرب)، وجهاز خارجي يدوي منفعل وهو (جهاز التحكّم عن بُعد)، لمن الإمارة والسيادة على الآخر؟! جواب هذا السؤال يتبع لشخصية وإرادة كلّ مستخدم، هو الذي يقدم ويؤخر في تحكّم هذا بذاك أو تحكّم ذاك بهذا، وهذا أشبه شيء بالجلوس إلى مائدة طعام عامرة أو مأدبة فيها ما لذّ وطاب، وعليها ما ضرّ وأصاب، فإذا تركتُ الأمر للعين واليد والفم أنهكتُ معدتي وأثقلتُ على صحتي من غير تدبر للعواقب، امّا إذا تحكّم العقل بالاختيار وبالمقدار وبحساب الفوائد والأضرار، نهضتُ من المائدة وقد أخذتُ منها قسطي في عافية ومتعة غذائية كاملة.

إذاً هي مسألة (عرض) و(طلب).. السوق (تعرض) لي كلّ البضائع على اختلاف أنواعها ومنتوجاتها النافعة والضارّة.. وأنا (لا البائع) أو (المعلن التجاري) أو (الدعاية) الشخص (المختار) و(المسؤول).

نسوق هذه الأمثلة لندلِّل على أنّ وسائل التواصل وأجهزتها وشبكاتها حيادية بحدّ ذاتها، وغير مسؤولة عن سوء استخدامها، وأكبر دليل على ذلك إنّ بعض الشبان والفتيات استخدموها واحسنوا استخدامها، وكان لتوظيفاتهم الحسنة والرائعة آثار طيبة، وإنّ البعض الآخر استخدمها فأساء استخدامها فساءت حاله وأساء لغيره. (المشكلة ليست في العنب فهي فاكهة لذيذة وصحية ولها فوائد وقيم غذائية كثيرة، المشكلة في مَن حوّلها إلى (خَمْرة) ضارة بالصحة ومسيئة للغير).

هنا يمكن أن نستنبط أو نستخرج بعض القواعد العامة التي يمكن تطبيقها على التعامل مع أي جهاز إلكتروني أو أي جهاز تتعدّد استعمالاته:

1- كلّ جهاز (سلاح ذو حدّين) يُمكن أن يُستعمل في (الخير) ويمكن أن يوظَّف في (الشرّ).. والمستخدِم هو المسؤول عن اختياره لأحد السلاحين. (بالمناسبة ليست الأدوات هي فقط سلاح ذو حدّين، حتّى أجهزتنا التي ركّبها الله فينا أسلحة ذات حدّين.. خذ يدك مثلاً، فبهذه اليد يمكن أن تكتب أشياء نافعة ويمكن أن تتصدق بها على فقير، وتأخذ بيد أعمى لتنقله إلى الجانب الآخر من الشارع، ويمكن أن تصافح بها صديقاً، وتصفّق بها مشجعاً، وتعمل بها لتكسب عيشك، وتقاتل بها عدوك، لكنّك يمكن أن تصفع بها، وتقتل بها بريئاً، وتسرق بها، وتكتب بها أشياء فظيعة تدمّر حياة الآخرين!).

2- الوسيلة تأخذ حكم الغاية (حلّيةً) و(حرمةً).. قل لي بماذا استخدمت وسائل تواصلك، وأدواتك، وأجهزتك.. أقل لك مَن أنت.

3- لسنا ضد التكنولوجيا وإبداعاتها المسخرة لخدمتنا، ولكنّنا ضد (الفاحشة) وتفريعاتها وملحقاتها وآثارها السلبية.

4- السيطرة والتحكّم (بيد عقلي) لا بيدي الخارجية.. وبيد حكمتي لا بيد جهاز فاقد للسيطرة بذاته حتى ولو سُمّي بجهاز السيطرة.. أنا (الفاعل) وهو (المفعول)!

5- (العالم الافتراضي) أو (المجتمع الافتراضي) لن يكون بديلاً عن المجتمع الواقعي والعالم الطبيعي.. قد يحقق لي مساحة واسعة من التواصل والتفاعل والبينية، لكنّه لن يسد حاجتي الاجتماعية للتواصل الحميم.

6- ليس في الأجهزة الإلكترونية جهاز كامل مطلق كلّه إيجابيات، وليس فيها جهاز كامل مطلق كلّه سلبيات. هي كالكهرباء تحمل في أسلاكها (النور) و(الدفء) و(الصوت) و(الصورة) و(الحركة)، ولكنّها تحمل (النار) و(الأضرار) و(الصعقات) في داخلها.. هي مميتة مثلما أنّها باعثة على الحياة.. هل كهرباؤك (أمينة) وكهربائي (تصعق)؟ هل هناك كهرباءان أم كهرباء واحدة؟!

7- العدد أو النسبة ليست معياراً، نسبة المشاهدة العالمية لموقع أو فيلم أو أية مادة إعلامية لا تُدلِّل دائماً على القيمة العلمية أو الأخلاقية، بل قد تشير إلى ضد القيمة أحياناً ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ (المؤمنون/ 70).

8- اندفاع شريحة واسعة للتعامل مع السلبي أو السيِّئ بإشارات (Like) أو التعليقات الطائرة الخاطفة، لا يعطيني المبرّر أن أكون ضمن (الجوقة).. لهم عقولهم ولي عقلي.. لهم حُكمهم ولي حُكمي: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ﴾ (المائدة/ 105).

9- المقولات الجاهزة والمعلّبة ليست مسلّمات عقلية، أو مبادئ فكرية قطعية، بعضها كلماتُ حقّ يُراد بها باطل.. هي إطلاقات تحتاج إلى مراجعة نقدية، وتحقيق في الصحة وعدم الصحة.. خُذ الأمثلة التالية:

·       (نحن في عصر السرعة) تبريراً لكلّ عمل غير مختمر، أو ناقص، أو فيه أخطاء.

مراجعة نقدية:

حتى في عصر السرعة هذا ما زلنا نميل إلى بعض الطبخات التي تستغرق وقتاً، ونشاهد مسلسلات تصل إلى أكثر من ثلاثين حلقة، ونتابع موسماً كُروياً لأحد الأندية الرياضية بأوقاتها الضائعة وأشواطها الإضافية، ونقرأ كتاباً يعجبنا من الغلاف إلى الغلاف!

·       (لم يعد الذهاب إلى المسجد ضرورياً.. المسجدُ في بيتك).

مراجعة نقدية:

صحيح أنّ مواقع الشبكة الإلكترونية زوّدتني بمعلومات دينية قيّمة كنت أجهلها، وأجابت عن أسئلة كنت أفتقر الإجابة إليها، ونقلت لي خُطب الجمعة من أُمّهات المساجد في العالم الإسلامي، وقدّمت لي محاضرات ومناظرات دينية مهمة.. لكنّ (بيوت الله) يجب أن لا تُهجر لما يلمسه زوّار المسجد وروّاده من منافع مباشرة لا يمكن تحصيلها على (النت) أو مواقع التواصل الاجتماعي. فربّ كلمةٍ تسمعها من خطيب في مسجد تحضره تؤثر فيك أكثر من كلمة تسمعها في خطاب مسجّل، وربّ روحانيةٍ تعيشها في أجواء مسجد قريب لا تجد مثلها في كلّ المساجد التي تتصفّحها كمشاهد عن بُعد، وربّ خدمةٍ تسديها إلى صديق أو رجل كبير السنّ في مسجد، قد لا تحظى بمثلها على (النت).. وربّ نصيحةٍ تقدّمها لمحتاج إليها مباشرةً تفتح لك عند الله مكانةً.. وهذا لا يعني أنّنا نعدم فرصاً كهذه عبر أجهزة التواصل، (لكنّ الذي يشاهد المباراة عبر الشاشة ليس كالمستمتع بها وهو على مدرّجات الملعب)!

·       (ممارسة المنكر أو المخالفة الشرعية في العالم الافتراضي غير ممارستها في الواقع الحقيقي).

مراجعة نقدية:

هذا صحيح لجهة وخاطئ لجهة. صحيح لأنّ العالم الافتراضي لا يحقق (الإشباع) بينما الواقع الحقيقي يحققه. وخاطئ لأنّ (الاقتراب) من المنكر أو الممنوعات يُغري حتى في العالم الافتراضي بـ(الاقتراف) في الواقع الحقيقي، ذلك لأنّ البحث عن الإشباع يدفع إلى (المباشرة) وعدم الاكتفاء بـ(السمع) و(النظر). (تذكّر أنّ الله تعالى لم يقل لآدم وحواء 8 (لا تأكلا من هذه الشجرة) بل قال: ﴿لا تَقْرَبا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾، وقد ترتب على ذلك القاعدة التالية: (مَن حامَ حول الحِمَى أوشك أن يقع فيه)!

10- كثيراً ما نهتم بـ(الفيروس) الذي يخرّب معلوماتنا وبياناتنا ومواقعنا الإلكترونية، فنعمل على حماية جهازنا الخاص منه بالمضاد للفيروس، ولكنّنا قليلاً ما نخاف من (الفيروس) الأدبي والأخلاقي الذي يخرّب حياتنا فلا نحتاط له، ولا نبحث له عن مضاد حيوي يقينا شرّه.. كم من حالات التلوّث السمعي والبصري تقابلنا في أجهزة ووسائل التواصل.. هل حسبنا لها حساباً وتحسّبنا لما قد تُلحقه من أضرار على عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا وتصرّفاتنا.. فكّروا في هذا قليلاً!

11- أزرار لوحة المفاتيح تشبه (الريموت كنترول) جهاز السيطرة الذي تحدّثنا عنه.. هي (مأمورة) بأمرٍ منك و(مقودة) من قِبَلك.. (الفضولي) أنت وليست هي.. (المختار) أنت وليست هي.. (المتصفّح) أنت وليست هي.. فلا تجعلها شاهدةً عليك إنّك مَن تصرّف بها وليست هي مَن تصرّفت بك.

12- (الحرية) اليوم من خلال قنوات التواصل واسعة.. واسعة جداً.. و(الرقابة) اليوم ضيِّقة.. ضيقة جداً.. هذا صحيح.

ولكنّ الصحيح أيضاً: إنّ (المسؤولية) اليوم كبيرة.. كبيرة جداً.. وإنّ (الرقابة الذاتية) اليوم.. ثقيلة.. ثقيلة جداً!

 

مخاوف مشروعة:

حينما نرصد الآثار الجانبية أو الأضرار المحتملة لجهاز ما، أو موقع تواصلي اجتماعي ما، فإنّنا في الحقيقة، نلتقط تلك السلبيات من خلال تجربة التعاطي والاستعمال، لا من حيث خصوصية وطبيعة الجهاز أو الموقع نفسه، بعدما انتهينا إلى أنّ (الأدوات) حيادية ولكن (الاستعمال) غير حيادي.

وقبل أن نناقش مخاوف المربّين من تلك الآثار والأضرار المترتبة على سوء الاستعمال، دعونا نأخذ فكرة سريعة عن بعض الأرقام والمؤشرات الإحصائية لمدى استعمال مواقع التواصل الاجتماعي اليوم[10].

كم هو عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم؟

الجواب:

1- عدد مَن لهم حساب على موقع الـ(فيس بوك) (Facebook) الذي هو أكثر موقع اجتماعي يجري من خلاله التواصل يزيد على (المليار) مستخدم حسب إحصائية عام 2013.

حصة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من استخدام هذه الوسيلة تصل إلى (70) مليون مستخدم، أي حوالي (4%) من نسبة إجمالي مستخدميه في العالم.

2- عدد الذكور الذين يستخدمون الفيس بوك (65%) وعدد الإناث (35%)، والفئة العمرية الأكثر استخداماً (18-24) حيث تصل نسبتهم بين باقي الشرائح إلى (36%).

3- امّا موقع (تويتر) (Twitter)، وهو ثاني أكبر موقع من حيث عدد المستخدمين، فيصل تعداد مستخدميه إلى (290) مليون مستخدم حول العالم، و(6) ملايين مستخدم في العالم العربي، وهو يعتمد على التغريدات (المدونات الشخصية) التي تتكون من (140) حرف.

4- بلغ عدد مرات المشاهدة للفيديو على موقع (يوتيوب) (Youtube) من قِبَل الجمهور العربي إلى أكثر من (170) مليون مشاهد في اليوم، وهي أعلى نسبة مشاهدة بعد الولاية المتحدة الأميركية.

5- أعلنت (غوغل بلس) عن انضمام (10) ملايين مستخدم خلال أسبوعين فقط.

6- بالمقارنة مع إحصائيات (2011) نرى أنّ مستخدمي (الفيس بوك) كان (800) مليون، وعدد مستخدمي (تويتر) (200) مليون، فلاحظ الفرق وسرعة ارتفاع عدد المستخدمين.

والأعداد -كما ذكرنا سابقاً- مرشحة للزيادة المطردة بوقت قياسي، ولا تنطبق هنا قاعدة (لكلّ جديد لذّة) فموقع الفيس بوك بدأ عام (2004) ويشهد في كلّ يوم زيادة ملحوظة في عدد المشتركين فيه، خاصة وانّ الخدمات التي يقدّمها لا تُضاهى، وحتى لو اُستخدمت مواقع تواصل جديدة أسرع وأحدث خدمة، فإنّ الذي سيتغيّر هو الانتقال إلى الأكثر جاذبية، لا أنّنا ننتظر انحسار موجة هذه (الهبّة) أو إعراض المستخدمين لها، إنّها موجة عالمية كاسحة ستجعل بعض المترددين في الاستخدام لن يطول بهم التردد في الدخول إلى عالم التواصل، وإلّا بقوا خارج عتبة التطور المتلاحق، إن لم نقل خارج العصر.

على ضوء هذه المعلومات، يطرح بعض المربّين من الآباء والأُمّهات وحتى بعض العاملين الإسلاميين مخاوف تبدو مشروعة من الاستخدام غير الواعي لجهاز الكمبيوتر عموماً، ولمواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً[11].

ولعلّ أخطر ما يمكن أن يُطرح هنا هو مشكلة أو إشكالية مفادها إنّ هذا الاختراع التقني المهيمن على ثلاثة أرباع حياتنا الثقافية (الربع الباقي ما نتعلّمه ونتلقّاه في مدرسة الحياة ذاتها) يهدّد هُويّتنا الثقافية وبالضمن الدينية أيضاً، وبمعنى آخر إنّه يعيد رسم أو تشكيل الشخصية الإسلامية وفق منظوره المتعدّد المشارب والمتنوّع الثقافات والديانات والاجتهادات.

