• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

موسى (ع).. العَصا التي كَسَرت الطُغيان

أسرة البلاغ

موسى (ع).. العَصا التي كَسَرت الطُغيان
موسى 7.. السيرة الذاتية:

- موسى: اسم مُركّب من اسمين في القبطية، فـ(مو): الماء، و(سى): الشجر، وسُمِّي بذلك لأنّ التابوت (الصندوق) الذي كان فيه موسى 7 وجدته عند الماء والشجر جواري آسية امرأة فرعون، حيث كُنّ يغتسلنَ بالمكان الذي وجد فيه. وأصل الاسم عبريّ سريانيّ من كلمة (موشه) و(موشي).

- في (دائرة المعارف) هو موسى بن عمران بن قاهت بن لاوي بن يعقوب.

- وفي (تاريخ ابن الوردي) 1/19: وُلِد موسى 7 لمضي أربعمئة وخمس وعشرين من مولد إبراهيم 7، وبين وفاة إبراهيم 7 ومولد موسى 7 مئتان وخمسون سنة. (ويُلاحظ عدم الدقّة والضبط في تواريخ مواليد الأنبياء ووفياتهم، وما يهمّنا سيرة الحياة وغناها، لا طول العمر).

 

موسى 7 في القرآن:

- ورد اسم موسى 7 في القرآن الكريم (136) مرّة.

- قصّته 7 أكثر قصص القرآن تكراراً، لما فيها من الأحداث والمنعطفات الحادة والمُعاندة الشديدة التي أبداها بنو إسرائيل له في مختلف مراحل نبوّته.

- يأتي ترتيب بعثته 7 بين الرُّسُل الذين قَصّهم القرآن علينا الثاني عشر، بعد شُعيب وقبل داود 8.

- يُمكن استقراء سيرته 7 من القرآن عبر المحطات الآتية:

1- ميلاده 7 وإلقاؤه في صندوق في البحر:

قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (القصص/ 7).

2- التقاط آل فرعون له 7:

قال تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ (القصص/ 8)، أي سبباً في تعاستهم.

3- موسى 7 ربيب آسية بنت مُزاحم (زوجة فرعون):

قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ (القصص/9)، وقال تعالى على لسان فرعون: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ (الشُّعراء/ 18).

4- تَتَبُّع أُخته لآثاره 7:

قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ (القصص/ 11).

قُصِّيهِ: تَتَبّعي أثره.

عَنْ جُنُبٍ: عن بُعد.

5- تحريم المراضع عليه 7:

قال تعالى: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ (القصص/ 12).

فَقَالَتْ: أي أُخت موسى 7.

يَكْفُلُونَهُ: يتولّون رضاعته والعناية به 7.

6- عودته 7 إلى أُمّه سالماً:

قال تعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ (القصص/ 13).

7- بلوغه 7 الأشدّ والاستواء والنُّضج:

قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ (القصص/ 14).

8- قتله 7 للقبطيّ:

قال تعالى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ (القصص/ 15).

9- استغفاره وتوبته ودعاؤه 7:

قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ (القصص/ 16-17).

10- خوفه 7 وترقُّبه:

قال تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ (القصص/ 18).

يَسْتَصْرِخُهُ: يستنجد به.

11- نسيان وعده 7:

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ (القصص/ 19).

12- تحذير أحد الصالحين له 7:

قال تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ (القصص/ 20).

أَقْصَى الْمَدِينَةِ: من أطرافها، أو أحد ضواحيها البعيدة.

13- خروجه 7 من مصر خائفاً يَتَرقَّب:

قال تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص/ 21).

14- توجُّهه 7 إلى مَديَن:

قال تعالى: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ (القصص/ 22).

تِلْقَاءَ: نحو.

15- لقاؤه 7 ببنات شُعيب 7:

قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ (القصص/ 23).

تَذُودَانِ: تدفعان، تُبعدان أغنامهما.

مَا خَطْبُكُمَا: ما وراءكما؟ ما قصّتكما؟

الرِّعَاءُ: الرُّعاة.

16- سقيه 7 لبنات شُعيب 7:

قال تعالى: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ (القصص/ 24).

17- دعوة شُعيب 7 له ليدفع له أجره:

قال تعالى: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص/ 25).

18- طلب إحدى بنات شُعيب 7 استئجاره 7:

قال تعالى: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ (القصص/ 26).

19- تزويجه 7 من إحدى بنات شُعيب 7:

قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ (القصص/ 27-28).

ثَمَانِيَ حِجَجٍ: ثماني سنوات.

 الأجَلَيْنِ: الموعدين.

20- مغادرته 7 مَديَن:

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ (القصص/ 29).

آنَسْتُ: شاهدت.

جَذْوَةٍ: قبسة من النار، شُعلة.

21- مُناداته ومُخاطبته 7 من قِبَل الله تعالى بالنبوّة:

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (القصص/ 30).

الْوَادِ الأيْمَنِ: الجانب الأيمن.

22- إلقاؤه 7 العصا:

قال تعالى: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ﴾ (القصص/ 31).

إلى هنا نكون قد استوفينا مراحل عمر موسى 7 - بتسلسل قرآني - إلى حين مُخاطبته بالنبوّة، وقد أعرضنا عن المضيّ في استعراض الآيات المكمِّلة لمسيرته 7 على أمل استكمالها في البحوث اللاحقة، حيث يتناول كلٌّ منها محوراً مهمّاً ومحطّة انعطافية من محاور ومحطات حياته وسيرته 7 المليئة بالمواقف والعِبَر.

 

إرادة الله تعالى فوق كلّ إرادة:

قال تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ (طه/ 39).

طالما البناء لله تعالى فلا أحد يستطيع أن يُنقضَه أو يهدَّه أو يطيحَ به. سفنيةُ نوح 7 بُنيت وأُنشأت على عين الله فلم يستطع أحد تدميرها، بل كانت (سفينة نجاة) لمن أراد الله تعالى لهم أن ينجوا من الطُّوفان، والذين سخروا منها ومن صانعها أو نجّارها العجوز، كانوا هم الخاسرين.

أراد الله تعالى لموسى 7 وهو بناؤه البشريّ و(الإنسانُ بُنيانُ الله) أن يكتمل في انتظار الدور المُوكَّل إليه، وكانت كلُّ الظروف المحيطة تُنبئى أنّ مصيره يُمكن أن يكون مثل مصير باقي أطفال بني إسرائيل؛ لكنّه كان (الاستثناء).. ولكي يُجلِّي الله تعالى إرادته وعظمة قدرته لم يُنجّه بأن يطلب إلى أُمّه أن تخفيه في مغارة أو كهف أو مكان ما آمن، والله تعالى هو الذي سيتكفَّل بحفظه، بل طلب إليها أن تُلقيه في النهر الكبير[1] (النيل) وأن تضعه في صندوق ولا تخاف عليه دركاً (سوءاً) أو تخشى غرقاً، ومثلما سألها أن تُلقي فلذة كبدها في البحر، ألقى في قلبها طمأنينة الشعور العالي بسلامته، ووعدها أنّه سيُعيده إليها سالماً غانماً، بل وبَشَّرها أنّه سيكون له شأن عظيم، ومثلما ألقى في قلب الأُم الفارغ من شدّة الخوف على ولدها، ألقى على الماء أمره أن يرفق به.

التقطهُ آل فرعون، وذهبوا به إلى فرعون الخائف من كلّ مولود لبني إسرائيل قد يكون على يديه حتفه (كما أنبأه المنجمون في تفسير منام له)، وإذا بإرادة الله تلقيه في أحضان قَتَلة الأطفال، وخانقي الزهور في أوّل تبرعمها، ومثلما ألقى في قلب أُم موسى السكينة، ألقى تعالى في قلب آسية (زوجة فرعون) حبّ موسى، فأخذت على يد زوجها أن لا يقتله محتجةً باتّخاذه ولداً، أو خادماً؛ والاستجابة إلى طلب السيِّدة الأُولى في مصر هي بعض هدايا الزوج (مالك مصر ) لزوجته وربّما أبسطها.

في البيت الذي ستكون نهاية فرعون على يديه، نشأ وترعرع موسى 7؛ لكنّ عناية الله أغدقت عليه بحنان أُمّه التي حَرَّم الله تعالى بإرادته المراضع على ابنها حتى تكون المرضعة الوحيدة له، وحنان أُمّه الثانية (آسية) التي وجدت فيه قرّةَ عينٍ لها.. فموسى 7 لم يكن تربية فرعون حتى يُقال كيف انقلب على مُربّيه، بل هو تربية الله وفي عينه وتحت رعايته، سَخَّر له كلّ العوامل التي تجعله ينمو في بيت السلطة الفرعونية الطاغية لا بعيداً عن أعْيُنها تَترصَّده أعْيُن الرُّقباء والجواسيس، فهل هناك أبلغُ وأقدرُ وأحكمُ من إرادة الله تعالى؟! في الدنيا وبين الناس هناك صراعُ إرادات؛ ولكنّ مع إرادة الله لا أحد يُصارع.

في بيت فرعون لم يكن موسى 7 وحيداً في أخلاقه وسلوكه والتزاماته، كانت هناك حاضنته (آسية)، التي لا نعرف كيف اهتدت إلى الإيمان، هل على يدي موسى 7 نفسه، أم عن طريق آخر؟ لكن أغلب الظنّ أنّها عرفت في الوليد الاستثنائي ولادةً جديدةً لها، وكان هناك (مؤمن آل فرعون) الذي يكتم إيمانه ويتستّر على علاقته بالله تعالى ويعتمد التقيّة في تعاملاته داخل القصر الفرعونيّ (كيف اهتدى هو الآخر، لعلّ معاجز موسى 7 وملاحظاته لوضعه الاستثنائي، جعلته يُحكِّم عقله ليرى أنّ الطفل (موسى) ليس طفلاً عادياً، وقد يكون عقله، رسوله الباطنيّ، هداه إلى توحيد الله.. ما يهمّنا أنّ اثنين من سكّان القصر الفرعونيّ كانا بمثابة الحرّاس الشخصيين لموسى 7).

 

القوّة المسخَّرة لله تعالى:

قال تعالى عن لسان موسى 7: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ (القصص/ 17).

