◄من الصفات الإيمانية الأساسية «الخشوع»؛ هذه الكلمة التي وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 1-2).
والخشوع هو من السُّبُل المؤدّية إلى تجسيد الفلاح في الدُّنيا والآخرة، عندما يعيش المرء الخشوع في العبادة، التي تنعكس على سلوكه الفردي والجماعي، فالفلاح الناجم عن الخشوع؛ خشوع الفكر والعقل والشعور أمام الله تعالى وعظمته ورحمته، يقوّي من عزيمة الإيمان وصلابة الشخصية والموقف والمعتقد.
والخشوع هو خشوع الفكر الذي لا يتحرّك إلّا في خطّ الله تعالى، فلا يقدِّم إلّا الأفكار السليمة للحياة، ليغذّيها وينمّيها بعيداً عن أجواء الانحراف الفكري القاتل للوجود الإنساني، والسالب لحيويّته ونتاجاته.. وهو خشوع العقل الذي يبحر في تأمّل عميق، ليستخلص العِبَر والدروس من عظيم خلق الله، فيتحوّل ذلك إلى قوّة له في إيمانه وإخلاصه وتواضعه أمام نفسه وربّه والناس من حوله، فلا يتكبّر، ولا يظلم، ولا يستعلي على أحد.
وهو أيضاً خشوع الشعور، حيث يلين قلب الإنسان الخاشع، وتنمو روحه، وتسمو أخلاقه في رحاب ربّه، فيُقبل على الحياة بمشاعر المحبّة والتسامح، ليزرع كلّ ساحاتها سلاماً وخيراً وعطاءً للجميع، ويعمل على تكريس روح الانفتاح والتفاعل الإيجابي مع كلّ القضايا والمستجدّات، فلا يكون الإنسان المعقّد، والإنسان المريض، والإنسان المنغلق الذي يتغذّى على العصبيات والأنانيات السالبة لكلّ شكل من أشكال الحياة الطبيعية، فلا يمكن أن تكون خاشع القلب والشعور، وأنت تحمل غلّاً على أحد، أو تحمل حقداً وحسداً أو عصبية عمياء تتحامل بها على الناس من حولك، فهذا يتعارض تمام المعارضة مع روح الإيمان والخشوع والفلاح.
إنّ العبادات التي يؤدِّيها الناس ليست طقوساً جامدة، وحركاتٍ جافّة، بل هي حالة تفاعل تعبيرية عن الذوبان الخالص في معنى العبودية، والاستغراق في الشعور بمواطن عظمة الله، وسموّ الروح من خلال الألفاظ المنفتحة على الله بقدر خشوع كيان العبد. وهذه الأُمور كلّها هي دروس يومية لنا، لنستفيد منها في ضبط مشاعرنا وحركة عقلنا وفكرنا وإحساسنا العامّ، لننطلق بعزم وقوّة نحو تجسيد هذه الآثار الإيجابية للخشوع في واقع الناس، بالوقوف على الدوام إلى جانب الحقّ، والدفاع عن الحقيقة، ومحاربة كلّ ظلم واعوجاج، ونشر الوعي والمعرفة النافعة.
إنّ الخشوع هو هذه القدرة الفائقة والمحفِّزة لكلّ حيوية موجودة في كلّ إنسان، إذا التفت إليها وزكّاها، وأخرجها من ذاتها، لينفع وينتفع بها في مسيرته. والخشوع هو الذي يحقّق للتقوى هُويّتها وأصالتها وحضورها المشرق في كلّ الممارسات والأخلاقيات، والعلاقات العامّة والخاصّة.
أن نزرع في أنفُسنا وأجيالنا قيمة الخشوع، هو ما يعزّز من بنيان الذات الفردية والجماعية، ويمنحها المناعة والقوّة والأصالة في مواجهة كلّ التحدّيات والمواقف، ويعمل على إغناء الحياة بكلّ ما يرتقي بها إلى الأعلى.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق