• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

خصائص القصة الإسلامية

محسن مخملباف

خصائص القصة الإسلامية
أسلوب الطرح: إنّ أسلوب الطرح يعتبر من الأجزاء الثانوية للقصة، ويتوقف نجاح القصة الإسلامية على أمرين: الأوّل: انتخاب فكرة مناسبة وشاملة. الثاني: طرح الفكرة المناسبة بأسلوب إسلامي. وسنتطرق إلى بعض أجزاء القصة في مرحلة الطرح.      المكان والزمان: تقع الحادثة في القصة على يد بطلها في زمان ومكان معينين، وإنّ الزمان والمكان لا يشكلان ظرفاً لوقوع الحادثة بل أبعاداً للفعل والحادثة. وبما انّ النظرة الكونية الإسلامية ترى انّ التفسير المادي للكون يتباين مع واقع الكون، فإنّ حضور عنصري الزمان والمكان في القصة، يعتبر حضوراً كاملاً ولا يتميز بالخصائص المادية فقط. ويستطيع كاتب القصة أن يستخدم جزءاً من المكان الذي مازال مجهولاً لنا. أما الحدود المكانية للقصة الإسلامية فتتمثل بعالمي الغيب والشهادة، وانّ العناصر اللامادية في القصص الواقعية للقرآن لا تتدخل في وقوع الحادثة فحسب وانما تخترق الحدود المكانية والزمنية أيضاً. فعروج الرسول الأكرم (ص) إلى السماء ومشاهدته لسدرة المنتهى، وتبيين قصة أهل الجنّة وأهل النار لا تعني إلا اختراق حدود الزمان والمكان. ويلزم على كاتب القصة الإسلامية أن لا يفكر بالأماكن المستخدمة للحصول على المواضيع (الفِكَر)، إذ انّ التصورات البعيدة لكاتب القصة تستطيع أن تحكي قصة الإنسان الحقيقة. وتضم الحدود الزمنية جميع القصص الراهنة وخاصة الغربية الاتجاه منها ابتداءً من اللحظة التي تولد فيها وانتهاءً باللحظة التي تنتهي فيها، بينما تشكل الكرة الأرضية حدوداً لتلك القصص. وإنّ القصص الغربية المتطورة من حيث اختراق الحدود المكانية والزمانية هي قصص الفضاء الخيالية التي لعبت دوراً مؤثراً في التحقيقات والاكتشافات العلمية. أما في القصة الإسلامية فإنّ المسألة تتعدى هذا النطاق، لأنّ كاتب القصة الإسلامية لا يقوم – في الواقع – باختراق الزمان والمكان فحسب، بل ويسعى لإكمال معرفته الناقصة. كما وانّ حدود القصة الإسلامية تضم مرحلة ما قبل الخلق، والدار الآخرة أيضاً. ولو اسْتُخدمت جميع هذه الأشياء بأسلوب جيِّد لأصبحت حديثة الشكل. حيث يمكن في القصة تحطيم أسوار عالم الدنيا ودخول عالم الآخرة ومشاهدة جميع الأشياء والعودة مجدداً لهذه الدنيا. ومثل هذه القصص تحث الإنسان على التدبر في يوم القيامة، وتقوم من الناحية الأخلاقية بتقليص مجالات التبعية للحياة الدنيا. وتعتبر القصص القرآنية أفضل منطلق للقصص الإسلامية، ذلك انّ جميع الحدود المادية للوقائع تتحطم بسهولة في القصص القرآنية، بعبارة أخرى تتوضح جميع أبعاد الوقائع ومن الناحية المكانية لم يقم أي جدار بين العالم المادي وعالم ما وراء المادة، كما ولا توجد من الناحية الزمنية أيّة حدود بين الدنيا والآخرة، إذن انّ معرفتنا الناقصة هي التي تخلق الازدواجية والمحدودية في الواقع التوحيدي من جهة وفي وحدة الزمان والمكان من جهة أخرى.   الحادثة: عندما يعتبر الوجود الواسع، وجوداً محدوداً، فمن الطبيعي أن يتم تجاهل بعض العناصر الفعّالة والمؤثرة فيه. إنّ أيّة حادثة تقع في الوجود، تأتي نتيجةً للعلاقات المتشابكة بين عناصر كثيرة. وإنّ الذين اعتادوا على تجاهل دور بعض العناصر في تكوين حادثة ما، يعتبرون المحادثة التي بييِّنها الإسلام بشكل كامل وصحيح، بمثابة معجزة. حيث يعتقد هؤلاء انّ المعجزة تنشأ من تدخل عامل في تكوين حادثة خارجة عن علاقات العلل والمعلولات. في حين انّنا نعتقد انّ العناصر التوحيدية والمادية والمعنوية المتعددة، تلعب دوراً في النظام الطبيعي والمنطقي للعالم. ففي قصة موسى والخضر (ع)، وفي قصة أصحاب الفيل، وفي قصة معركة بدر وحنين، وفي قصة إبراهيم (ع)، وفي قصة يوسف (ع) وامرأة العزيز، وفي قصة أصحاب الكهف، وفي قصة البقرة، وفي قصة عيسى (ع)، وفي قصة مريم (ع)، تبدو جميع الحوادث غير منطقية.. فطبقاً للعادة انّ الميت لا يحيا من جديد، لكن هذه المعادلة تفقد معناها في القصص المذكورة، إذ انّ إطالة عمر نوح وأصحاب الكهف تقلب المعادلة المذكورة رأساً على عقب. ونحن نرى في قصة موسى انّ جماداً يتحول إلى كائن، حي، وفي معركة بدر تأتي الملائكة لنصرة المؤمنين. وفي حنين يرى المسلمون، الكفار بعدة قليلة، بينما يرى الكفار، المسلمين بعدة كبيرة. وتتوضح في قصة موسى والخضر فلسفة بعض النقائص الطبيعية. وفي قصة أصحاب الفيل تصبح طير الأبابيل قوة جوية مؤمنة و... إلخ. ومقابل هذه الأشياء نرى في ما يسمى بالقصص الإسلامية انّ الشخص يموت نتيجة لطعنه بالسكين، ويحمر الوجه على أثر صفعة من الضارب، كما وانّ الحركة تنشأ من الفقر المادي لا من القوة المعنوية الغنية. ويحتمل أن يتصوّر البعض انّ القصة الإسلامية تسرد حوادث غير واقعية. فهل انّ القصص القرآنية ليست واقعية لكي توجه للقصص الإسلامية مثل هذه التهم نتيجةً لتبعيتها لتلك القصص؟ فلو حرر الكُتّاب المسلمون قصصاً إسلامية واقعية عن الحرب ولم يقبلها أي شخص فإن مقاتلينا سيقبلونها ذلك انّهم يشاهدون بأم أعينهم كل يوم حقيقة مثل هذه القصص. هل انّ حرارة الجو في شتاء عام 1978 و1979 وبرودته في صيف عام 1980، والفرسان الذين يرتدون ملابس بيضاء ويهاجمون القوات المعادية في الجبهات، وعدم انفجار القنابل التي يطلقها العدو وبقية المسائل الأخرى التي تحدث وتتكرر كل يوم في الجبهات، بعيدة عن الواقع لتكون قصصها غير واقعية؟ كلا، انّ اللاواعية تتمثل بتجاهل هذه الحقائق. وتنشأ نظرتنا هذه من التحليل غير الكامل الذي قمنا به على مر السنين. ومن الطبيعي تماماً أن لا نعتقد بالصورة الكاملة والشاملة للواقع عندما نواجهها – اليوم –. فالقصص الإسلامية ليست حوادث إعجازية، بل كتابة لوقائع الوجود العامة. فلو كان هناك إعجاز فإنّه يوجد في الخلقة المستمرة وفي كل لحظة من لحظات الوجود. والمعجزة تكمن في السير العام للكون ولا تكمن بشكل محض في حادثة ما. إنّ التصورات المادية والأفكار الملتقطة من الإسلام سعت على الدوام للبحث عن عامل مادي لكل حادثة لا مادية. وهنا تصبح عصا موسى أداة إنتاجية وطير الأبابيل بركاناً. هذه الفئة تغط في نوم عميق، فلو اعتبرنا طيرَ الأبابيل بركاناً لاعترفنا بضرورة وجود عامل طبيعي لحل المشاكل الاجتماعية والطبيعية، وهذه المسألة تشكل معجزة بحد ذاتها. إذ كيف يمكن وبالضبط في عام الفيل وعندما كانت مكة محاصرة آنذاك أن ينفجر البركان ويصب أشتاته على رؤوس المحاصِرين لا على رؤوس المحاصَرين؟   التقوى في الوصف والمحاورة: ويمكن على ضوء تقسيم آخر تقسيم القصة إلى جزئين: الأوّل: ما يقوله كاتب القصة (الوصف). الثاني: ما يقوله أبطال القصة (المحاورة). وبما انّ القصة لها ميزتان رئيسيتان، لذلك يلزم مراعاتهما في كلام الكاتب وشخصيات القصّة. أوّلاً: لما كانت القصة فناً، لذلك يجب عدم طرح ما ليس ضرورياً في كلام كاتب القصة وأبطال القصة. ثانياً: وبما انّ القصة الإسلامية فن إسلامي، لذا يجب ان لا تتنافى مع الشرع والأخلاق الإسلامية. إذن فإن التزام كاتب القصة الإسلامية له بُعدان: الأوّل: فني (تكنيكي) والثاني: موضوعي ففي ما يتعلق بالشطر الأوّل نقول؛ إنّ هناك أكثر من كتاب واحد بهذا الصدد. وتؤكد جميعها على عدم وجوب طرح كل ما له واقع أو كل ما يدور. في ذهن الكاتب، لأنّ الأشياء المقبولة هي التي تلعب دوراً مؤثراً في القصة، وإلا فهي زائدة على القصة. إلا انّ هذا الالتزام له بعد آخر وهو البعد الأخلاقي والشرعي، فكاتب القصة لا يستطيع أن يستخدم كلمات بذيئة عن لسان بطل القصة لكون بطل القصة مثلاً إنساناً تافهاً، أو يتعدى الحدود المتعارف عليها عن وصفه للخصوصيات الجسمانية لبطل القصة. على سبيل المثال لا يجوز له أن يصف بعض أجزاء الجسم التي يجب أن تكون مستورة كما يؤكد الشرع الإسلامي على ذلك. إضافة إلى ذلك يلزم على كاتب القصة الإسلامية أن لا يؤكد كثيراً حتى على بعض أجزاء الجسم التي يجوز وصفها. فحجاب المرأة يعتبر ضرورة لازمة للرجل من الناحية الشرعية، وإنّ المرأة تستطيع فقط أن تكشف عن كفيها ووجهها. ومع ذلك لا يحق للرجل أن ينظر إليها. وهذا لا يعني أن يقوم الكاتب الإسلامي بطرد المرأة بشكل كامل من أجواء قصته، بل أن يطرح المرأة كما هي ووفق ما يليق بها. إنّ الكُتَّاب الذين تكون للشخصيات الأنثوية في قصصهم، تواجد فيزياوي محض، لا يدافعون عن المرأة مطلقاً بل يقفون في الصف المعارض لها. فهم يقللون من شأنها وذلك من خلال الأخذ بنظر الاعتبار بُعداً واحداً في وجودها وتجاهل بقية الأبعاد الأخرى. فكاتب القصة الإسلامية يجب أن يعرف أين يتوقف وأين لا يتوقف عند وصفه لشخصية قصته. والقرآن الكريم يصف جمال يوسف (ع) بالشكل التالي: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (يوسف/ 30-31). ومع انّ القرآن الكريم لم يصف أجزاء جسم يوسف (ع) فإنّه قال ما كان ضرورياً. أو انّه عندما يصف رجاء إمرأة العزيز ليوسف (ع) فإنّه لا يؤكد على تفاصيل القضية بل يعبر من جانبها بشكل سريع ليتطرق إلى بقية أجزاء القصة. إنّ التزام كاتب القصة الإسلامية بالمسائل الشرعية لن يقلل من أهمية القصة بل يمنحها موضوعية أكثر. ومما لا شك فيه انّ الكاتب عندما يصمم على كتابة قصة إسلامية قربة لله فإنّ الله سيساعده ليكتب قصة جيِّدة. وبكلمة واحدة انّ جاذبية القصة الإسلامية لا تأتي نتيجةً للإثارات الجنسية أو السياسية كما تفعل بقية القصص وانما نتيجةً لموضوعها الجيِّد.   القالب: يلزم عدم المطالبة – من دون دراسة مسبقة – بحرِّية مطلقة في انتخاب أسلوب طرح القصة أو انتخاب قالب من القوالب. إنّ التاريخ الأدبي شهد لحد اليوم قوالب كثيرة، حيث طرح بعضها دون أيّة ضوابط وكان البعض الآخر غير قابل للطرح على الصعيد العالمي. ومع ذلك كانت هناك قوالب شغلت عقول بعض الأدباء أو أكثرهم لفترة طويلة، لكنها استبدلت في النهاية بقوالب جديدة. إلا انّ القوالب الأدبية والفنية لبعض المذاهب الفلسفية حافظت على وجودها رغم الانتقادات التي تعرَّضت لها. مثلاً انّ الفلسفتين المثالية والمادية ما تزالان تطرحان نفسيهما في عالم الفكر ولهما أنصارهما رغم افتقارهما للأسس القوية. أما الأسباب فهي نفسية واستعمارية. وكذلك الحال بالنسبة للفن والأدب، حيث انّ البعض يعتقد بأنّ أفضل قالب أدبي هو القالب الكلاسيكي. وفي الوقت الذي كان المنهج الواقعي طاغياً على الحقلين الأدبي والفني فإنّ البعض كان يرى الرومانطيقية أفضل قالب للمجالين المذكورين. وفي نفس الوقت قام الزمن بطرد أغلب تلك القوالب من ساحة الأدب والفن أو انّه على الأقل منحها حق الحياة في الاطارات التي تتواجد فيها فقط. أمّا أهم القوالب الأدبية فهي: 1-    القالب الكلاسيكي. 2-    القالب الرومانطيقي. 3-    القالب الواقعي. 4-    القالب الرمزي. 5-    القالب الخيالي. وانّ نوعاً من القوالب الواقعية "أي القالب الواقعي/ الاشتراكي"[1]. يعتبر أشهر قالب أدبي وفني ليومنا هذا، وذلك لحصوله على الدعم الفلسفي من قبل المادية الديالكتيكية وأيضاً لاستخدامه من جانب الاستعمار الشرقي. ومع انّ الأدب الأصيل كان يطرح نفسه على الدوام، إلا انّه كان لفترة من الزمن وبتأثير من التكتلات الأدبية والفنية، والمناورات السياسية، والفقر الثقافي لشعوب العالم المستضعفة، والشخص أو التيار الفلاني، يُصوَّرُ على انّه يخضع للقبول أو التقليد. ولهذا نجد انّ الأدب الإيراني خلال الأعوام الخمسين الماضية كان يستخرج أكثر مقاييس نقده من تصرفات ومقولات مكسيم غوركي وتشخوف وأمثالهما. وليس لنا مجال في هذا البحث لنجزي دراسة تاريخية حول هذه القوالب وسيرها وإتجاهاتها وكيفية ظهورها، وبالتالي أسباب فشلها. لكن بصورة عامة يمكن اعتبار بعض العوامل من مثل تأثير العقائد، والأذواق الشخصية، والظروف الاجتماعية/ السياسية، والتمرد والتجدد أمام كل ما هو قديم، دخلاء. ومما لا شك فيه انّه طالما لا يمكن تجاهل تأثير انتشار الفلسفة المادية في ظهور القالب الواقعي، فيلزم الأخذ بنظر الاعتبار التمرد على الفلسفة المثالية المنحطة التي كانت رابحة آنذاك كمقياس مؤثر في الانفتاح على الواقعية سواء أكان ذلك في الفلسفة أو في الأدب والفن. ورأينا في الجهة المقابلة انّ الهروب من الواقع الجاف والسيء والجامد للواقعية المادية أو اللجوء إلى ما وراء الواقعية والمضي نحو المادة، حتى وإن كانت تتواجد في عالم الذهن أدى إلى الخيال. أمّا الملاحظة الهامة حول هذه