ولا نريد أن نتعجل الإجابة بالنفي أو التقليل من خطورة هذا المنحى الإلكتروني السالب، والذي ليس بالضرورة أن يكون مقصوداً أو هادفاً أو مبرمجاً له على طول الخط، فقد يكون تحصيل حاصل ونتيجة متوقعة للانفتاح على مصراعي الثقافة العالمية، والأمر يحتاج إلى مناقشة هادئة ومتعقلة لأي (وافد) تقني أو (رافد) ثقافي جديد.

دعونا نعرض المسألة أوّلاً على كتاب الله المجيد لنرى كيف يجيبنا على سؤالنا الحائر والباعث على القلق. فحينما نقرأ قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات/ 13)، نقرّ عيناً أنّ الله تعالى (العليم الخبير) لم يرد لأُمّة من الأُمم أو شعباً من الشعوب أن يعيش في (جزيرة معزولة) عن محيطه الإنساني العام، ولا أن ينكفأ في مقاطعات منقطعة عن المجرى البشري المتلاحم، ولم يرد للحدود الجغرافية (الطبيعية) أن تكون حدوداً حديدية لا يمكن كسرها، بل دعا في قبال (التعدّد) و(التنوّع) في الشعوب والقبائل إلى (التعارف) و(التعاون) و(التكامل) و(التبادل)، فهو تعارف على مستوى التبادل والتلاقح المعرفي أوّلاً وقبل كلّ شيء، لعلم الله تعالى انّ ما لدى أُمّة ليس بالضرورة هو نفسه ما لدى أُمّة أخرى، وحتى تنتعش حقول المعرفة، كان لابدّ من الانفتاح المعرفي والثقافي والتواصل الاجتماعي والإنساني بين أُمم الأرض كلّها.

تطبيقات هذا المبدأ القرآني: هذه المساحة الواسعة في القرآن من قصص الأُمم الماضية التي لا يريد لها القرآن أن تكون (تأريخاً) يُقرأ، بل يريد لها أن تكون واقعاً يُعاش، وفي قصة (الإسراء) و(المعراج) درس آخر في الانفتاح المعرفي على كلّ الأنبياء السابقين، وعلى عوالم غيبية غير الأرضية المنظورة.

السيرة النبوية المطهّرة نهجت المنهج ذاته، فلم يكن النبيّ 6 غافلاً عن المخاطر الثقافية أو الدينية التي يمكن أن تنجم عن الانفتاح الثقافي أو المعرفي أو العلمي على الأُمم غير الإسلامية كـ(الصين) عندما دعا إلى طلب العلم ولو في الصين. (الصين هنا ليست حصراً جغرافياً، بل نموذج لكلّ بقعة في العالم يمكن أن يُطلب فيها العلم). أما كان يخشى على أبناء دينه من أن ينحرفوا عن دينهم، أو يفقدوا أصالتهم، أو تُستلب هُويّتهم؟ (بالمناسبة لم يحدّد الحديث علماً معيناً حتى يقال المراد هو العلم الديني، فالعلم الديني متوفر في الجزيرة العربية أكثر منه في الصين ومن أي مكان آخر، وإنّما هو طلب العلم الذي ينفع الناس في أي بابٍ من أبوابه).

من هنا، فإنّ الحديث عن (الغزو الثقافي) حديث خارج عن سياق التعارف الثقافي والتبادل المعرفي، فكما أنّ من حقّ الآخر أن يطرح بضاعته الثقافية وينشرها ويسوّقها بأجمل أسلوب للعرض والترغيب وكسب المؤيدين والأنصار، فإنّ لي الحقّ نفسه، أي أنّ الشكوى يجب أن لا تتجه إلى كيفية وقف الزحف الفكري القادم من الغرب أو الشمال، بقدر ما يتوجه إلى كيفية الصيانة والتصدّي والتحدّي بثقافتنا الإسلامية التي تمتلك مقومات المقاومة وإثبات الذات، بحيث يكون لها موقعها الرائد والمميّز الذي لا تزلزله العواصف الفكرية ولا تنحت فيه الرياح الثقافية من أي جهةٍ جاءت.

إنّنا في سوق الثقافة، كما في سوق البضائع، لا نستطيع أن نقول لصاحب متجر إغلق متجرك لأنّ بضاعتك تجتلب الزبائن وتُفسد علينا رزقنا.. إنّه يعرض بضاعته كما نعرض بضاعتنا، ومن حقّ الزبائن اختيار المتجر الذي يرونه مناسباً، ولا نملك أن نمنع زبوناً من ارتياد متجر يرى فيه ما يلبّي حاجاته المادية أو النفسية، كما لا نستطيع أن نقيم (حَجراً تجارياً) على متجرٍ آخر لأنّ بضاعته تكسّد سوقنا أو تقلل من أرباحنا.

أين المشكلة إذاً؟!

المشكلة في (الحجر الأساس) أو البنية الثقافية التحتية التي يقوم عليها بناء الشخصية الإسلامية، فنحن نخاف أو نتخوف من انحراف أبنائنا لأنّنا لم نحصّنهم بثقافة الإسلام بشكل سليم، ولم نطعّمهم بلقاحات مضادة للإصابة بالفيروسات والجراثيم، الأمر الذي جعل مناعتهم إزاء الوافدات ضعيفة، وإلّا فلو تسلّح الشاب المسلم أو الفتاة المسلمة بثقافة إسلامهما الصالحة، فإنّها ستتيح لهما المقارنة والمفاضلة والترجيح والنقد والأخذ والردّ.. أي إنّ كرياتهم البيضاء الثقافية ستكون أقدر على الدفاع عن نفسها وعن صاحبها.

لكنّنا نسلّم أنّ الكثير من الأُسر المسلمة اليوم تهمل هذا الجانب الحيوي من حياة أبنائها وبناتها، أو توكله إلى مؤسسات أخرى، فهل ينقطع الرجاء ويعمّ اليأس ونبقى نذرف الدموع على اللبن المراق؟

إنّنا وإن كنّا نرى أنّ الأرضية التي تُبتنى عليها قواعد الشخصية كلّما كانت صلبة أكثر أكسبتها صلابة أكبر، وانّ النبت الذي ينمو في أرض صالحة يسرع نماؤه ويكثر عطاؤه، لكنّنا لا يجب أن نيأس من اعتبار مرور هذه الفترة المهمة من غير بناء، أو أن نحكم على أبنائنا بالموت الثقافي والديني تبعاً له. خُذ –مثلاً- أولئك الذين نشأوا في بيئات دينية أو ثقافية غير إسلامية ثمّ اهتدوا إلى الإسلام بعد دراسة وتأمّل وتعقّل، وربّما حصل ذلك في أواسط أو أواخر أعمارهم، أي إنّ فرصة التعويض والتلافي قائمة حتى آخر لحظة، وكذلك المنحرفون في مطالع حياتهم ثمّ انتباههم في وقت لاحق وتدارك ما فاتهم، بحيث يتوبون ويحسن إسلامهم، وقد نجد العكس، انّ بعض الذين نشأوا نشأة صالحة ينحرفون في أخريات حياتهم، ولذلك نقول إنّ العلم في الصغر -ليس دائماً- كالنقش على الحجر، لأنّ النقش على الحجر غير قابل للتغيير، أمّا النقش على البشر فقابل للتغيير، أي أنّ العلم يمكن أن يتغيّر حتى في أوقات متأخرة من عمر الإنسان إذا كان منتبهاً لحاله وسعى لتغييرها نحو الأفضل، وإلّا لما اهتدى مَن اهتدى بعد ما عاش الضلالة والانحراف طويلاً؟!

نعم، يجب الانتباه إلى أنّ التغيير لا يأتي عفوياً أو تلقائياً أو بضربة حظ، وإنّما هو نتيجة واعية، وجهد مبذول، ونية صادقة أو عزم جادّ للوصول إلى الحقيقة التي لا يقف السفر إليها عند أي محطة حياتيّة: «اطلب العلم من المهد إلى اللحد»[12]!

الإشكالية الثانية، أو الخوف المشروع الثاني، هو انحسار أو انعدام الرقابة في عالم وسائل التواصل التي ألغت الحدود وهدّمت السدود وكسرت الأغلال والأقفال والقيود، ومدّت الجسور وسهّلت العبور، وفتحت المجال لأسراب الطيور، ووسعت في آفاق وفضاءات النور.

لم يَعُد بوسع الأبوين ملاحقة أبنائهم في علائقهم الحقيقيّة والافتراضية، ولا في تصرّفاتهم البيتية أوالخارجية، ولا في أسرارهم واختياراتهم وقراراتهم.. لم يَعُد نظام الرقابة -بعد انحسار ظل الرقابة الخارجية- إلّا نظاماً محدود التأثير أو من مخلفات عهود التسلّط والاستبداد، بل إنّ اقتراحاً من قبيل نصب برامج خاصة بالمراقبة على أجهزة الحاسب الآلي حتى يتم مراجعة ما تم تبادله، قد لا يكون عملياً أو نافعاً إلّا في مرحلة الطفولة، امّا بعد ذلك فإنّ الشكوى من التضييق على الحرية سيدفع في حال عدم تلقّي إجابة مناسبة بشأنه إلى التحايل حتى على أجهزة المراقبة، خاصة وانّ طبيعة المواقع التواصلية تسمح بذلك.

