• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«كان الناس أُمّة واحدة»

أحمد زكي تفاحة

«كان الناس أُمّة واحدة»

قال تعالى:

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة/ 213).

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) أي كانوا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي أشار إليها النبيّ (ص) بقوله: "كلّ مولود يولد على الفطرة" ثم عرض على فطرتهم التخيلات والأوهام، وجرتهم هذه الأوهام إلى الاختلاف في العقيدة والرأي، وبالتالي إلى اعتداء بعضهم على بعض، فتفرقوا شيعاً بعد أن كانوا أُمّة واحدة، فأرسل الله الأنبياء، ومعهم الكتاب ينطق بالحقّ، ويحكم بالعدل، ليتحاكموا إليه في خلافاتهم ومنازعاتهم، وهذا هو المعنى الظاهر من قوله تعالى:

(فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) وبهذا يتبيّن أنّ في الكلام جملة محذوفة، والتقدير كان الناس أُمّة واحدة فاختلفوا، بدليل قوله تعالى ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وتؤكد ذلك الآية 19 من سورة يونس: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا).

(وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)، أي إنّ الناس الذين كانوا أُمّة واحدة، ثمّ اختلفوا فأرسل الله إليه الأنبياء، إنّ أولئك الناس أيضاً اختلفوا فيما أرسل به الأنبياء. فمنهم مَن آمن وصدق، ومنهم مَن كفر وكذب بعد أن قامت الأدلة والبراهين، والحجة القاطعة على الكافرين والمكذبين للأنبياء ورسالتهم، ولا سبب لهذا التكذيب إلّا البغي والخوف على منافعهم ومصالحهم الشخصية، ومكاسبهم العدوانية.

(فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ)، أي أنّ الله سبحانه وفّق أرباب النوايا الصالحة إلى الإيمان بالحقّ الذي جاء به الأنبياء، وهذا الإيمان كان بأمره تعالى، فالمراد بالإذن الأمر.

(وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، مَن يشاء الهداية والتوجيه والإرشاد ويقبل النصح ويعمل به، والله سبحانه هو الموفق إلى تقبل النصح والعمل بالحقّ والخير.

 

الاختلاف بين الناس:

الاختلاف بين الناس وجد منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، واستمر حتى اليوم، وسيبقى إلى آخر يوم، ولا يختص بأهل الأديان، كما يحلو للمستهترين أن ينتقدوا، أو يتحذلقوا، فإنّ اختلاف غيرهم قد بلغ النهاية، وتجاوز الكلام إلى الحروب الطائفية، فالتناقضات بين الدول الرأسمالية، وانقسام المنظومة الاشتراكية على نفسها، لم يخفِ على أحد، كما مهد السبيل للسياسة العدوانية على الشعوب المستضعفة، وشتات كلّ من الدول الأفريقية والآسيوية ضمنَ النجاح لكلّ مَن أراد استغلالها، والسيطرة على مقدراتها، أما اختلاف الدول العربية، فكان من نتائجه وجود إسرائيل في قلب بلادهم، وهي غدة سرطانية تنخر في جسم الأُمّة العربية والإسلامية.

روي عن رسول الله (ص) قوله: "لا تقتل نفس إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها، لأنّه كان أوّل من سن القتل".

والإنسان مدني بالطبع، ومفطور على الاجتماع والتعاون، كان في أوّل اجتماعه أُمّة واحدة، ثمّ ظهر فيه بحسب الفطرة الاختلاف في اقتناء المزايا الحيوية، فاستدعى ذلك وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة والمشاجرات في لوازم الحياة، فألبست القوانين الموضوعة لباس الدين، ثمّ اختلفوا في معارف الدين، أو أمور المبدأ والمعاد، فاختل بذلك أمر الوحدة الدينية، وظهرت الشعوب والأحزاب، وتبع ذلك الاختلاف في غيره، فكان السبب في بعث الأنبياء وإنزال الكتب السماوية.

 

المصدر: كتاب دروس من القرآن

ارسال التعليق

Top