إنّ الصّدق قيمة إسلامية وإنسانيّة كبيرة وعظيمة، تمنح الإنسان القوّة والمصداقيّة والاتّزان، وتعبّر عن كمال وجوده ككائن مسؤول وواعٍ لدوره. إن الصدق في الحديث والوعد والعمل يمثِّل الخط المستقيم الذي إذا تحرك الناس معه فإنّهم يشعرون بالاستقرار والطمأنينة، بينما إذا تحدث الناس بالكذب فإنّ الكذب يغيّر الصورة عند الإنسان، فيتصرف بطريقة قد يظلم فيها الناس والحقيقة والحياة. والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ركّز في أحاديثه الشّريفة على قيمة الصّدق وأهميّته في الحياة الإنسانيّة، فيروى عنه قوله: «إنّ الرّجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله».
إن الدِّين صّدقٌ وأمانة؛ صّدق مع الله وأمانة على الحياة، وصّدق مع النفس وأمانة مع النفس، وصّدقٌ مع الناس وأمانةٌ مع الناس، أن لا تخونهم في قضاياهم العامة والخاصّة. هذه هي القيمة الإسلاميّة التي يريد الله تعالى للمسلمين أن يأخذوا بها، من أجل أن يرتفعوا ليكونوا في مواقع القرب من الله والإخلاص له وللناس وللحياة، وعلينا أن نربي أنفسنا وأجيالنا على ذلك كله. وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «إنّ الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صدّيقاً»، وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «إنّ العبد ليصدق حتى يُكتب عند الله من الصادقين، ويكذب حتى يُكتب عند الله من الكاذبين، فإذا صدق قال الله عزّوجلّ: صدق وبرّ، وإذا كذب قال الله عزّوجلّ: كذب وفجر». ويقول (عليه السلام) وهو يتوجه للوعاظ والخطباء والعلماء والمؤمنين جميعاً، إذا أردتم أن تكونوا دعاةً للإسلام، فلا تقتصروا على الدعوة باللسان، بل من خلال القدوة، يقول (عليه السلام): «كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد ـ في طاعة الله ـ والصّدق ـ في الحديث ـ والورع»، عن محارم الله تعالى.
وقد تحدّث الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية عن النتائج التي يحصل عليها الصادقون يوم القيامة، عندما يقفون للحساب بين يديه، فنقرأ في سورة المائدة قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ـ فمن كان صادقاً في عقيدته وكلمته وموقفه، وصادقاً مع ربه ومع نفسه ومع الناس، فإنّه ينتفع بصدقه ـ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ـ لأنهم صدقوا معه في عقيدتهم وإيمانهم، فجزاهم بصدقهم ـ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (المائدة/ 119)، لأنّ هذا النوع من الرضا المتبادل بين العبد وربّه، يرفع من درجة الإنسان عند ربه، ويمنحه رضاه وحبه وجنّته، لأنّ الله تعالى يحبّ الصادقين باعتبار أنهم يمثّلون الحق ويبتعدون عن الباطل. وعندما نعيش جوّ الصّدق، فإنّنا نهتدي به إلى أعمال البرّ والخير، لأنّنا نعرف ما يفعله الصّدق في النفوس، إذ يفتحها على كلِّ قيمةٍ ومعنى تؤصّل حضورنا وفعلنا.. وعندما يكون المجتمع برمّته صادقاً في كلِّ ميادين الحياة، فإنّ الخير والسّلامة يعمّان الجميع، فلا مشاكل ولا تعقيدات. على الجميع أن يعلم أنَّ التزام الصّدق، وعدم التملّق والنّفاق، يؤمّن لنا الاستقرار والسّلامة النفسيّة، ويزيد من تماسك العلاقات الاجتماعيّة وانفتاحها وترابطها على أسس صحيحة وسليمة، فواقعنا يحتاج فعلاً إلى أناسٍ يمارسون أخلاق الصّدق وأخلاق الفضيلة. إنّنا بحاجةٍ إلى ممارسة الصّدق في مقابل النّفاق، والعمل على مواجهة النّفاق بالأسلوب المناسب. الصوم كدورة عبادية يعلّمنا أن نكون الصادقين في كلّ الأوقات، وتحت كلّ الظروف، أن نصدق القول مع الأولاد والكبار، وأن نتعلّم قول الحقيقة مهما كانت، فالصّدق كقيمة أخلاقيّة أساسيّة، ينبغي أن يحكم العلاقات بين الزوج وزوجته، وبين الأهل وأولادهم، وبين الناس جميعاً، عندها يستريح الواقع كثيراً ممّا نراه من مظاهر التعدّيات التي تفسد كلّ العلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة. إنّ الكذب يقتل في الإنسان إنسانيّته، ويسلبه إرادته وحريته في الانتصار للحقّ، ويقضي على روحه، إذ يلوّثها بدل أن يسمو بها بالصّدق، ويرتفع لينعكس الصّدق على كلّ أخلاقيّاته وممارساته، ما يجلب له كلّ أمان مطلوب.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق