أسرة
القصة الثالثة
"احترامُ المُعلِّمِ وإجلاله!!"
تنويه: (هذه بعضُ قصص احترام المُعلِّم والمُربِّي، واعتبرناها قصّة واحدة لأنّها ذاتُ مضمونٍ متقارب):
1- (سبب حياتي الباقية):
كانَ (الإسكندر المقدوني) مُحِبّاً للعلم شغوفاً به، ولوعاً في الإستزادة منه، وكان إلى جانب ذلك يحبّ معلِّميه ويجلّهم، فقيلَ له ذاتَ يوم: ما بالُ تعظيمك لمؤدِّبكَ أكثرُ من تعظيمكَ لأبيك؟
قال: لأنّ أبي سببُ حياتي الفانية، ومؤدِّبي سببُ حياتي الباقية!!
2- (أوّل مَن فتقَ لساني بالذِّكر):
دخلَ مؤدِّب الخليفة (الواثق) عليه مرّة، فأظهرَ إكرامه وإعظامه.
فقالَ له مَن حوله: مَن هذا يا أميرَ المؤمنين؟
قال: هذا أوّلُ مَن فتقَ لساني بذكِر اللهِ، وأدناني من رحمةٍ الله!!
3- (أعزُّ من هارون):
كانَ العالِم اللّغوي (الكسائيّ) يؤدِّبُ (الأمين) و(المأمون) أولادَ هارون الرشيد، فإذا أراد النهوض من عندهما بعد انتهاء الدّرس، يتسابقان على تقديم نعلِه له، ثمّ يصطلحان أن يُقدِّم كلّ واحد منهما واحدة!
فقال له (هارون) ذاتَ يوم: مَن أعزُّ الناسِ يا كسائي؟
قال الكسائيُّ: لا أعلمُ أعزَّ من أمير المؤمنين!
قال: بلى، إنّ أعزّ الناس هو مَن إذا نهض تقاتل وليّا عهد المسلمين على تقديم نعله له!!
وقيل: زادَ في عطائه على حُسنِ أدبه لهما، وزاد في عطائهما على حُسنِ تواضعهما!!
- الدروس المُستخلَصة:
1- المُعلِّم الصالح هو الأب الثاني للطالب، والمُربِّي الثاني للتلميذ، إن لم يكن الأوّل في بعض الحالات والأحيان، فإذا كان الأبُ جديراً بالإحترام والإجلال والإحسان، فالمُعلِّم المُربِّي شأنه شأن الأب، وقد يكون أثره في الحياة أنّه ينقلك من (الفانية) إلى (الباقية)، ومن (الظّلمات) إلى (النور).
2- المعلِّم المُهذِّب، والمُربِّي الفاضل أعزُّ من السلطان، لأنّ السلطان ملكُ الأبدان، والمُعلِّم ملكُ العقول والقلوب والوجدان، ومَن يعرف مقام مُعلِّمه يُوقِّرهُ.
3- قول (الواثق): (أوّل مَن فتقَ لساني)، هو تكريمٌ لأوّل مَن تركَ بصمةً تربويةً وإيمانية وروحيّةً في حياته، ويمكن أن يوسّعَ المفهوم، لنقول عن بعض معلِّمينا الصلحاء:
- أوّل مَن علّمني الصلاة!
- أوّل مَن ربطني بالمسجد وعلّمني القرآن!!
- أوّلُ مَن نبّهني إلى مخاطر أصدقاءِ السوء، وعرّفني إخوة الإيمان!!
- أوّل مَن شدّني إلى المُطالعة والأدب والثقافة!!
- أوّل مَن علّمني الإنضباط واحترام الوقت!!
- أوّل مَن أعطاني درساً في التواضع!! ... إلخ.
القصّة الرابعة
"لا أدري.. لا أعلم!!"
1- جاء شخصٌ ليسأل أحد الفقهاء المشهورين واسمه (الشعبي) مسألةً فقهيّة، فقال له: لا أدري!
فقال السائلُ: ألا تستحي من قولكَ (لا أدري) وأنتَ فقيهُ العراقين (أي الكوفة والبصرة)؟
فقال الشعبي: يا هذا إنّ الملائكة لم تستحِ إذ قالت لله تعالى: (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا) (البقرة/ 32).
2- وسُئل (القاسمُ بن محمّد بن أبي بكر)، وكان أحدَ فقهاء المدينة المُتّفق على علمه وفقهه، عن شيءٍ، فقال: لا أحسنه (أي لا أعرفه ولا أجيده).
فقال له السائلُ: إنِّي جئتُ إليكَ لا أعرفُ غيرَك.
فقال القاسم: لا تنظر إلى طولِ لحيتي، وكثرةِ الناس حولي، واللهِ ما أحسُنه.
فالتفتَ شيخٌ جالسٌ في المجلس إلى اعتراف (القاسم) بجهله، فقالَ له: يا ابنَ أخي إلزمها (أي استمرّ عليها).. فوَالله ما رأيتُكَ في مجلسٍ أنبلَ منكَ اليومَ!!
3- وجاء رجلٌ يستفتي (مالك) مُفتي المدينة في مسألةٍ، فقالَ له مالك، لا أُحسِنُها!! (اي لا أعرفُ الجوابَ).
فقالَ السائلُ: ضربتُ إليك من كذا وكذا (جئتُكَ من مكانٍ بعيد)، وتقول لي لا أُحسِنُها!!
قال مالك: قُل لهم سألته فقال لي: لا أُحسِنُها!!
فقال (القاسم): واللهِ، لأن يُقطَعَ لساني، أحبُّ إليَّ أن أتكلّم بما لا عِلْمَ لي!!
- الدروس المُستخلَصة:
1- يقول الإمام علي (ع): "مَن تَرَكَ قول (لا أدْري) أُصيبت مقاتِلُه".
فليسَ هناك مَن يعلمُ كلّ شيء، وليسَ عاقِلٌ الذين يُجيبُ عمّا لا يعرف مخافة أن يُقال عنه أنّه جاهل، فلئن يُقال عنِّي جاهلٌ أهون من أن أعطي جواباً خاطئاً، بل إنّ قطع اللِّسان أهونُ من الكلام بغير علم!
2- علماءٌ فقهاءٌ لا يستحونَ من قول (لا أدري) و(لا أُحْسِن).. ألا يُعلِّمنا ذلك، نحنّ المُتعلِّمين في أوّل الطريق أن نتواضع أكثر، ونستخدم (لا أدري) و(لا أعْلَم) و(لا أُحسِن) حينما لا علمَ لنا ولا دراية ولا إجادة!!
ارسال التعليق