نشأ موسى 7 قويّاً في بُنيته، يُشير إلى ذلك استعانة إسرائيلي من جماعته به ضدّ قبطيّ خاصمه، حيث دفع موسى 7 القبطيَّ دفعةً ألقته على الأرض ميتاً، ولم يكن يقصد قتله؛ لكنّ أجله كان في تلك (الوكزة). غير أنّ موسى 7 الناشئ على عين الله لم يرتح لما حلّ بالقبطيّ جرّاء وكزته، واعتبر ذلك عملاً عدوانياً شيطانياً لا ينبغي لمثله القيام به. ولذلك حينما تكرَّر الأمر ثانية، قال مُتعهِّداً أمام الله تعالى أن لا يُسخِّر قوّته البدنية إلّا في ما يُرضي الله تعالى وينفع الناس. ولاحظنا قوّته أيضاً عندما اخترق جموع الرُّعاة ليسقي لبنات شُعيب 7 موفياً بعهده الذي عاهد الله عليه، كما لمسنا ذلك في استعداده لرعي أغنام شُعيب 7 لمدّة عشر سنوات.

والدرس المُستقى من توظيف القوّة والفتوّة في أعمال الخير أنّ نِعَم الله على الإنسان هي (امتحانات) ليرى سبحانه كيف يصنع بها مالكُها أو (مُملَّكُها) على اعتبار أنّ المالك الحقيقي هو الله عزّوجلّ نفسه، فإذا وُظِّفت في الأعمال الصالحة ونفع الناس، فذلك هو شُكرها والسبب في ازديادها ونمائها وانتشار بركتها، وإذا سُخِّرت في الشرّ وإيذاء الناس، فذلك هو نُكرانها والسبب في محقها.

 

رحلتا طلب العلم:

ارتحل موسى 7 رحلتين مهمّتين لطلب العلم، هما: (رحلته إلى مَديَن) و(رحلته إلى مجمع البحرين)، فماذا حصل من نتائج ثقافية وتربوية على صعيد الرحلتين؟

لم تكن الرحلة الأُولى مقصودةً بذاتها لطلب العلم على يدي نبيّ من أنبياء الله وهو شُعيب 7؛ ولكن ساقته يد العناية الإلهية إليها، فلمّا دُعي من قبل إحدى بنات شُعيب 7 أن يأتي أباها ليكافأه على سقايته لأغنامه، دخل لأوّل مرّة إلى بيت النبوّة ليشعر بالاطمئنان، قال له شُعيب 7: ﴿لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص/ 25)، أي إنّك لم تعد بعد اليوم خائفاً تَترقَّب، وإنّما أنت في كنف نبيّ هو سيِّدُ مَديَن وأنت أحد أبنائه ورعاياه وتلاميذه. ثمّ أردفه بتزويجه إحدى بناته ليُصاهر الأُسرة النبويّة وليأتي أحفاد شُعيب النبيّ من موسى النبيّ، إلّا أنّ مهر ابنته الذي كان خدمة عشر سنوات في رعي أغنام شُعيب 7، لم يكن مهمّة (رعويّة) فقط، بل كان - كما لا يُشك لحظة - مهمّة (دعويّة) أيضاً، فأن ينشأ فتى صالح مثل موسى في بيت نبيّ يدعو قومه إلى عدم التطفيف والتخسير في الموازين والحقوق، وأن يُلازمه في بيته يومياً، ذلك يعني أنّ موسى 7 حين خرج من مصر دعا الله تعالى قائلاً: ﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ (القصص/ 22)، دخل مدرسة النبوّة ليتلقّى دروسها الأُولى على يدي العبد الصالح والنبيّ العادل شُعيب 7، بما يعنيه ذلك من محاورات وأسئلة ومواعظ وإرشادات وتهيئة لمرحلة أكبر. ولا تخفى لغة الخطاب المُهذَّبة والحانية التي كان يُخاطب فيها شُعيب صهره موسى: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ (القصص/ 27)، فأنت في الخيار: تقبل أو ترفض، وفي كلا الحالين سأتولّى حفظك ورعايتك وتعليمك، وأكّد له ذلك بقوله: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (القصص/ 27)، مُعلِّماً إيّاه درساً في التواضع الجمّ، فلم يقل له ستجدني صالحاً وكفى، بل استثنى بقوله: ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ ليُعلِّمه لا كيفية الوفاء بالعهد فقط، وإنّما بنسبته كلّ صلاح إلى الله وليّ الصالحين، وردّ كلّ نِعمة إليه لأنّه ذوالفضل العظيم.

في بيت شُعيب 7 حظي موسى: بالاستقرار النفسي (بزواجه من ابنة شعيب)، والاستقرار الأمني (بالسكنى في بيت النبوّة)، والاستقرار الاقتصادي بما يكسبه من عمل يده ورعايته للأغنام، والأهم من ذلك الاستقرار الروحي بما كان يتزوَّده من مُعلِّمه الأوّل شُعيب 7 المعروف بحبّه الشديد لله تعالى.

الرحلة الثانية، كانت بعد النبوّة، وبعد أن تَصوَّر موسى 7 أنّ ليس في بني إسرائيل مَن هو أعلم منه كونه نبيَّ الله المُرسل، فأوحى الله تعالى إليه أنّ هناك عبداً صالحاً في مجمع البحرين أكثر علماً منه. فاشتاق موسى 7 إلى لُقياه ليتزوَّد من علمه الذي لم يصله أو لم يحصل عليه، وفي ذلك درس في التواضع للعلم والعلماء، وأن لا يتعالى حتى النبيّ على الاستزادة من العلم والتعلُّم على يدي مَن هو أكثر علماً منه.

قطع موسى 7 مسافة شاسعة حتى وصل إلى مجمع البحرين، حيث التقى العبد الصالح (الخضر) مُعلِّمه الثاني هناك، وإذا بنا نراه يخلع رداء النبوّة ويرتدي رداء التلمذة، فيُخاطب أُستاذه العالم الذي أتاه الله رحمةً من عنده وعَلَّمه من لدنه علماً: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ (الكهف/ 66). إنّه يطلب مُصاحبته ليتلقّى على يديه علماً لا يملك منه شيئاً، وهذا يعني أنّ فوق كلّ ذي علم عليم، وإنّ طلب العلم ليس له حدٌّ معيّن، فحتى النبوّة يُمكن أن تطلب العلم وتستزيد منه، وعَرضُ موسى 7 على الخضر 7 يتضمّن تأدُّب التلميذ بين يدي الأُستاذ، وليس عرض نِدّية أو مساواة أو اقتران.. وحينما أطلعه أنّ مهمّة التعليم شاقّة وتتطلَّب صبراً فوق العادة، لم يرفض موسى 7 المهمّة، ولم يقل لأُستاذه كيف تُطالبني بشرط كهذا وأنا نبيّ الله المعروف بصبري لا أسأل ما إذا كنت أتحمّل الصبر أم لا؟! بل قال بلهجة مُهذَّبة غاية في التهذيب: ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ (الكهف/ 69).

لاحظ كيف يستثني بـ(إنْ شاءَ اللهُ) مثلما تَعلَّم ذلك من أُستاذه الأوّل شُعيب 7 الذي قال له: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (القصص/ 27).

وسار موسى 7 يتبع أُستاذه الخضر 7 ليتلقّى على يديه دروسه، وكانت ثلاثة دروس لم يستطع موسى 7 أن يفي بتعهُّداته لأُستاذه بالصبر فيها أو عليها، لأنّه كان يرى أشياءً أو أُموراً خارقة للعادة ولم يستطع السكوت عليها كمؤمن يستنكر المنكر ويستحسن المعروف: فكيف يسكت على ثقب سفينة لمساكين؟ وكيف يسكت على قتل غلام يبدو له بريئاً؟ وكيف يسكت على بقاء جدار يريدُ أن ينقضّ (يسقط) لأُناس بخلاء أبوا أن يضيفوهما؟ لكنّ السرّ التعليمي يكمن في إشكالات موسى 7، حيث فَسَّر له أُستاذه، وهما على أهبة الافتراق في نهاية الرحلة، إنّ مواقفه مُبرَّرة ومشروعة بحسب إعلام الله له، فهو لم يعمل ذلك اجتهاداً وإنّما هي تعليمات إلهيّة يُنفِّذها فيراها الناظر إلى السطح على أنّها مُخالفات شرعية؛ ولكنّ عالم السرّ والخفايا الله سبحانه وتعالى يتعامل مع (البواطن) لا مع (الظواهر)، وكان الخضر 7 مُنفِّذاً لمهام ربّانية لا عالماً بإرادة شخصية.. ولمّا كان موسى 7 قد تَلمَّذ على يديه، فكان المفروض أن لا يعترض عليه، لأنّه آمن أنّه أعلم منه وهو أدرى بما يقوم به، وهذا درس كبير في أنّ الإنسان ذا العقلية المحدودة لا يحقُّ له الاعتراض على أحكام الله العقل اللّامتناهي حتى ولو لم يدرك السرّ وراء التكليف أو الحكم.

في الخبر عن النبيّ محمّد 6: «رَحِمَ الله أخي موسى استحيا فقال ذلك، لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب»[2]، وورد عن الإمام محمّد الباقر 7: «لو صبرَ موسى لأراهُ العالم سبعينَ أُعجوبةً»[3]؛ ولكنّه قال: ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾ (الكهف/ 76)، ورُوِي أنّ موسى 7 لم يندم في حياته على شيء كما ندم على عدم استكماله رحلة التعليم تلك وما فاته فيها من فوائد وعلوم ربّانية جمّة لا يجدها على يد مُعلِّم آخر غير الخضر 7.

 

النبوّة وأعباء الدعوة:

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأنبياء/ 48).

خرج موسى 7 من بيت شُعيب 7 بعد أن خدمه عشر سنين بالتمام والكمال، وحَملَ معه أهله مُتَّجهاً إلى سيناء عائداً منها إلى بلاده مصر. وفي أثناء الطريق، وكان الوقت شتاءً والجوّ بارداً شديد البرودة، رأى موسى 7 على البُعد ناراً، فطلب إلى أهله أن ينتظروه ريثما يعود إليهم بشعلة من تلك النار يوقد لهم بها ما يستدفئون به، ويرى ما خَلْفَها من أسرار، هل هي منطقة سكنيّة آمنة يُمكن أن يستريح فيها لبعض الوقت؟ هل هي منطقة مأهولة لأنّ النار علامة من علامات الوجود البشريّ؟ فلمّا وصل إلى جبل الطور وكان على الجانب الأيمن منه جاءه خطاب الله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (القصص/ 30).. فكان أوّلَ الخطاب التعريفُ بالمُخاطِب لتطمئن نفس موسى 7 أنّه لم يتوهَّم أو يتخيَّل، ثمّ جاء التأكيد على أنّ الخطاب صادرٌ من ذات الجلالة نفسه بأمره سبحانه: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ (القصص/ 31)، وكانت عصا الرعي مع موسى 7 يحملها أينما سار، فرماها من يده: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ (القصص/ 31)، وجاء النداء ثالثةً مليئاً بلهجة الطمأنة أنّه في حضرة الله الذي لا يُخاف في حضرته من شيءٍ دنيوي مُخيف: ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ﴾ (القصص/ 31).. ثلاث مفاجآت سارّة: التعرُّف على الله بسماع ندائه، وبالاستجابة لأمره، وبالشعور بالاطمئنان والسكينة في حضرته.

لاحظ، أنّ موسى 7 خرج يطلب لأهله ناراً، فإذا به يجدُ في الموضع الذي تخيَّلَه ناراً نور النبوّة في انتظاره، ومن هذه الحادثة يستقي الإمام جعفر بن محمّد الصادق 7 درساً اجتماعياً وحياتياً وحركياً مهمّاً، فيقول: «كُنْ لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنّ موسى 7ذهب يقتبس ناراً فانصرف إليهم وهو نبيّ مرسل»[4]، وفي ذلك درسان مهمّان:

الأوّل: إنّ في الحركة بركة، وإنّ السكون جمود وضياع أو تضييع للفرص الثمينة، فكما إنّ حركة موسى 7 وانتقاله جلبت له النبوّة، فإنّ تحرُّكات الإنسان وسياحته وتنقُّلاته يُمكن أن تجلب له منافع لا تخطر له على بال.

الثاني: لا يضيق بالإنسان أُفُقه ولا ينحدر سقفه، فليطمع بالأفضل والأحسن ولا يكتفي بالدون والأقلّ، وليقل: ﴿عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ (الكهف/ 24).

ويكشف الإمام الصادق 7 عن السرّ في اختيار الله تعالى لموسى 7 نبيّاً (والله أعلم حيث يجعل رسالته)، فيقول: «أوحى الله إلى موسى بن عمران 7: أتدري يا موسى لِمَ انتجبتك من خَلقي واصطفيتك لكلامي؟  فقال: لا يا ربّ. فأوحى الله إليه: إنّي اطّلعت على الأرض فلم أجد عليها أشدَّ تواضعاً لي منك»[5].. فبالتواضع نال موسى 7 درجة النبوّة، إضافة إلى ما خلع الله تعالى عليه من صفات في القرآن استحقّ بها مقام النبوّة، وهي: الإخلاص والصلاح والإحسان والوجاهة والهداية والإنعام.

طلب تعالى من موسى 7 بعد أن قَلَّده وسام النبوّة أن يُباشر أعماله في الدعوة إليه، وأن يتّجه إلى فرعون (طاغية مصر) ويدعوه لعبادة الله الواحد الأحد، فامتثل موسى 7؛ لكنّه وجد أنّ المهمّة ثقيلة ولو شاطره حملها أخوه هارون لهان حملها، فطلب - بتواضعه المعروف - من الله تعالى أن يُنجده ويعضده بأخيه الإنسان الصالح (هارون)، فتأمَّل في أسلوب عرضه لطلبه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ (القصص/ 33)، وهذا عذرٌ مقبول لا لأنّه يخاف على نفسه من القتل، بل خوفه على الرسالة من أن لا تصل، وهنا لا يُقدِّم موسى 7 اعتذاراً لله، بل يُقدِّم اقتراحاً بأن يسأله تعالى أن يرفد دعوته بإنسان آخر يُقوِّي موقفه، فيقول: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ (القصص/ 34).

وموسى 7 إذ يعرض اقتراحه - بكلّ تواضع – يُبيِّن الأسباب الداعية له، فهارون 7 أكثر فصاحةً منه (وهذا من تواضع موسى 7 أيضاً)، وهو بمشاركته في الدفاع عنه ونصرته وتصديقه يُمثِّل حزام أمان في انطلاقه لرأس الطغيان وتبليغه رسالة الرحمان. يقول 7: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا﴾ (طه/ 25-33). واستجاب الله تعالى لطلب موسى 7: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ (القصص/ 35)، الأمر الذي يعني أنّ المهمّات الصعبة تحتاج أحياناً إلى (فريق عمل) لا إلى (عامل واحد).

اتَّجه موسى 7 وأخوه هارون لدعوة فرعون إلى توحيد الله، وترك بني إسرائيل يعبدونه لا يعبدون غيره. وهاهو الإمام عليّ 7 يصف لنا حالهما عند الدخول عليه، كما ورد في الخطبة القاصعة من (نهج البلاغة): «إنّ الله سبحانه يختبرُ عبادَهُ المستکبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعْيُنهم، ولقد دخلَ موسى بن عمران ومعه أخوه هارون 8على فرعون عليهما مدارع الصوف، و بأيديهما العصي، فشرطا له إنْ أسلم بقاء مُلکه ودوام عزّه، فقال: ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ وبقاءَ المُلك، وهما بما ترون من حال الفقر والذل، فهلّا ألقي عليهما أساورة (جمع سوار) من ذهب، إعظاماً للذهب وجمعه، واحتقاراً للصوف ولبسه، و لو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم کنوز الذهبان (جمع ذهب)، ومعادن العقيان (الذهب الخالص بلا شوائب)، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طير السماء ووحوش الأرض لفعل، ولو فعل لسقط البلاء (الامتحان)، وبطل الجزاء، واضمحلّ الإنباء (سقط الوعد والوعيد)، ولما وجب للقابلين أُجور المُبتلين، ولا استحقّ المؤمنون ثواب المحسنين».

فكيف تعامل الفرعون الأكبر مع دعوة موسى 7 وهارون 7؟

تعامل فرعون مع دعوة موسى 7 بست طُرُق:

1- التكذيب.

2- التأنيب.

3- الترغيب.

4- الترهيب.

5- التأليب.

6- التحدّي بمباراة السِّحر: (التجريب).

7- المطاردة الأخيرة: (التحريب).

كَذَّب فرعون دعوة موسى 7 وإنّه نبيٌّ مُرسلٌ من قِبَل الله تعالى بأكثر من طريقة، فمرّة يَلتَفت إلى حاشيته مُستخفّاً بإله موسى 7: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ (القصص/ 38)، ومرّة يسأل موسى 7: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى﴾ (طه/ 51)، وتارة يعتبر ما جاء به موسى 7 السِّحر: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ﴾ (القصص/ 36)، وتارة أخرى يسخر من معجزات موسى 7: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ (الزخرف/ 47).

ولجأ إلى أسلوب التقريع والتأنيب مُذكَّراً موسى 7 بأنّه قد رُبّي في قصره فكيف ينسى فضله عليه: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ (الشُّعراء/ 18)، ثمّ يستهين بموسى 7 مقارناً بينه وبينه: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ (الزخرف/ 52)، فهو يحتقر ويستصغر موسى 7 حتى لا يكاد يراه لصغره في نظره.

ولمّا لم يجدِ لا التكذيب ولا التأنيب لجأ إلى أسلوب الترغيب، فقال: ﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ (الزخرف/ 53)، ظنّاً منه أنّ موسى 7 وهارون 7 فقيران وسوف يتركان دعوتهما إذا أغدق عليهما بالمال والذهب والهدايا،  وما درى أنّ الأنبياء - كما قال الإمام عليّ 7 - لو أرادوا امتلاك الدنيا لامتلكوها؛ ولكنّهم دُعاة إلى الله وليسوا مُلوكاً يتباهون بسعة المال والثروة.

ولم ينفع الترغيب أيضاً، فاستعمل معه لغة التهديد والوعيد والترهيب: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ (غافر/ 26). وفي طوايا هذه اللهجة التصعيدية نُلاحظه يؤلِّب أنصاره وحاشيته وعُلِّيَّة قومه بأنّ غاية موسى 7 هو أن يُبدِّل دينهم، ويُسفِّه أحلامهم، ويُفسد رخاء وازدهار البلاد.

قال تعالى في تأليب بعضهم البعض الآخر ضدّ موسى وأخيه هارون 8: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى * قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ (طه/ 62-63)، وهذا من ألئم الأساليب التحريضية وأخسَّها، لأنّه يدفع الناس باتّجاه الدفاع عن مصالحهم المُهدَّدة من قِبَل مُدَّعٍ يدَّعي النبوّة ويُريد أن يُخرج الناس ممّا هم فيه من نعيم إلى الجحيم، وبذلك يجعل الطاغية الناس (الذين يخشون على مصالحهم ودنياهم) يصطَفَّون إلى جانبه في محاربة عدوّه وعدوّهم المشترك.

ولم يأتِ هذا الأسلوب أيضاً بالنتائج المرجوّة، فجاء الاقتراح بأن يُنازَل موسى 7 في حلبة صراع سِحريّة، أو مباراة سِحر من الدرجة الأُولى، على اعتبار أنّ ما جاء به 7 هو السِّحر ولا يبطله أو لا يتغلَّب عليه ويهزمه إلّا السِّحر، فكان لابدّ من حشد كلّ السَّحَرة المَهَرة لمُنازلة موسى 7 وإبطال إحدوثته بين الناس وأمامهم في مشهد الهزيمة المُنكرة التي تَوقَّعها فرعون وأصحابه وسَحَرته أنّها ستكون لصالحهم ضدّ موسى 7.

قال تعالى عن لسان فرعون: ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى﴾ (طه/ 57-60).

وجاء يوم الزينة يوم العيد، اليوم الموعود والمشهود لهزيمة فرعون والجنود أمام موسى 7 وعصاه التي ستكسر الطغيان: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ (طه/ 65-69).

قبل الاسترسال في القصّة ومعرفة نتيجة المباراة، لابدّ من وقفة عند (عصا موسى) هذه العصا التي رافقته في ترحاله (عصا الترحال) منذ أن كان راعياً في غنم شُعيب 7، وإلى أن غادره مُتَّجهاً إلى سيناء حيث اتكأ عليها في سيره نحو (جبل الطور)، وعندما خاطبه الله تعالى بالنبوّة وسأله عن عصاه: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ (طه/ 17)، والله تعالى أعلم بما في يد موسى 7؛ لكنّه سؤال يسبق المعجزة التي ستحوّل العصا العادية إلى ثعبان للدلالة على أنّها مجرّد عصا ولم تكن (كعصي السَّحَرة مطلية بالزئبق أو أيّة حيلة بصرية). وحتى في إجابة موسى 7 التفصيلية عن استخدمات العصا: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ (طه/ 18)، فهي عصا للتوكُّؤ، والتعكُّز، ولإسقاط أوراق الأشجار على الأغنام لتأكل منها، وربّما اُستخدمت في أغراض ومنافع دنيوية أخرى، وإلّا أنّ موسى 7 لم يذكر أنّه يستعملُ عصاه للسِّحر (كما هي العادة الشائعة في مصر يومذاك)، وحتى بعد تحوّلها إلى حَيّة حقيقية تسعى بقيت هي عصا موسى نفسها بدليل: ﴿قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى﴾ (طه/ 21).

إنّ تحوّل العصا أو أيّة مادّة أو شيء آخر بإذن الله من مادّته الأوّلية إلى شيء مُخالف أو مُغاير ليس أمراً عَصِيّاً على إرادة الله تعالى القادرة على كلّ شيء، فكما أحال نار النمرود على إبراهيم 7 برداً وسلاماً، هو قادر على تحويل العصا المُستخدَمة في الأغراض السلميّة (التوكُّؤ) أو (الهشّ) إلى سلاح هجومي كاسح مُدمِّر، ببساطة شديدة لأنّ (الحَيّة التي تسعى) أي الثعبان، هي مخلوق الله، كما أنّ العصا الجامدة هي مخلوق الله، وتحويل مخلوق إلهي إلى مخلوق إلهي آخر مُختلف تماماً مُعجزٌ بالنسبة للإنسان غير القادر على ذلك إطلاقاً.. أمّا بالنسبة لله فهو هيّن، يكفي أن يقول للعصا مَخلوقهُ الجامد كوني حَيّة تسعين، حتى تكون حَيّة تسعى، ثمّ يقول للحَيّة التي تسعى ارجعي كما كنتِ عصا جامدة، فترجع عصا.

كانت تلك التجربة الأُولى لتحوّل العصا إلى ثعبان، وكانت الثانية في محضر فرعون لإثبات نبوّة موسى 7 عندما زاره للمرّة الأُولى بعد النبوّة، وأمّا الثالثة فكانت القاضية فإذا بالعصا المتحوِّلة إلى ثعبان تبتلع كلّ حِبال وعِصِيّ السَّحَرة في طُرفة عين، ولمّا كان السَّحَرة - أهل الحرفة والصنعة - أدرى بألاعيب السِّحر وأباطيله، فإنّهم أدركوا أنّهم ليسوا في مباراة سِحر ولا مُنازلة سَحَرة، وإنّما هم في مسرح اختبار للإيمان وعدم الإيمان، فما كان منهم إلّا أن يرفعوا لا راية الاستسلام البيضاء، وإنّما راية التسليم المطلق لله تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ (طه/ 70)، وهنا شعر فرعون بهزيمتين وطعنتين نجلاوين: هزيمة سَحَرته أمام موسى 7، وهزيمة اعترافهم بنبوّة موسى 7 من خلال إيمانهم بالذي أرسله رسولاً، والثانيةُ أشدّ وأنكى. ولذلك قال بانفعال شديد وغضب هائج: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ (طه/ 71)، ولا سِحرَ في عصا موسى وليس موسى بساحر؛ لكنّها لهجة الطواغيت المُنهزمين المُنكسرين الذين يُعلِّقون هزائمهم على شماعة (السِّحر) و(الجنون): ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ (الشُّعراء/ 27)، وما أشبه ذلك. ويردف اتّهامه المُتهافت بأن يستخدم آخر سهم في كِنانته: ﴿فَلأَقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأَصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ (طه/ 71).

ولو لم يردّ السَّحَرةُ على فرعون لكانت طلقته أو صرخته المدوية أرعبت الناس المأخوذين بالمشهد؛ ولكنّ زخم تلك الصرخة امتصّ بلحظات عندما أجابه السَّحَرة: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (طه/ 72-73).

ولو أنّ السَّحَرة اُقتيدوا لساحة الإعدام من غير تلك الكلمات، لكان نصر موسى 7 أخفت بريقاً وأقلّ دويّاً؛ ولكنّ كلمات السَّحَرة في حضور الحشد الجماهيري الواسع مَزَّقت الحُجُب عن العقول التي ضرب فرعون عليها وحولها حُجُباً كثيفة، وكسرت حاجز الخوف الذي كان بنو إسرائيل مُطوَّقين به، فهاهم لا يشهدون هزيمة فرعون من خلال هزيمة سَحَرته فقط، بل يشهدون انتصار الحقِّ على الباطل، والفئة القليلة على الفئة الكثيرة، والإعلان جَهاراً نهاراً أنّ ما فعله موسى 7 ليس سِحراً - كما هي أسحارهم -، وإنّما هو معجزة ربّانية لا يقدر عاقلٌ على نُكرانها، أو اتّهامها، أو التقليل من شأنها، أو تسخيفها.. هاهي عصا موسى 7 التي دخل أوّل مرّة بها على الطغيان فسَخَرَ منه ومنها، تُمرِّغُ أنف الطغيان بالتراب، بل وتكسر ظهره كسراً، إنّها بلغة الرياضة الضربة القاضية.. وإذا كان ابتلاع البحر لفرعون وجنوده في وقت لاحق قد أنهى عهد الفرعونية وأسقطه إلى الأبد، فإنّ ابتلاع عصا موسى 7 المتحوِّلة إلى ثعبان لسِحر السَّحَرة كان هو القشَّة التي قَصَمت ظهر البعير، والمسمار الأخير في نعش فرعون والفرعونية.

لم يبقَ أمام فرعون بعد الهزيمة النكراء العلنية المدويّة، إلّا أن يركب مع جنوده الحرب ومطاردة موسى 7 وأصحابه للانقضاض عليهم في معركة ساحقة ماحقة، فخرج بقضّه وقضيضه مُلاحقاً موسى 7 ومُطارداً أتباعه، حتى انتهيا إلى البحر، فإذا به ينشقّ ليفرش بساطاً يابساً ليمرّ عليه موسى 7 ومَن آمن به بسلام، فيغري ذلك فرعون وجنوده فيندفعون خَلفهم، وإذا بشقّي البحر يلتحمان ويُغرِقان الطغيان وأعوان الطغيان في نفس اللحظة والآن: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾؟!

 

العقول الضيِّقة:

قال تعالى بعد نجاة بني إسرائيل من فرعون وإغراقه: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ (الأعراف/ 138).

كُنّا نتوقّع من بني إسرائيل بعد أن رأوا انتصار موسى 7 على سَحَرة فرعون انتصاراً باهراً ساحقاً حَطَّم عنفوان الطغيان الفرعوني، وبعد عبورهم البحر بسلام حيث انشقَّ بطريقة إعجازية ليمرّوا من خلاله عبر طريق يابسة إلى الضفة الأخرى، وإذا بنفس البحر يطبق فكّيه على فرعون وجنوده ليبتلعهم، كُنّا نتوّقع بعد كلّ هذه الدلائل والبراهين والمعجزات أن لا يبقى على قلب إسرائيلي حجاب، ولا على عينه غشاوة، بعد أن رأى بأُمّ عينه، وشاهد قلبه آثار قدرة الله وعظمته، أمّا أنّهم يطالبون نبيّهم - ومازالوا حديثي عهد بذلك كلّه - أن يتخذ لهم أصناماً يعبدونها كما لعبدة العجول والأبقار، حتى مع فرض أنّ اقتراحهم جاء على نحو إنّ تلك الأصنام تُقرِّبهم من الله زُلفى، فهل كان ذلك الموقف من بني إسرائيل مقبولاً؟! وكيف يميلُ العاقل إلى الأصنام الحجرية وقد تَحرَّر قبل قليل من الأصنام البشرية؟! وكيف يرتضي المؤمن بالله لنفسه اتّخاذ آلهة هابطة منخفضة، وفوقه ربّ عظيم وإله قدير، مالك كلّ شيء، وله الأمر كلّه، ولا مُؤثِّر في الوجود سواه؟!

قال الإمام عليّ 7 لبعض اليهود حين قال له: «ما دَفَنْتُم نَبِيَّكُم حتى اختَلَفتم فيه، فقال له: إِنَّمَا اختَلَفنا عنه لا فيه، ولكنَّكُم ما جَفَّتْ أَرجُلُكُم من البحرِ حتى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ: اجعلْ لنا إلهاً كما لهم آلهةٌ، قَالَ: إِنَّكُم قَومٌ تَجهَلُونَ»[6].

إنّ بني إسرائيل - بعد اجتيازهم البحر - مرّوا على قوم يعبدون أصناماً لهم على هيئة بقر، فسألوا موسى 7 أن يجعل لهم إلهاً كواحد منها بعد مشاهدتهم الآيات والأعلام وخلاصهم من رقّ العبودية، وعبورهم البحر، ومشاهدة غرق فرعون، وهذه غاية الجهل وأحَطّ مراتبه، لأنّك تعرف الحقّ وترى آثاره الجليلة، ودلائله العميقة، ثمّ تنحرف وتَميل إلى تقليد أُناس جهلة لم يعيشوا تجربة الإيمان التي عشتها، ولم يذوقوا حلاوة النجاة كما ذقتها، ولم يتحرَّروا من عبودية الأصنام كما تحرَّرت من أبشعها وأخطرها على الإطلاق.. كنّا نتوقّع أن يهبّ بنو إسرائيل ليمارسوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليوعّوا ويرشدوا أولئك الجَهلة أو الجُهلاء الذين يعبدون الحيوان دون الله، ويُعلِّمونهم كيف أنّهم نجوا من فرعون بفضل الله وقدرته ومعجزات نبيّه، وأنّهم مُوحِّدون يُريدون الخير لمن لم يعش نِعمة التوحيد بعد، فينهوهم عن عبادة الأصنام ويدعوهم لعبادة الله تعالى، وإذا بنا نرى العكس.

لماذا لم يُوظِّف بنو إسرائيل تجربتهم الحيّة والعميقة والغنيّة في تبصير العميان وإنارة الطريق لهم؟ لماذا آثروا أن يخلعوا (البصر) و(البصيرة) ليكونوا عُميَ العيون، فكأنّما لم يروا ما فعلته عصا موسى 7 بعِصي وحِبال السَّحَرة، ولا انشقاق البحرِ طريقاً يبساً ليعبروا بسلام، وعمي القلوب يؤثرون آلهة مُزيَّفة ومُصطنعة ومخلوقة لله ليعكفوا على عبادتها من دون الله؟ وإذا لم يُوظِّف المجتمع تجربته التوحيدية في هذا المكان ففي أي مكان يُمكن له أن يُوظِّفها؟ أسئلةٌ برسم عقول بني إسرائيل التي لم تُحرَّك ولم تُشغَّل ولم تُفعَّل ساعةَ ابصروا جماعةً يعبدون بقراً؟ إنّهم حسّيون مادّيون يُريدون إلهاً يُلمَس ويُرى ويُكلَّم، ولذلك قالوا لموسى 7: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ (البقرة/ 55).

في أثناء هذه الفوضى العقيدية، اختزن شخصٌ نَهّازٌ للفرص ومتلاعبٌ بالعقول هذه اللقطة المفصلية في إيمان بني إسرائيل، وكان اسمه (السامريّ)، وأسرّها في نفسه، وقد سمع جواب موسى 7 لقومه الطالبين أن يكون لهم إلهاً كما للجُهلاء آلهة أنّهم قومٌ يجلهون معنى ما يطلبون، ويجهلون قيمة الإله الذي يعبدون، ويجهلون قيمة ما هؤلاء المشركون يعبدون، ويجهلون قيمة العلم والتجربة والحقائق المذهلة التي حازوا عليها قبل الانتقال إلى الضفة الثانية من البحر.

وما أن ذهب موسى 7 إلى لقاء الله تعالى لاستلام التوراة (الألواح)، حتى اندفعت الفكرةُ المخزونة المجنونة في ذهن السامريّ ليُنفِّذ لبني إسرائيل مطلبهم، فطلب إليهم أن يجمعوا ما لديهم من حليّ وذهب ومصوغات، وما ورثوه عن آل فرعون ليصنع لهم إلهاً عجلاً كما لأولئك الجماعة الضالّة آلهة.. فَرحَّبوا بالفكرة وتطايروا لها فرحاً، وهرعوا لسكب كلّ ما لديهم من ذهب وحليّ بين يدي الصائغ المتحايل والمتلاعب بعقولهم (السامريّ)، الذي يبدو أنّه محترفٌ في صناعة وصياغة التماثيل المعدنية أو الذهبية. (لاحظ أنّ اهتمام واشتغال اليهود بمهنة أو حرفة الصياغة وصياغة الذهب تحديداً قديمة ولها أُصول وجذور تأريخية عريقة).

لماذا فعل السامريّ فعلته النكراء مستغلاً غياب النبيّ موسى 7 على الرغم من وجود خليفته هارون 7؟

المرجّح أنّ السامريّ من الصنف الذي تُراوده أحلام الزعامة ولفت الأنظار واستقطاب الأضواء، فكأنّه أراد أن يحتل موقع موسى 7 بين بني إسرائيل، بل حاول أن يسرق الأضواء منه - كما في المصطلح المعاصر - من أجل أن يُحقِّق لبني إسرائيل أُمنية راودتهم وفشلوا في تحقيقها عند عرضها على نبيّهم، وكأنّه أراد أن يقول لبني إسرائيل: ما لم يقدر عليه موسى 7 أنا قادرٌ عليه، متجاوباً مع استعدادهم النفسي وأرضيتهم الفكرية الضحلة في اتّخاذ آلهة تُقرِّبهم إلى الله، كما فعل أهل الجاهلية في الجزيرة العربية بعد ذلك.

ومن هنا تأتي خطورة المصطادين في الماء العكر الذين يستغلّون ضعف وعي الأُمّة لإصابتها في مكامن قوّتها وقدرتها، وهذا هو الذي يُفسِّر سبب الانفعال الشديد الذي جعل موسى 7 يأخذ برأس أخيه ولحيته ويُعاقبه ويُحاسبه على ما جرى في غيابه.

ومن خلال جواب (هارون) نفهم أو نتبيّن أنّ ثمة تواطئاً بين (السامريّ) والراغبين باتّخاذ إلهاً بقريّاً يعبدونه من دون الله، جعل هارون في موقع الضعيف أو المُستضعَف الذي هُدِّد بالقتل إن هو رفض صناعة العجل، على الرغم من تحذيراته الشديدة والمتكررة من أنّ هذا ينافي تماماً عقيدة التوحيد التي جاء بها موسى 7، وعليها انعقدت قلوبهم وضمائرهم، وبسببها أنجاهم الله من القوم الظالمين.

 

موقف القائد المُصلح من الانحراف:

قال تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (الأعراف/ 151).

الأنبياء : جميعاً مُصلحون، مثلما هم مُغيِّرون، والإصلاح في حياتهم مرحلة لاحقة لمرحلة التغيير، فبعد أن يُغيِّروا وجهة تفكير الناس واعتقادهم من الشِّرك إلى التوحيد، ويحدث تبعاً لذلك الانقلاب الثوري الشامل في المفاهيم والأحكام والعلاقات، يُواصل الأنبياء والرُّسُل مُهمّاتهم الإصلاحية في تصحيح أي انحراف يُمكن أن يطرأ على المسيرة التوحيدية الناصعة.

موسى 7 عالج العديد من حالات الانحراف في الأُمّة الإسرائيلية، وكان أوّلها وأكبرها طلبهم اتّخاذ بقرة أو عجل يعبدونه تشبُّهاً بقوم مغرقين في جاهليتهم. (التقليد الأعمى أو التشبُّه المريض هو عُقدة الشعوب الضعيفة التي لا تختط لها منهجاً في الحياة، وإنّما ترى غيرها سائراً على طريق فتتبعه حتى لو أفضى بها ذلك إلى دمارها وتحطيمها وانحرافها عن مبادئها).

فماذا عَمِل موسى 7 كمُصلح في مشكلة عبادة العجل؟

أوّلاً: اتّجه إلى أخيه (هارون) وخليفته في قومه الذي أوصاه أن يكون الرقيب عليهم في غيابه، ولا يسمح بأي فساد يدبّ في صفوفهم، قال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (الأعراف/ 142)، وخاطبه بلهجة عاتبة غاضبة لأنّه المسؤول الأوّل في غيابه عن أي شيء يطرأ للأُمّة التي يقودها 7 إلى ساحات التوحيد. ولمّا تبيَّن له أنّ أخاه لم يَدَّخِر وسعاً في ردّ وردع قومه عن ضلالهم وانحرافهم، وأنّه لم يُقصِّر في نهيهم عن المنكر وخشي من وقوع التفرقة بين بني إسرائيل، لم يساوِ بينه وبينهم في الظلم: ﴿وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (الأعراف/ 150)، بل دعا ربّه أن يُدخله وأخاه في رحمته.

ثانياً: اتّجه إلى قومه الذين سارعوا لتصديق ألعوبة وأكذوبة السامريّ، ليؤنِّبهم على هذا التداعي المسفّ والتردّي المؤسف في انقلابهم من مُوحِّدين إلى مُشركين، قال تعالى عن لسانه 7: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ (طه/ 86)، كيف يُسوِّغ لكم أن تخفّوا وراء مَن يستخفّ بعقولكم؟! هل كان بين نجاتكم من ظلم فرعون وإنقاذكم من الغرق وبين ما حصل مسافة زمنية طويلة حتى يُمكن للمرء أن يعذركم لأنّكم نسيتم ولم تعودوا تتذكّرون نِعمة الله عليكم في النجاة ممّن كان يقتلُ أبناءكم ويستحي نساءكم ويستضعفكم ويجعلكم شِيعاً وأحزاباً متفرّقين ممزّقين؟! أم أنّكم تُريدون أن ينزل غضب الله عليكم كما نزل على الأُمم العاصية والمكذِّبة والمشركة؟! وهي أسئلة تقريعية تتضمّن تأنيباً وجدانياً عنيفاً يهزّ الضمائر المخدَّرة لينفض عنها خدر النسيان ووسوسات الشيطان؛ لكنّه لم يكتفِ في إزالة الإشكال ورفع رواسب الانحراف بالتقريع فحسب، بل أعادهم إلى الصواب والرُّشد من خلال تذكيرهم أنّ الإله هو الذي لا شبيه ولا شريك له، وهو العليم الذي لا يفوت عِلمه شيء، قال تعالى عن لسانه 7: ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ (طه/ 98).

ثالثاً: اتّجه إلى مصدر الفتنة ليُجفِّفها وبؤرة الفساد ليردمها، فخاطب السامريّ الذي لعب اللعبة القذرة في تصدُّر المشهد واستقطاب الأضواء والسعي إلى سدة الزعامة: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ (طه/ 95-96)، هاهو السامريّ يعترف أنّه استغلّ قدرته على صناعة عجل له خُوَار (صوت) وأغرته نفسه الأمّارة بالسُّوء وهواه الغالب على أن يرمي بالأُمّة خارج ساحة التوحيد.

فكان قرار موسى 7 في التعامل مع هذا الضالّ المُضلّ أن يتحرَّك على صعيدين:

1- ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ (طه/ 97)، كان الإجراء الصارم الأوّل هو ضرب عزلة اجتماعية خانقة وطوق أو حجر من الرفض حول الوباء الذي اسمه (السامريّ) لكي لا يستطيع أن يلامس أحداً ولا يستطيع أحد أن يلامسه، وهذا هو الحكم بالموت البطيء وهو أسوأ ما يتعرَّض له إنسان من عقوبة، لأنّه يعني موته اجتماعياً قبل موته سريرياً، كما يعني عزل المجتمع صحّياً عنه مخافة إصابته بمرض ضعف المناعة من جديد.

2- ثمّ أردفه بالإجراء الصارم الثاني: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ (طه/ 97)، فاعتبر العجل إله السامريّ وليس إله بني إسرائيل لأنّه صانعه (الغريب أنّ عَبدَة الأصنام لا يسألون أنفسهم سؤالاً محورياً: كيف يكونُ إلهُنا مخلوقَنا؟! أي كيف يكون الإلهُ مخلوقَ الإنسان ومصنوعاً بيديه وليس العكس؟!)، ثمّ أنّه 7 لم يقل سنلقي عجلك (إلهك) في البحر لئلّا يذهب بعضُ بني إسرائيل للبحث عنه واستخراجه وإعادة عَجَلة الفتنة للدوران من جديد، بل حَدَّد الإجراء بخطوتين: (الإحراق) حتى لا يعود الهيكل موجوداً بصفته المادّية أو هيئته الخارجية المذكِّرة بالعجل المعبود من دون الله، و(التذرية) أي يُرمى رماده أو فضلاته في مجرى البحر حتى لا يبقى له أثر.. مثلما لم يعد له عَين، وبذلك يلغي موسى 7 كلّ احتمال أو محاولة لاستعادته مجدَّداً.

