• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مميزات مرحلة الشباب

عمار كاظم

مميزات مرحلة الشباب

لا يخفى أن الإنسان يمر في رحلة الحياة الدنيا بمراحل عمرية مختلفة، تبدأ بسن الطفولة وتنتهي بسن الشيخوخة والهرم، قال تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ» (الروم: 54)، وقال عز من قائل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا» (الحج:5). ومن المعلوم أن لكل مرحلة عمرية خصائصها ومزاياها التي تختلف عن مزايا المراحل الأخرى وخصائصها. فللطفولة براءتها وطهرها وعفويتها، وللشباب حماسته ونشاطه وحيويته، وللكهولة هيبتها ووقارها. ويهمنا أن نتوقف قليلا عند أهم مزايا مرحلة الشباب، هذه المزايا التي قد تشترك في بعضها سائر المراحل العمرية، لكننا نجدها بارزة وحاضرة في مرحلة الشباب أكثر من غيرها. والوقوف على هذه المزايا في غاية الأهمية، فهي تستدعي مسؤوليات تتناسب معها، ومن الضروري التعويل عليها في كل عمل تغييري إصلاحي، إذ من المفترض أن يكون الشباب هم رواد عملية التغيير والنهوض، كما أن من الضروري أخذها بعين الاعتبار في عملية إرشاد الشباب وتوجيههم وتهذيبهم وتنمية قدراتهم وتطوير ملكاتهم ويحقق طموحاتهم ويخدم قضاياهم وقضايا المجتمع عموماً.

الطاقة والحيوية: وأولى تلك المزايا التي لا تُخطئها العين هي أن مرحلة الشباب تمثل مرحلة الحيوية والنشاط والحماس، فالشباب طاقة متدفقة وهمة متوثبة وطبيعي أن الطاقة لا بد أن تستثمر لا أن تبدد، ومع الأسف فنحن أمة تتقن فن تبديد الطاقات وهدرها. وكما أن الشباب طاقة فهو أيضا نعمة والنعمة تواجه بالشكر لا بالكفران، وشكرها يكون بأن نؤدي حقها، وهو لا يكون بالقول فقط، بل بالفعل أيضاً، وذلك بأن نستثمرها في ما خلقت له، فنعمة المال يكون شكرها بأداء حقها إلى الفقراء والمساكين، ونعمتا الصحة والشباب تشكران ببذلهما في ما يرضي الله تعالى. وبما أن الشباب طاقة فسوف يسأل المرء عنها يوم القيامة، ففي الحديث الشريف: « لا تزول قدما عبد يوما القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت»، وبما أنه نعمة فهذا ما يجعله موردا للسؤال يوم القيامة كما يسأل عن كل النعم، قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر:8).

سلامة الفطرة

الفطرة السليمة: والميزة الأخرى للشباب هي سلامة الفطرة، فالإنسان عندما يولد فإنه يولد وهو يحمل فطرة نقية، بعيدة كل البعد عن كل أشكال الانحراف، وتستمر الفطرة على صفائها ونقائها إلى حين بلوغ الانسان أوان شبابه، وتبقى كذلك إذا حافظ عليها من تأثير الملوثات الروحية والفكرية التي تواجهه، وهذا في واقع الأمر أحد مظاهر لطف الله تعالى بعباده، إذ أنعم عليهم وزودهم بتلك الفطرة الصافية والسليمة من كل كدر. وبوحي هذه الفطرة البعيدة عن الملوثات نرى الشباب متحفزاً لكل خير ومتطلعا للتغيير، وهكذا نراه أقرب إلى الصلاح، وأكثر قبولا للتهذيب والإصلاح، فالشاب يرجى إصلاحه أكثر من الكهل، لأن الكبير قد تأسره العادات التي اعتادها ويقسو قلبه بفعل تراكم المؤثرات المختلفة ويصبح من الصعب تغيير قناعاته، ولو تم إقناعه فربما تمنعه روابطه الخاصة وشبكة علاقاته ومصالحه من تغيير ما هو عليه والانخراط في وضع جديد، بينما الشاب حيث أنه أقرب إلى الفطرة ولا تقيده الكثير من المثقلات فإنه أبعد عن العادات السيئة وأقرب إلى تبديل قناعاته وخياراته ومواقفه، يقول مولانا الإمام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه المعروف بالأحول: « أتيت البصرة؟ قال: نعم. قال عليه السلام: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر (يقصد خط أهل البيت عليهم السلام) ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنهم لقليل، ولقد فعلوا وان لذلك لقليل. فقال عليه السلام: «عليكم بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير»، فالشباب إذاً أسرع إلى كل خير لأن فطرتهم سليمة لم تلوثها الأهواء والعادات السيئة فهي تنبض بالخير وتتطلع إلى الكمال والحب والجمال، ومن هنا كان أبو العتاهية يشم ريح الجنة في الشباب حيث يقول:

يا للشباب المرح التصابي

روائح الجنة في الشباب 

ارسال التعليق

Top