ما هو الحل؟

الحلّ الوحيد (ربّما تكون هناك حلول أو بدائل أخرى، لكنّها إمّا أن تنتمي إلى هذا الحلّ أو تتفرع عنه، أو أنّها أقلّ أهمية منه) هو أن تكون الرقابة الذاتية أو الداخلية عند المستخدم أقوى من غيرها من الرقابات. فنحن كمستخدمين لمواقع التواصل بصفة خاصة، والمواقع الإلكترونية الأخرى بصفة عامة، بعد أن ضيّقت هذه الوسائل سُبُل الرقابة وأنماطها التقليدية، لابدّ أن نكون أكثر وعياً لمخاطرها (ليس كلّ ما في المطعم وجبات صحية) وأكثر يقظةً وحذراً وأشدّ حرصاً وحساسيةً، وأقدر على حماية أنفسنا بأنفسنا.

مثال تقريبي:

قد يصطحبك دليل للسير في طريق وعرة، فيلفت نظرك وانتباهك إلى خطر هنا وخطر هناك ومنحدر هنا وعثرة هناك، فتأخذ حذرك بفضل توجيهاته، وتشعر معه بقدر من الأمان لأنّه أعرف منك بمخاطر الطريق، وطرق التخلّص والتملّص منها، امّا إذا قررت أن تسير في الطريق لوحدك، فإنّك ستكون أكثر حذراً وانتباهاً، وتفتح عينيك بأقصى قدرة إبصارية، وترهف سمعك لأية نبرة أو صوت أو همسة تصدر من هذه الجهة أو تلك، وتراقب خطواتك بدقة لئلا تعثر أو تنزلق أو ترتطم بشيء يسبب لك الأذى أو الألم، وباختصار يزداد خوفك من المجهول، وتستنفر طاقاتك لمواجهة أية احتمالات أو مفاجآت.. هذا هو بالضبط، ما يفترض بكلّ مستخدم لأي شبكة تواصلية أو ثقافية أو إعلامية فعله.. تأمّل في فيتامينات الوعي ولقاحات الضمير التالية:

- «صحة الضمائر من أفضل الذخائر»[13] (الإمام علي 7).

- «الضمير الحيّ وسادة ناعمة» (مثل فرنسي).

- «السيف في يد الشخص السكران، أقل خطراً من العلم في يد عديم الضمير» (مثل فارسي).

- «ضمير حيّ خيرٌ من ألفِ شاهد» (مثل إنجليزي).

- «لا تخشَ حُكم الآخرين عليك، بل اخشَ حُكم ضميرك» (لابرويير).

- «ليس من مذنب مبرّأ أمام محكمته الخاصة» (مثل إنجليزي).

- «الألم الذي يسببه وخز الضمير أكثر فعالية من ضربات السوط الموجعة» (مثل ألماني).

- «لا تعلِّق ضميرك على ظهرك» (مثل صيني).

- «الضمير المذنب يعاقب ذاته» (مثل روسي).

- «الضمير هو ذلك الصوت الداخلي الذي يحذّرنا بأنّ هناك شخص ما يراقبنا» (صحفي أميركي).

إنّنا لا نستطيع أن نحبس أبنائنا وبناتنا في (قُمقُم) أو (قفص) أو نقفل أبواب بيوتنا دونهم لئلا يخرجوا منها، مسؤوليتنا تتحدد في (التنبيه) و(التوجيه) وتبيان الأخطار والأضرار، وتقديم المثل الصادق من أنفسنا، والتربية على أخلاق ديننا، ومراقبة الله حتى لو غاب كلّ الرقباء، والسؤال والمتابعة ما أمكن ذلك.

لقد أثبتت تجربة الإنسان مع الرقابة الخارجية -انّها على أهميتها- هشّة وأضعف بكثير من الرقابة الداخلية، فحتى القانون يمكن اختراقه والتحايل والالتفاف عليه، امّا رقابة الضمير والشعور برقابة الله تعالى فهي أقوى الرقابات على الإطلاق.

 

أخيراً: ماذا يمكن أن نكسب بأجهزة التواصل؟

إضافة إلى ما تقدم في أوّل المقاربة من مزايا شبكات التواصل الاجتماعي، يمكن أن نتلمّس بعض ما يمكن أن يشكّل إضافة إلى (رصيد) تلك الأجهزة، في الآتي من اللفتات:

1- يمكن توظيف قنوات التواصل الاجتماعي في الأعمال التطوعية والخيرية والإحسانية، خاصة إذا اعتمدنا قاعدة (وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر) وقاعدة (وتواصوا بالمرحمة).

2- يمكن أن نعطي لتقسيم الوقت صيغة أخرى، وهي أن نقسّم وقت تصفّح المواقع، والتواصل الاجتماعي، إلى أوقات للثقافة وتنمية الشخصية، ووقت للتواصل الاجتماعي، ووقت للتزوّد الروحي، ووقت للبحث عن أجوبة لمسائل تشغل البال، ووقت للترويح.

3- يمكن أن نتعرف على تجارب وأخلاق الشعوب وأساليب عملهم وسلوكياتهم الاجتماعية عن طريق التعليم أو الاكتساب الذاتي، وأن نلتقط الإيجابي ونشيعه ونثقّف عليه، ونطرد السلبي ونحذّر منه.