بهذه الطُّرُق الثلاث عالج موسى 7 بحكمته العالية مسألة الشِّرك والانحراف عن جادة التوحيد؛ لكنّ انحراف بني إسرائيل لم يكن يقف عند حدٍّ، ففي كلّ منعطف طريق انحراف، وفي كلّ موقف معصية، وفي كلّ زمان تمرُّد واستعلاء، فمن طلب (اتّخاذ الإله) إلى طلب (رؤية الله). قال جلّ جلاله: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ (البقرة/ 55)، وموسى 7 الذي مرّ بتجربة عدم إمكانية رؤية الله: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ (الأعراف/ 143)، جاءه الردّ العمليّ أنّ لا إمكانية للرؤية العينية وإنّما يُرى الله تعالى من خلال قدرته وآثاره: ﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف/ 143).

موسى 7 حاول أن يقنعهم أنّ رؤية الله العينية مستحيلة، وربّما ذكر لهم قصّته مع الجبل المندكّ كدليل على وجود الله بالأثر لا بالتشخيص كالبشر؛ لكنّ ذلك لم يحل دون إصرارهم على الرؤية وإلّا كفروا بالله تعالى. هنا لم يُكرِّر الله تعالى تجربة الجبل وصعقة موسى 7، بل أنزل صاعقة وناراً مُحرقة من السماء أبادت المعاندين جميعاً، ولولا تدخُّل موسى 7 ولجوئه إلى الله تعالى أن يُعيد إليهم الحياة من جديد لكانوا من الهالكين إلى يوم يبعثون.

هل كانت التجربة الإفنائية والمحويّة كافية لكي يرتدع العقل الإسرائيلي المغلق والوجدان اليهودي الجامد؟! هل أكثر من أن يُمحق الله إنساناً أو يُبيد جماعة ثمّ يحييهم، ثمّ ينكرونه بعد ذلك؟!

حصل أن قتل بعضُ بني إسرائيل شخصاً ولم يتعرَّفوا على هُويّة القاتل، فجاءوا إلى نبيّهم موسى 7 يطلبون أن يدلّهم ربُّه على القاتل، فأوحى الله تعالى إليه بأن يذبحوا بقرة، أيّة بقرة، ويُلطِّخوا جُثة الميت بدمائها لينبعث حيّاً ويخبرهم باسم قاتله. وكان المفروضُ أن لا يتردَّد مَن عاش تجربة الصاعقة وإعادة الإحياء، والتجارب السابقة عليها في الاستجابة لطلب الله تعالى؛ لكنّهم راحوا يُشدِّدون في أسئلتهم ويُضيِّقون الخيارات على أنفسهم، فتارة يطلبون من موسى 7 أن يسأل ربَّه عن مواصفاتها العامّة، وتارة عن لونها، وتارة عن تفاصيل أكثر دقّة، حتى حصروا خيارهم ببقرة وحيدة ذبحوها وما كادوا يفعلون.

وكانت تجربة إحياء الميت القتيل رقماً إضافياً يُضاف إلى رصيد الأرقام الدالّة على وجود الله وقدرته؛ لكنّ الله يقول بعد هذه التجربة مباشرة: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة/ 74).

ولمّا عصوا الله تعالى ولم يأخذوا بتعاليم وأحكام التوراة وكتبَ عليهم التيه في صحراء سيناء أربعين سنة لم يقطع الله تعالى عنهم الطعام ليموتوا جوعاً، وإنّما حَدَّده بنوعين (المنّ) نوع من الحلوى، و(السلوى) نوع من الطيور؛ لكنّهم احتجّوا بعدم صبرهم على لون واحد مُكرَّر يومياً من الطعام، وسألوا موسى 7 أن يدعو ربَّه أن يُخرج لهم ممّا تُنبت الأرض من بَقلها وقِثَّائها وفُوَمها وعَدَسها وبَصَلها، فكيف صَحَّح لهم موسى 7 مفهوم القيمة الغذائية: ﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ (البقرة/ 61)، وهذا يعني أنّه 7 كنبيّ مُصلح يُلاحق حالات الانحراف الفكري والنفسي والسلوكي أوّلاً بأوّل ويُصحِّح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة لأتباعه الذين يأبون اتّباع السماء ويصرّون على اتّباع الشيطان والأهواء.

وهنا نواجه مسألة خطيرة، وهي أنّ قادة الأُمّة وأطهارها وأبرارها وأخيارها قد يدفعون أحياناً ضريبة انحراف الأُمّة عن الخطّ الصحيح. يقول المُفكِّر الإسلامي الشهيد السيِّد محمّدباقر الصدر ; مُعقِّباً على هذه الظاهرة كمحنة يُمكن أن تتعرَّض لها كلّ أُمّة تنتهج نهج الفساد والانحراف والتخلُّف والتمرُّد:

«وبما أنّ كلّ محنة لها جانبها الموضوعي وجانبها الذاتي، فلابدّ بالإضافة إلى التفكير في الجانب الموضوعي الذي تتولّى التفكير فيه الجهات المسؤولة عن تلك المحنة، لابدّ للممتحنين جميعاً أن يُفكِّروا في الجانب الذاتي من المحنة أيضاً، وأن يعيشوا المحنة كعملية تطهير لأنفسهم، وتزكية لأرواحهم، وتصميم على التوبة من التقصيرات المتراكمة المتلاحقة التي عاشوها عبر حياتهم العملية والعلمية، هذه التقصيرات التي قد لا يُحسُّ بكلّ واحد منها على حدة؛ لكنّها حينما تتراكم تتحوَّل إلى فتنة تأكلُ الأخضر واليابس، تأكُل مَن يُساهم ومَن لم يُساهم، تأكلُ مَن قَصَّر ومَن لم يُقصِّر، تأكلُ الحسين 7.. على الرغم من أنّه كان أنصف الناس وأبعدهم عن تقصير في قول أو عمل»[7].

والمحنة في عصيان بني إسرائيل دفع موسى 7 ضريبة التيه جرّاءها، وهذا هو قول الحقّ سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال/ 25).

 

ابتلاء موسى 7 مع قارون:

قال تعالى: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (العنكبوت/ 39-40).

 

مَن هو قارون؟

القرآن يُعرِّفنا به ونكتفي بالقرآن تعريفاً فلا حاجة للدخول في تفاصيل شخصيته والاستغراق فيها ممّا ورد في السِّيَر الذاتية والقصص القرآنية، فماذا يقول القرآن عن (قارون):

1- قارون من قوم موسى 7:

قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ (القصص/ 76).

2- قارون من أثرى الأثرياء:

قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ (القصص/ 76).

3- قارون مغرورٌ بنفسه وبقدراته:

قال تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ (القصص/ 78).

4- قارون متعالٍ لا يسمع نصيحة ولا يتعظ بموعظة:

قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص/ 76-77).

5- قارون يَستَثير حَنق الفقراء وحسدهم بزينته وثروته:

قال تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (القصص/ 79).

6- قارون قَرينُ فرعونٍ وهامانَ في الطغيان:

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ (غافر/ 23-24).

7- نهايةُ قارون:

قال تعالى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ (القصص/ 81).

قارون من قوم موسى 7[8]، ولا حاجة أن يُشير القرآن إلى أنّه أحد أفراد المجتمع الإسرائيلي، وإنّما كلمة (مِن) تعني أنّه من ذلك المجتمع الكافر والمعاند والرافض للتغيير، فكما أنّ فرعون الشخصية السياسية الطاغية ترى نفسها هي (الإله) و(الربّ الأعلى)، فكذلك يرى قارون - الشخصية المالية الطاغية - نفسه أنّه صانع ثروة هائلة وطائلة ليس في بني إسرائيل ذكي ولا مُتنفِّذ بقادر على أن يجمع مثلما جمع من ثروة وبجهود ذاتية. ولعلّ هذا هو السبب الذي يجعل القرآن يقرن ويضمّ شخصية قارون إلى شخصية فرعون ويضعهما في سويّة واحدة، لأنّ كلاً منهما ناهضَ دعوة موسى 7 وحاربها كلٌّ بطريقته.. فرعون بسلطته وجبروته وجنوده، وقارون بأمواله وأبهته وبذخه وزينته.

موسى 7 الذي عانى من فرعون وبطشه وقتله للإسرائيليين كان يرى أنّ أحد أسباب تفرعُن فرعون هو الثروة الطائلة التي تقع تحت يديه.. فبالمال يشتري الذمم، وبالمال يقطع الطريق إلى الله، وبالمال يغري ذوي النفوس الضعيفة من العلماء مثل (بلعم بن باعورا)، وبالمال يغري السَّحَرة لإسقاط هيبة موسى 7 وتفنيد دولته، وما إلى ذلك. ولذلك دعا موسى 7 ربَّه قائلاً: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ (يونس/ 88).

وصل موسى 7 إلى نقطة اليأس من إيمان فرعون والواجهة من حاشيته وأعوانه، وكان يرى أنّ ما هم فيه من أموال وزينة وأُبهة لا تسمح لهم بالتنازل عن غرورهم واستعلائهم، فإذا ما دُمِّرت أموالهم عرفوا أنّ هناك قدرة قادرة لا تُقاوَم، وعندها يُؤمنون بصاحب تلك القدرة والقوّة، وهذا ما حصل عندما أعلن فرعون إيمانه في اللحظات الأخيرة وهو يغرق.

شكوى موسى 7 من فرعون وتشخيصه لسبب تفرعُنه، هي نفسها من (قارون) الذي شغل الناس بأمواله وأثار طمعهم وغيرتهم وشهواتهم وحسدهم له، فما كانوا إلّا قلّة قليلة يطمحون إلى ثروة تشبه أو تُقارب ثروته، فكان سبباً لفتنة داخلية تبلبل أوضاع الناس وتربكهم وتجعلهم لا يستمعون إلى نصائح العلماء ووعظهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ (القصص/ 80).

المال سبب فاعل وقوي في تحطيم معنويات الفقراء والضعفاء وذوي الدخل المحدود، ولعلّهم - بسبب نقص الوعي وعدم إدراك الحقائق – يتّهمون الله تعالى في عدالته حينما يقارنون بين ما عليه قارون من ثروة، وما هم عليه من فقرٍ مُدْقع، ولم يتّعظوا بوعظ العلماء وأنّ ثروة قارون (مُتغيِّرة)، وإنّ ثواب الله (ثابت) إلّا بعد أن رأوا كيف خسف الله بقارون وداره الأرض: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (القصص/ 82).

كان موسى 7 وهو يشقُّ طريق الدعوة إلى الله بين مُعانتين، أو بين قوّتين رافضتين مُتعنتتين: قوّة سياسية ترى نفسها أنّها الربُّ الأعلى، وقوّة مالية لا ترى دوراً أو يداً لله في رزقها: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ (القصص/ 78).

وبخلاصه من القوّتين العظيمتين: قوّة السطوة وقوّة الثروة، استطاع موسى 7 أن يُمهِّد الأرضية لدعوته؛ لكنّه بقي يُعاني من قوّة ثالثة خطيرة أخطر من قوّة السطوة والثروة، وهي قوّة عمياء تُسمّى: (الجهل).

وحتى لا ينصرف الذهن أو يخلص إلى نتيجة معكوسة من قصّة موسى 7 مع هارون، يجب التنبيه إلى أنّ الإسلام أو الديانات بشكل عام ليست ضدّ الثروة، وأن ينعم بها الإنسان في (الصلاح) لا في (الفساد)، وفي (الخير) لا في (الشرّ)، ولقد رأينا كيف أنّ أموال خديجة (رضي الله عنها) كانت أحد أسباب انتصار الدعوة الإسلامية، أو تقوية موقفها في مقابل ثروات قريش المسخَّرة لهدم الدعوة وتحطيم أركانها.

كما نرى كيف أنّ المحسنين اليوم - وفي كلِّ عصر - يلعبون دور الإعانة والإحسان والتصدُّق والتبرُّع بالمال الذي ينفع لا في سدِّ حاجات الفقراء فقط، بل في بناء مؤسّسات ومشاريع خيريّة كثيرة ما كانت لتعمَّر وتزدهر وتؤتي أُكلها لولا الأثرياء المحسنون الخيِّرون الذين عرفوا أنّ المال مال الله وأنّه جعلهم مُستخلفين فيه، وأنّ في أموالهم حقّاً معلوماً للسائل والمحروم، فتحرَّكوا بين توظيف (مال الله) وبين (سبيل الله) ليُحرِّكوا عجلة المال، والتداول في إنعاش الاقتصاد، ورفع المُعاناة عن كاهل المعوزين، وتغطية الكثير من الحاجات الثقافية والتربوية والاجتماعية، وقصّة موسى 7 مع قارون في القرآن تحمل الدرس في داخلها: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص/ 77).

 

دروس من التجربة الموسويّة:

في حياة موسى 7 - كما في حياة كلّ الأنبياء - الكثير من الدروس والعِبَر والمواعظ والوصايا والتجارب التي تبقى تمدّ المارة بأمصال العافية أو عافية العقل والوعي والتجربة، طالما أنّ في التجارب - كما يقول الإمام عليّ 7 - علمٌ مُستفاد، وعلمٌ مُستأنَف، أي لا يبيد ولا ينقضي، بل هو حيٌّ ما بقيت الحياة، ولذلك آثرنا أن نلتقط من حياته وسيرته ومواقفه 7 دروساً إضافية للحياة مرّ بها موسى 7؛ لكنّها اليوم زادٌ لكلِّ مَن يريد أن يَتعلَّم في مدرسة الأنبياء :.

 

1- كُفّ عنِّي ألسنة الناس:

موسى 7 كليم الله، وكلام موسى 7 مع الله كلام علم ومعرفة ودعاء وتواضع وطلب تسديد وهداية إلى الرُّشد وما هو أرشد. قال 7 مخاطباً الله تعالى ذات يوم: «ربِّ نَجِّني من ألسنة الناس» وهو طلب في غاية الأهميّة لأنّ موسى 7 تَعرَّض إلى الإساءات الكثيرة من بعض بني إسرائيل واتِّهامات خطيرة من بعضهم الآخر، فبماذا أجابه الله تعالى؟ أوحى إليه: «يا موسى! أنت تطلبُ شيئاً لم أصنعه لنفسي»! أي أنّ كفّ ألسنة الناس لو أراد الله لجعله لنفسه، والحال أنّنا نرى أنّ الكثير من الناس يتَّهمون الله تعالى وتقدَّست ساحته، بعدم العدل وغيره، ويَتقوَّلون عليه بما لم يقل، والله عزّوجلّ لم يريد أن يُكبِّل ألسنة الناس ويُكمِّم أفواههم؛ لكنّه اعتبر أقوالهم من أعمالهم وحذَّرهم من أن يلوكوا أعراض الناس وسمعتهم بألسنتهم، أو أن يفتروا الكذب لأنّه جعل عليهم حَفَظَة كراماً كاتبين يُسجِّلون كلَّ ما يقولون ويفعلون، وسوف يُحاسبون على كلِّ ما قالوه ولم يندموا عليه ويتوبوا منه.

 

2- علامة رضا الله تعالى:

وعن (وهب بن منبه): أنّ موسى 7 قال: «يا ربِّ اخبرني عن آية رضاك عن عبدك، فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أُهىيء عبدي لطاعتي وأصرفه عن معصيتي، فذلك آية رضاي»[9].

لاحظ كيف يسأل الأنبياء أو ما هي الأسئلة التي يطرحونها، فتلك ثقافة اسمها ثقافة السؤال يُعلِّمنا الأنبياء : طريقتها ضمنياً، فموسى 7 يسأل الله عن علامة رضاه عن الإنسان؟ فيأتي الجواب: أنّه تعالى إذا هيّأ العبد (الإنسان) لطاعته وصرفه عن معصيته، فذلك يعني أنّه مرضيٌّ عنه؛ ولكنّ السؤال: هل أنّ الله (يُهيء) و(يصرف) اعتباطاً؟ بالتأكيد: لا، وإنّما هو: ﴿لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرَّعد/ 11)، فإذا لمسَ تعالى من إنسان صلاحاً زاده صلاحاً إلى صلاحه، وإذا رأى من خِصلة حَسنة ضمّها إلى أخواتها، وإذا عرف منه خيراً أدخلهُ في ديوان الخيِّرين وزُمرة النافعين، أي أنّ رضاه تعالى يأتي لاحقاً وتبعاً لما يصدر من الإنسان من بوادر الصلاح وإشارات الخير وعلامات الاستعداد للهداية، وقد يأتي كجزء من التوفيق والهداية والتسديد: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت/ 69).

 

3- رضا الله تعالى بالرِّضا بقضائه:

رُوِي أنّ موسى 7 قال: «يا ربّ! دُلَّني على عمل إذا أنا عَمِلته نلت به رضاك، فأوحى الله إليه: يا ابن عمران! إنّ رضاي في كُرهك ولن تُطيق ذلك، فخرّ موسى 7 ساجداً باكياً، فقال: يا ربّ! خصصتني بالكلام، ولم تُكلِّم بشراً قبلي، ولم تدلّني على عمل أنالُ به رضاك! فأوحى الله إليه: إنّ رضاي في رضاك بقضائي»[10].

والرِّضا بقضاء الله يعني الإيمان والإقرار بحكمة الله الذي لا يفعل شيئاً عبثاً ولا سُدىً ولا اعتباطاً، وإنّما كلّ عمله - ما عرفنا سرّه وفلسفته وعلّته وما لم نعرف - حكيم، وقد ندرك ذلك مُتأخِّرين.

ومعنى رضا الله مغفرته وجنّته وجزيل ثوابه وحسنُ توفيقه، ولذلك فقد أدرك أيّوب 7 ذلك كلّه، فلم يحتجّ ولم يعترض ولم يُلم الحكيم على حكمته والقاضي على قضائه، بل كان راضياً كلّ الرِّضا بقضاء الله وقدره، فانظر كيف كافأه الله تعالى بعد ذلك؟

 

4- رياضة الصبر:

في الخبر عن رسول الله 6، من وصايا الخضر لموسى 7: «رُضّ نفسك على الصبر، تخلص من الإثم»[11].

من هذا النصّ الشريف يتّضح أنّ موسى 7 لم يتلقّ عن الخضر 7 فقط الدروس الثلاثة التي ذكرها القرآن الكريم في قصّته 7 معه، بل أخذ عنه بعض النصائح والوصايا ومنها هذه التي يوردها نبيّنا الكريم 6، ذلك أنّ الطبيب يعطي الدواء أو الوصفة بحسب حالة المريض وتشخيصه لعلّته.. ولمّا لاحظ الخضر أنّ مشكلة موسى 7 في طلب العلم هي عدم الصبر، قال له ذلك؛ لكنّه لم يُحدِّثه عن الصبر على العلم، بل عن الصبر على الإثم، فإذا رَوَّضت النفس على رياضة المُمانعة والصوم والكفّ عن المحارم، زادت مناعتها في الصبر على ترك المحرَّمات والذنوب والمعاصي.

 

5- كما تُدين تُدان!

عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق 7: «أوحى الله إلى موسى... لا تزنوا فتزني نساؤكم، ومَن وَطىء فُرَش امرئ مسلم وُطىء فراشه، كما تُدين تُدان»[12]، وهذا الوحي يتضمّن معادلة أو قانوناً صارماً، فمَن اعتدى على أعراض الناس اعتُدي على عرضه، ومَن لم يعفّ عن نساء الناس لم يُعفّ عن نسائه، وهذا يجرّنا إلى قانون (القصاص) أو (المعاملة بالمثل)، وهو عقوبة دنيوية مُتحقِّقة ولو بعد حين، فلا يسلم العابث بأعراض الناس من أن يُعتدى على عرضه، وهذا هو معنى كما تُدين تُدان، وهو قانون ساري المفعول ليس في قضايا الزِّنا فقط، بل في كلّ الجرائم التي يقترفها الإنسان بحقّ الإنسان الآخر.

 

6- الخلوة بالحبيب:

رُوِي عن الإمام الصادق 7: «كان في ما ناجى الله عزّوجلّ به موسى بن عمران 7 أن قال له: يا ابن عمران! كَذِب مَن زعم أنّه يحبّني، فإذا جَنّه الليل نام عنِّي، أليس كلّ محب يحبّ خلوة حبيبه؟ ها أنذا يابن عمران مطلع على أحبّائي إذا جَنّهم الليل حوّلت أبصارهم من قلوبهم، ومثّلت عقوبتي بين أعينهم، يُخاطبونني عن المشاهدة، ويُكلِّموني عن الحضور. يا ابن عمران! هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظُلَم الليل، وادعني فإنّك تجدني قريباً مجيباً»[13].

