• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مكنونات فريضة الصوم

عمار كاظم

مكنونات فريضة الصوم

قال النبيّ (ص): "الصوم جنة من النّار"، وقال (ص): "الصائم في عبادة وإن كان نائماً في فراشه ما لم يغتب مسلماً". وقال (ص): "قال الله تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به وللصائم فرحتان: حين يفطر وحين يلقى ربه عزّ وجلّ، والذي نفس محمّد بيده لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك". وقال الكاظم (ع): "قيلوا فإنّ الله تبارك وتعالى يطعم الصائم ويسقيه في منامه". قيل: ولو لم يكن في الصوم إلا الارتقاء من حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية لكفى به فضلاً ومنقبة، وإنما كان الصوم جنة من النّار لأنّه يدفع حر الشهوة والغضب اللتين بهما تصلى نار جهنم في باطن الإنسان في الدنيا وتبرز له في الآخرة. وإنما قال (ص): "ما لم يغتب مسلماً" لأنّ الغيبة أكل لحم الميتة، فهو نوع من الأكل يقوى به البدن. وإنما كان الصوم لله مع أنّ سائر العبادات له – كما شرف البيت بالنسبة إليه والأرض كلّها له – لوجهين: أحدهما: إنّ الصوم كف وترك، وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد وجميع الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا يعلمه إلّا الله.

والثاني: إنّه قهر لعدو الله، فإنّ وسيلة الشيطان الشهوات، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال النبيّ (ص): إنّ الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع، والشهوات مرتع الشياطين ومرعاهم. وإنّما كان خلوف الفم – وهو تغير رائحته – أطيب عند الله من ريح المسك لأنّه سبب طيب الروح الذي هو عند الله من الإنسان كما أنّه بدنه عند نفسه، وإليه أشير في قوله تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) (النحل/ 96)، وأين طيب الروح من طيب المسك؟ فإنّ الأوّل روحاني عقلي معنوي والثاني جسماني حسي صوري. كما انّ للصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص: أما "صوم العموم" فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوات.

وأما "صوم الخصوص" فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وفي ما روي عن الصادق (ع) قال: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك".. وعد أشياء غير هذا وقال: لا يكون يوم صومك كيوم فطرك، ودع المراء وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصيام، فإنّ رسول الله (ص) سمع امرأة تسب جاريتها وهي صائمة فدعى بطعام فقال لها كلي، فقالت إني صائمة، فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟! إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب فقط.

وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر في ما سوى الله واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإنّ ذلك زاد الآخرة انتهى.

وقال الصادق (ع): قال رسول الله (ص): "الصوم جنة، أي ستر من آفات الدنيا وحجاب من عذاب الآخرة، فإذا صمت فإنوِ بصومك كف النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطرات الشيطان، فأنزل نفسك منزلة المرضى لا تشتهي طعاماً ولا شراباً، متوقعاً في كلّ لحظة شفاءك من مرض الذنوب، وطهر باطنك من كلّ كدر وغفلة وظلمة تقطعك عن معنى الإخلاص لوجه الله تعالى".

ثمّ قال: قال رسول الله (ص): قال الله عزّ وجلّ: "الصوم لي وأنا أجزي به"، فالصوم يميت مواد النفس وشهوة الطمع، وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء وحبل الالتجاء إلى الله، وسبب انكسار الهمة وتخفيف الحساب وتضعيف الحسنات. وفيه من الفوائد ما لا يحصى وكفى بما ذكرنا منبه لمن عقل ووفق لاستعماله.

ارسال التعليق

Top