4- يمكن أن نمارس الدعوة إلى الله تعالى بقدر ما نمتلك من ثقافة علمية وعملية تؤهلنا لنشر رسالة الصلاح بين الآخرين، سواء بتصحيح المفاهيم الخاطئة المغلوطة، أو بثّ المفاهيم والقيم الحية، أو الإرشاد إلى مواقع ينتفع بها المتصفّح أو المستخدم فينالنا بذلك أجر الدلالة على الخير.

5- لابدّ أن يكون للشبان والشابات آراؤهم السياسية الناتجة عن متابعات سياسية لما يجري في أوطانهم أو في بلدان العالم الإسلامي، بل في العالم أجمع، يراقبون ويتابعون ويحللون، ويطالبون بمسائلة المقصّرين، ومحاسبة الفاسدين، وينتقدون بموضوعية، ويتواصلون للدفاع عن حقوق الإنسان أينما كان.

 

خلاصة الخلاصة:

الحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها أخذها لأنّه باحث عن (الحقيقة) وعن (المصلحة) وعن (المنفعة) وعن (العلم) وعن (النصيحة) وعن (المشورة). حاولنا في هذه الفقرة من الكتاب أن نضع بين يدي مستخدمي شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي هذه اللائحة من (المذكِّرات) أو (المنبِّهات) أو (الأجراس) التي تتعلق بممارسات يوميّة نواجهها في كلّ تعامل وتعاطي مع الوسائل المذكورة:

1- في الكلمة والكلام:

- قال تعالى: ﴿ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق/ 18).

- «للكلمة البلهاء أعطِ أُذناً طرشاء» (مثل روسي).

- «انتبه للكلمة التي ستخرج من فمك، إنّها تشبه الحجر الجاهز للرمي» (مثل بلغاري).

- «الكلمة من غير تفكير كالرصاصة من غير تهديف» (مثل صيني).

- «لم تقع السمكة في المشاكل لو حفظت فمها مقفلاً» (مثل كوري).

- «الكلمة الودودة تكسب أكثر، ولا تكلّف شيئاً» (حكيم).

 

2- في الكتابة:

- «إيّاك أن تكتب ما لا تجرؤ على قوله» (مثل روسي).

- «مَن يكتب كتاباً ينبغي أن يُهيِّئ نفسه للنقد» (مثل عراقي).

- «ليس هناك لصّ أسوأ من الكتاب السيِّئ» (مثل إيطالي).

 

3- في الصداقة والأصدقاء:

- «عندما ينفصل الصديقان يتوجّب عليهما سجن أسرارهما والرمي بالمفتاح بعيداً» (مثل ألماني).

- «حاول أن تكون مع رفقة جيّدة حتى عندما تكون وحدك» (مثل هنغاري).

- «كن صاحباً لمن يريك عيوبك» (الإمام عليّ 7).

- «مَن أطاع الواشي ضيّع الصديق» (الإمام عليّ 7).

- «صداقة زائفة شرّ من عداوة سافرة» (مثل عربي).

- «أبداً لن تعرف الصديق إلّا عندما تحتاجه» (مثل روسي).

- «إبذل لصديقك كلّ المعروف ولا تبذل له كلّ الطمأنينة، وأعطه من نفسك كلّ المواساة ولا تُفضي إليه بكلّ أسرارك» (حكيم).

- «معرفة قصيرة بإمكانها أن تعمل صداقة طويلة» (مثل روسي).

 

4- في الشكّ والاحتراس بسوء الظن:

- «إذا رابَك أمرٌ فدَعه» (الإمام عليّ 7).

- «عليك بسوء الظن فإن أصاب فـ(الحزم) وإلّا فـ(السلام)» (الإمام عليّ 7).

- «اسمع بأُذن، وكن مُرتاباً بالأخرى» (لاغوس).

 

5- في الجدل والنقاش:

- «العقول العظيمة تناقش الأفكار، والعقول المتوسطة تناقش الأحداث، والعقول التافهة تناقش الناس» (حكيم).

- «تعلّمتُ منذ زمن طويل أن لا أتصارع مع الخنزير، لأنّه لا يتناول سوى الأقذار، علاوة على ذلك، فإنّ الخنزير يودّ ذلك» (برنارد شو).

- «لا تناقش المغفّل أبداً، فربّما لا يعرف الناس الفرق» (حكيم).

- «لكلّ نقاش ثلاث وجهات: وجهة نظري، ووجهة نظرك، والوجهة التي هي على صواب».

 

6- في الحرية:

- «الحرية المفرطة تُفسد كلّ شيء» (مثل روسي).

- «ليست الحرية أن تسير وراء نفسك، بل أن تسير غالباً ضد نفسك» (حكيم).

- «لا حرية بدون إرادة» (ديكارت).

- «أن تكون مقيداً، هو أكثر أماناً من أن تكون حراً» (مثل أميركي).

- «الحرية تعني المسؤولية، لذا فإنّ معظم الرجال يرهبونها» (برنارد شو).