قيام الليل أو صلاته أو نافلته ومناجاة الله في هدأته ينطوي على أكثر من حسنة، فهو معينٌ على مواجهات النهار وتحدّياته ومعاناته ومكابدة مشاكله وصعوباته، وهو خلوة مع الحبيب تُؤنس القلب وتُريح النفس وتُرقق المشاعر، وتفتح الحُجُب بل وتزيحها، هو عملٌ قريبٌ إلى الله لأنّه يخلو من الرِّياء، وهو انشداد إلى حضرة القدس في أجواء الصفاء، فإذا رافقه الخشوع والخضوع والدموع، فهو وقت الإقلاع والشروع نحو المعراج.

 

7- أوصيكَ بي وبأُمّك وبأبيك:

عن الإمام محمّد الباقر 7: «قال موسى بن عمران: يا ربّ أوصني. قال: أوصيك بي، فقال: يا ربّ أوصني. قال: أوصيك بي، ثلاثاً. فقال: يا ربّ أوصني. قال: أوصيك بأُمّك. قال: يا ربّ أوصني. قال: أوصيك بأُمّك. قال: أوصني. قال: أوصيك بأبيك. قال: فكان يُقال لأجل ذلك، إنّ للأُم ثُلثا البرّ، وللأب الثُّلث»[14].

الوصيّةُ بالله أن تعبده ولا تُشرك به شيئاً، وتطيعه في ما أمرك وفي ما نهاك عنه.. والوصيّة بالأُم لأنّها الأكثر مُعاناة ومُكابدة في تنشئتك والحرص والخوف عليك، وهي المُستعدة للتضحية دونك، وقد تُمحى بصمات كثيرة من حياتنا، أمّا بصمات الأُم فتصاحب الزمان ما حيينا، وللأب بصماتهُ أيضاً؛ لكنّه يأتي في المرتبة الثانية، وبهما تُبنى الشخصية، والبرّ بهما والإحسان إليهما هو من بعض الوصيّة بالله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلّا تَعْبُدُوا إِلّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء/ 23).

 

8- الله تعالى جَليسُ مَن يذكره:

وعن الإمام الباقر 7 أيضاً: «مكتوبٌ في التوراة التي لم تُغيَّر، أنّ موسى سأل ربَّه فقال: يا ربّ! أقريب أنت منِّي فأُناجيك، أم بعيد فأُناديك؟ فأوحى الله عزّوجلّ إليه: يا موسى! أنا جليسُ مَن ذكرني، فقال موسى: فمن في سترك يوم لا ستر إلّا سترك؟ قال: الذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابّون فيَّ فأحبّهم، فأولئك الذين إذا أردتُ أن أُصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم، فدفعت عنهم بهم»[15].

الله تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد ويعلم ما توسوس به أنفسنا، فإذا ذكرناه في أيّة حالة من حالات الذِّكر: في معصيته فانتهينا عنها، وفي حسنة فأتيناها، وفي نِعمة فشكرناها، وفي عظمة فسبَّحناها، كان جليسنا وأنيسنا، وهل في الناس أسعد ممّن يُجالس الله؟! إنّه يُقابلُ الذِّكر بأن يذكر الذاكر في مواطن الحاجة واللجوء إليه، ويستر عليهم عوراتهم وذنوبهم وعيوبهم، فإذا تحابّ الناسُ فيه أدخلهم الجنّة بغير حساب، وكان هو المحامي والمدافع عنهم عند كلّ بلاءٍ.

 

9- من أساليب الدعوة إلى الله تعالى:

وروى الباقر 7 عنه 7: «أوحى الله تعالى إلى موسى 7: أحبني وحببني إلى خلقي، قال موسى: يا ربّ! إنّك لتعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليَّ منك، فكيف لي بقلوب العباد؟ فأوحى الله إليه: فذكِّرهم نعمتي وآلائي، فإنّهم لا يذكرون منِّي إلّا خيراً. فقال موسى: يا ربّ! رضيت بما قضيت، تُميت الكبير وتُبقي الأولاد الصغار، فأوحى الله إليه: أما ترضى بي وكيلاً وكفيلاً؟ فقال: بلى يا ربّ! نِعم الوكيل ونِعم الكفيل»[16].

تحبيب الله إلى الناس واحدة من أجلّ مُهمّات الداعية إلى الله، والطريق أو الوسيلة التي يُحبَّب فيها سبحانه لعباده هي ما دلَّ موسى 7 عليه: وهي تذكيرهم بنِعَم الله وألطافه وفضائله ومِننه وإحسانه. قال تعالى مخاطباً موسى 7: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ (إبراهيم/ 5)، وأيّام الله - كما في التفاسير - هي أيّام الخير والمُنحة والانتصار والنِّعمة.

 

10- حتى الجبال المتواضعة يحبّها الله!

رُوِي أنّ الله تعالى أوحى إلى موسى 7 «أن اصعد الجبل لمناجاتي، وكان هناك جبال، فتطاولت الجبال، وطمع كلٌّ أن يكون هو المصعود عليه عدا جبلاً صغيراً احتقر نفسه، وقال: أنا أقلُّ أن يصعدني نبيّ الله لمناجاة ربّ العالمين، فأوحى الله إليه أن اصعد ذلك الجبل، فإنّه لا يرى لنفسه مكاناً»[17].

يحبُّ الله تعالى التواضع في كلّ المخلوقات: «أحبّه في موسى بعد أن اطّلع إلى خلقه اطّلاعة فلم يَرَ فيهم أشدّ تواضعاً منه، فخصّه بوحيه وكلامه، وأحبّه في الجماد (الجبل الصغير) فخصّه بالمناجاة عليه، ويحبّه في الحيوان أيضاً، حتى ورد في الرواية أنّ ناقة النبيّ 6 كانت إذا تسابقت مع غيرها من النُّوق سبقتها، ما عدا مرّة واحدة كانت فيها المسبوقة، فقال 6: إنّها ترفَّعت، وحقّ على الله أن لا يترفّع شيء إلّا وضعه»[18].

 

رفيق موسى 7 في الجنّة:

يُروى أنّ موسى 7 سأل ذات يوم ربَّه أن يُعرِّفه برفيقه في الجنّة، فَعرَّفه به، وإذا به قصّاب! فَتعجَّب موسى 7 من ذلك، فذهب إليه ليعرف قصّتـه عن كثب وعمله الذي استحقّ به أن يكون رفيق نبيّ الله في الجنّة.

طَرقَ موسى 7 باب القصّاب، ففتح له مُرحِّباً بنبيّ الله مسروراً بزيارته، فاستأذنه فقال له: البيت بيتك تَفضَّل يا نبيّ الله على الرحب والسعة. وعندما استقرّ بموسى 7 المجلس، لاحظ أنّ امرأة عجوزاً قد وُضِعت في سرير كأنّها الطفل، وطلب القصّاب منه أن يمهله في رعاية أُمّه قبل أن يقوم بواجب الضيافة، وأقبل القصّاب على أُمّه يَتفقَّد حاجتها، ويُقدِّم لها الطعام، ويقوم بتغسيلها، ومؤانستها حتى قرّت عينها ودعت الله أن يجعل مجلسه مع موسى 7 في الجنّة ورقدت، ثمّ أقبل إلى ضيفه النبيّ موسى 7 ليرعى شأنه.

يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النِّساء/ 69).

إنّ رفاق الأنبياء : على هذا لكُثُر، وما من نبيّ إلّا وله رفاق في الجنّة من بسطاء الناس؛ لكنّهم أحرزوا رضا الله تعالى، إمّا بالإحسان لوالديهم وخاصّة الأُم، وإمّا بالشكر لله على كلِّ نِعمة وحال، وإمّا بالصبر على قضائه وبلائه وعدم الشكوى ممّا يصيبهم، وإمّا بعدم الحسد وتمنّي الخير لجميع الناس، وحسبنا ما ورد عن نبيّنا محمّد 6 في جواره في الجنّة قوله في كفالة اليتيم: «أنا وكافل اليتيم كهاتين – وأشار بالسبّابة والوسطى من أصابعه للدلالة على مُلاصقة الديار وقرب الجوار- في الجنّة إذا اتّقى الله عزّوجلّ»[19].

 

-وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-

 

 

 

 

 


[1]- (اليمّ) في اللغة العربية يعني (البحر) والأنهار العظيمة في اللغة تعني البحر أيضاً، ولذلك سَمَّى تعالى نهر النيل بالبحر، هذا إذا لم يكن المقصود البحر الأبيض المتوسط.

[2]- بحار الأنوار، المجلسي، كتاب النبوّة، المجلد13، ص284.

[3]- المصدر نفسه، ص301.

[4]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، ج4، باب الرجاء، رقم الحديث6956، ص65.

[5]- أصول الكافي، الشيخ الكليني، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب التواضع، رقم الحديث7، ص123.

[6]- نهج البلاغة، الحكمة319، ص722.

[7]- محنتنا على لسان السيِّد الشهيد، إعداد هادي الخزرجي، ص28.

[8]- يُقال إنّه من أقرباء موسى 7 وقد رفض دعوته، واتَّهمه بتهمة مُخلّة بالشرف ليُشوِّه سُمعته في أوساط الناس، وإذا صحّت الرواية، فإنّ (ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة من وقع الحسام المُهنَّد).

[9]- أعلام الدِّين في صفات المؤمنين، الشيخ حسن الديلمي، فصل في كلام سيِّدنا رسول الله 6، ص283.

[10]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، ج4، باب الرضا 7، رقم الحديث7337، ص151.

[11]- كنز العمّال، المتقي الهندي، ج16، رقم الحديث44176، ص143-144.

[12]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، ج4، باب الزنا، رقم الحديث7673، ص246.

[13]- المصدر السابق نفسه، ج2، كتاب المحبة، باب علامة حبّ الله، رقم الحديث3152، ص225.

[14]- أمالي الصدوق، المجلس السابع والسبعون، رقم الحديث5، ص314.

[15]- أصول الكافي، الشيخ الكليني، ج2، كتاب الدُّعاء، باب ما يجب من ذكر الله، رقم الحديث4، ص496.

[16]- النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين، السيِّد نعمة الله الجزائري، ص346.

[17]- عُدَّة الداعي ونجاحُ الساعي، أحمد بن فهد الحلّي، ص178، دار المرتضى – دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1987م.

[18]- قصص الأبرار، مرتضى المطهري، ص174.

[19]- ميزان الحكمة، محمّدي الري شهري، ج10، باب اليتيم، رقم الحديث22581، ص765.

ارسال التعليق

Top