 

7- في اللصوص واللصوصية:

- «اللصّ المحترف سوف يفرّغ جيوبك» (مثل ألماني).

- «الكلب لا يهزّ ذنبه لأجلك، لأجل خبزك» (مثل برتغالي).

- «الحشرات تحوم دائماً حول الأزهار» (مثل فرنسي).

- «القط الجيّد يستحق فأرة جيدة» (مثل فرنسي).

- «الزمان والمكان يصنعان اللصّ» (مثل هندي).

- «التغافل يصنع اللصوص» (حكيم).

- «لصّ من يسامح اللصّ» (مثل إسباني).

 

8- في الوقت:

- «لماذا تقتل الوقت إذا كان باستطاعتك توظيفه» (مثل فرنسي).

- «ليس برجل أعمال مَن لا يعرف ماذا يفعل بالاحتياطي من الوقت» (مثل صيني).

- «إعمل كلّ شيء بوقته، وسوف يساوي نهارك ثلاثة أيام» (حكمة صينية).

- «غالباً ما نضيّع الوقت بمطاردة الريح، أو بمحاولة القبض على الظلّ» (حكيم).

- «المماطلة لصّ الوقت» (مثل صيني).

- «كلُّ دقيقة هي بداية ساعة» (بول غوندولا).

 

9- في العجلة والتسرّع والتأني والتروّي:

- «العنب المقطوف قبل أوانه لا يصنع ولا حتى خلّاً جيّداً» (مثل ألماني).

- «الصباح أعقل من المساء» (مثل روسي).

- «لا تشعل الفرن، طالما السمكة تسبح في المياه» (مثل روسي).

- «هي حقيقة، إنّني أمشي ببطء، ولكن لم يحدث أبداً أنّي مشيت خطوة واحدة إلى الوراء» (أبراهام لينكولن).

- «السلاحف أكثر خبرة بالطرق من الأرانب» (جبران خليل جبران).

- «عليك أن تقيس سبع مرات قبل أن تقص مرة واحدة» (مثل أميركي).

- «العجلة من الشيطان والتأنّي من الرّحمان» (حديث شريف).

- «مَن أسرع في الجواب بَعُدَ عن الصواب» (حكمة روسية).

- «(لا) في الوقت الملائم تهزم (نعم) المتسرّعة» (مثل برازيلي).

- «إذا تسرّعت كثيراً فسوف تذهب في الطريق الملتوية» (مثل صيني).

- «ما نقوم به بسرعة لا نقوم به باتقان» (مثل يوناني).

- «لا تقل قبل أن تعلم.. ولا تجب قبل أن تفهم.. ولا تعزم قبل أن تفكّر.. ولا تحمد قبل أن تجرّب.. وتذكّر أنّ العجلة أُمّ النّدامة، وليس للأمور بصاحب مَن لم ينظر في العواقب» (الإمام عليّ 7).

 

10- أعِد قراءة ما قاله العقلاء في رقابة الضمير.

 

-وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ-


[1]- استيحاءً من مقولة: (وعند جُهينة الخبرُ اليقينُ).

[2]- بناءً على مقولة: (إذا قالت حُذامِ فصدِّقوها).

[3] - نهج البلاغة (تنظيم د. صبحي الصالح)، باب الكتب والوصايا، الوصية 31، ص394.

[4]- من دراسة أعدّها مستشار الطب النفسي د. محمود جمال أبو العزائم.

[5]- بحار الأنوار، ج2، ب91، ح6.

[6]- ن. م، 71/345، ب21، ح5.

[7]- الكافي، ج2، ص188.

[8]- آمالي الشيخ المفيد، ص328، ح13.

[9]- الحرية حتى في البلدان أو الشعوب التي تحرّرت من الأنظمة الدكتاتورية الشمولية، وحكم الفرد والأحزاب المنغلقة ذات النظام الحديدي الصارم، لم تكن بلا ثمن، فلقد ضحّى من أجل نيلها كثيرون من أبنائها حتى وصلت الأجيال اللاحقة.

[10]- يجب أن نتنبه إلى أنّ هذه الأرقام والإحصائيات هي أيضاً سريعة التغير، ولا ندري -حينما يصدر هذا الكتاب- كم ستتغيّر النسب والإحصاءات، لكن ما يهمنا ليس الدقة في الرقم بقدر ما نهتم للدلالة التي يحملها، واضعين في الحسبان أنّ زيادة وارتفاع معدلات الاستخدام آخذة بالتصاعد.

[11]- من الخطأ التفريق في استعمال الحاسوب الآلي أو (النت) بين بعض مواقعه الاجتماعية وبين مواقعه الثقافية، ذلك انّ نوافذ هذا الابتكار العصري المذهل تتنافذ على بعضها البعض، ممّا لا يمكن حصر التعامل معه بقناة أو دائرة واحدة فقط.

[12]- نهج الفصاحة، ص64.

[13]- غرر الحكم، 5813.

ارسال التعليق

Top