القوالب فهي انّ كل قالب من تلك القوالب كان له نقاط قوة، وأيضاً يهتم ببعد واحد من الواقعية أكثر من بقية الأبعاد الأخرى. مثلاً كان أحد القوالب يتطرق إلى الجانب العقلي والمنطقي للواقعية، بينما الآخر يستخدم عنصر الخيال لاستيعاب الواقعية وطرحها. وواحد يبين المحاسن وآخر يؤكد على المساوئ. وواحد يهتم بوحدة الموضوع والزمان والمكان واللحن وآخر يبحث عن التجدد في تمزيق تلك العناصر. والقالب الفلاني يقلد الطبيعة، وآخر يقلد الاجتماعي، وقالب يعود إلى الوراء ويتخذ من اليونان منطلقاً له، وآخر يحدث تجدداً ويخلق آثاره مستلهماً من "عصر الفضاء" الذي لم يأت بعد. وعلى هذا المنوال واحد يلتزم بالجلال واللون والظاهر وآخر مقيد بالمحتوى و... إلخ.   القالب في القصة الإسلامية: ما القالب الذي يلزم أن تستخدمه القصة الإسلامية من بين كل هذه القوالب؟ وهل يمكن تقريب القصة الإسلامية لقالب من تلك القوالب؟ هل يمكن من دون فهم نقاط ضعف الفلسفة المثالية الإدعاء بواقعية الأدب الإسلامي بشكل عام والقصة الإسلامية بشكل خاص وذلك للتخلص من الاتهامات من مثل اتهام المجالين المذكورين بالمثالية؟ هل يمكن اعتبار القصص الإسلامية، قصصاً خيالية وذلك بسبب وجود عالم الغيب والحوادث الغيبية والمعجزات؟ أوانه يلزم اعتبار القصة الإسلامية نوعاً من النتاجات الرمزية؟ من الأفضل لنا بدلاً من اعطاء أيّة أجوبة، أن ندرس القصص القرآنية بمثابة قدوة "للقصة الإسلامية" لنتمكن من مقارنة الخصائص المكتسبة مع بقية القوالب الأخرى. والآن لنتطرق إلى نماذج من القصص القرآنية: وبديهي اننا اخترنا نماذج كثيرة لكي نتوصل إلى نتائج قطعية: (البقرة/ 29-38): "قصة خلق آدم واعتراض الملائكة، سؤال الخالق وجواب الملائكة، سجود الملائكة لآدم وامتناع إبليس عن السجود، اسكان آدم وزوجه في الجنّة والأكل من ثمارها، الشيطان خدع آدم وزوجه فاقتربا من الشجرة الممنوعة، فطردهما الله من الجنة، وشعر آدم بالندم".   (البقرة/ 39-100): "قتل أبناء بني إسرائيل من قِبَل فرعون، نجاة بني إسرائيل من سلطة فرعون، انشقاق البحر، ذهاب موسى (ع) لجبل طور، مجيء الصاعقة، إماتة بني إسرائيل واحياؤهم نتيجة لطلبهم بخصوص رؤية وجه الله، انشقاق الحجر وظهور لطلبهم بخصوص رؤية وجه الله، انشقاق الحجر وظهور اثنتي عشرة عيناً واختصاص كل فئة بمشربها، طلب بني اسرائيل للخضروات والبصل والعدس ونزول العذاب الإلهي، الصيد في يوم السبت بعد تحريمه، حكم ذبح البقرة والذرائع التي افتعلها بنو اسرائيل حول نوع البقرة ولونها وعمرها والاستهزاء بكلام موسى، إحياء الرجل القتيل وشهادته على قاتله".   (البقرة/ 101-103): "قصة القوم الذين كانوا في ملك سليمان يتبعون السحرة، وإرسال الله الملكين ليأتيا إلى الأرض ويشرحا للناس حقيقة السحر".   (البقرة/ 123): "قصة ابراهيم، وانتخابه، وبناء الكعبة".   (البقرة/ 245-251): "قصة قوم من بني إسرائيل طلبوا من نبي عصرهم بعد وفاة موسى (ع) ملكاً ليقاتلوا في سبيل الله، ثمّ رفضوا طالوت الذي اختاره الله ملكاً، الآية التي بعثها الله بهيئة تابوت وذلك لتأييد طالوت في حين كان التابوت يحوي في داخله السكينة وبقايا من آثار آل موسى وهارون، ومحمولاً من قِبَل الملائكة، وقوف طالوت بوجه جالوت واختبار طالوت قبل بدء الحرب وتحذير طالوت لا أنصاره من مغبة شرب الماء أو حتى تذوقه، وعدم اطاعة هذا الأمر إلا من جانب نفر قليل، بدء القتال وخوف وتذرع الذين شربوا الماء، وانتصار طالوت وتلك الفئة القليلة".   (البقرة/ 257، 258): "قصّة إبراهيم (ع) والكافر الذي كان يجادل في الله وقول إبراهيم (ع): "ربِّي الذي يحيي ويميتُ" وتعقيب ذلك الشخص على كلامه (ع) بقوله: "أنا أحيي وأُميت"، ثمّ قول إبراهيم (ع): "... الله يأتي بالشمس من المشرق فاتِ بها من المغرب..." وعجز ذلك الكافر".   (البقرة/ 258، 259): "قصة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية ثمّ قال: "انِّى يحيي هذه الله بعد موتها". ولذلك أماته الله مائة عام ثمّ أحياه وقال له: "كم لبثت؟" فأجاب قائلاً: "لبثت يوماً أو بعض يوم. فقال له الله: "بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يَتسنَّه وَاْنظر إلى حمارك ولنجعلنك آيةً للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها، ثمَّ نكسوها لحماً فلما تبينَّ له قال أعلمُ أنّ الله على كلِّ شيء قدير"".   (البقرة/ 259، 260): "إبراهيم (ع) سأل ربه عن كيفية إحياء الأموات. فقال له الله سبحانه وتعالى: "أوَلم تؤمن؟" فقال له إبراهيم: "بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي". فقال له الله: "فخذ أربعة من الطير فصُرهُنَّ إليك ثمّ اجعل على كل جبل منهنَّ جزءاً ثمّ ادعُهُنَّ يأتينك سعياً وَاعلم أنّ الله عزيز حكيم"".   (البقرة/ 265، 266): "أيودُّ أحدكم أن تكون له جَنّةٌ من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار فيها من كُلِّ الثمرات وأصابه الكِبرُ وله ذريةٌ ضعفاء فاصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يُبيِّنُ اللهُ لكم الآيات لعلكم تتفكرون".   (آل عمران/ 31-53): "إمرأةُ عمران نذرت ما في بطنها لله، ولما وضعت أنثى سمتها مريم فتقبَّلها الله وكفَّلها زكريا. وكان زكريا يجد عندها رزقاً كما دخل عليها فقال لها: "أنّى لك هذا"؟ فأجابت قائلة: "هو من عند الله". وآنذاك طلب زكريا من الله أن يرزقه ذريةً طيبة، فنادته الملائكة وهو يصلي في المحراب بأنّ الله يبشره بطفل اسمه يحيى. فقال زكريا: "انَّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر". ثمّ قالت الملائكة لمريم انّ الله يبشرها بالمسيح عيسى بن مريم يكلم الناس في المهد. ثمّ تسأل مريم: "انَّى يكون لي ولدٌ ولم يمسني بشر". فقيل لها: "... كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فيقول له كن فيكون". ثمّ يصبح عيسى (ع) نبياً لبني اسرائيل، ويخلق من الطين طيراً ويحيي الموتى ثمّ بنيئ الناس بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم. وعندما أحس منهم الكفر قال: "من أنصاري إلى الله" فقال الحواريون: "نحن أنصار الله". فقال الله لعيسى: "... إنِّي متوفّيك ورافِعُكَ إليَّ ومطهِّرُكَ من الذين كفروا..."".   (آل عمران/ 118): "قصة معركة بدر، ومجيء ثلاثة آلاف من الملائكة لتقوية عزيمة المؤمنين".   (المائدة/ 23، 30): "طلب موسى من بني اسرائيل أن يدخلوا الأرض المطهرة فقالوا له: "إنّا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربُّك وقاتلا إنّا ههنا قاعدون"". إنّ التدبر في هذه القصص يرينا بوضوح انها لا تقبل المقارنة أو التشبيه مع أي قالب من القوالب الموجودة. وإذا كانت تشبه أحد القوالب من زاوية واحدة فقط، فإنها تكون من زاوية أخرى شبيهة بقالب آخر. وبصورة عامة انّها تتباين مع جميع القوالب. ومع انّ ابداء الرأي حول قالب القصص القرآنية يعتبر أمراً بسيطاً لأهل الفن، إلّا انّه يتوقف إلى حد ما على نظرة هؤلاء للوجود. ولا يخفى انّ المحققين والنقاد في العالم الذين يؤكدون على المادة بدرجة كبيرة، يعتبرون 99% من القصص القرآنية خارجة عن القالب الواقعي وتتواجد ضمن القالب الخيالي، لأنّ حوادث مثل هذه القصص، هي غير مادية ولا تسودها علاقات العلة والمعلول من نوع (الديالكتيكية/ المادية). ثمّ انّ البعض الآخر يرى القصص القرآنية خارجة عن إطار الخيال، إذ انّ التخيلات في هذه القصص تتبع أصولاً وضوابط معينة لا تتشابه مع أصول التخيل في المنهج الخيالي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، بما انّ أكثر حوادث القصص القرآنية رمزية فانهم يعتبرون تلك القصص رمزية أكثر مما يعتبرونها خيالية. الرمزيون يعتبرون هذه الظاهرة الجديدة نوعاً من العجائب ويشككون فيها وهم بالتالي يضعونها في قالب آخر. ففي الآثار الرمزية لا يتشابه ظاهر القصة مع المحتوى. على سبيل المثال انّ قصة (كليلة ودمنة) تطرح المسائل الإنسانية في قالب الحيوانات رغم انّ مقصود الكاتب ليس الحيوانات، إذ انّ الكاتب وقُراءه يعرفون حق المعرفة انّه طرح المسائل الإنسانية في قالب المسائل الحيوانية لسبب ما، ولم يهدف مطلقاً إلى طرح مسألة حيوانية. أمّا في قصص القرآن فعندما يتم الإشارة إلى عصا موسى وكلب أصحاب الكهف فإنّ تلك الإشارة لها معانٍ متعددة. لكن وعلى أيّة حال فإنّ واقع القضية هو عصا موسى وكلب أصحاب الكهف وليس أداة الإنتاج أو الفئات التي تترصد أعمال الناس وتحركاتهم وأقوالهم. إنَّ أحد أصول تفسير القرآن الكريم هو أن يكون ظاهر القرآن غير مختلف عن باطنه. وليس لأي مفسر الحق في أن يأتي بتفسير آخر لحدوث ثقب في السفينة في قصة موسى والخضر. ومع انّ الغرض الرئيسي في تلك القصة يتمثل بتبيان حكمتها وتوضيح بعض الحوادث التي تبدو غير عادية، إلّا انّ الحادثة التي وقعت بالفعل هي نفس الحادثة المذكورة في القصة وليست حادثة أخرى.  

 الهامش:

[1]- بما انّ الماركسيين يرون انّ "الواقعية/ الاشتراكية" أفضل قالب يمكن استخدامه فاننا نشعر بالقلق من أن يتحرك البعض في إتجاه معاكس له ويطلقوا عليه اسم قالب الأدب والفن الإسلاميين. وهنا يجب القول انّ قالب الأدب والفن الإسلاميين يتأثر بمحتواه الخاص، ولم ينشأ مثل القوالب الأخرى من الأذواق الشخصية أو التحركات المضادة.

وقبل أن يظهر الأدب والفن الماركسيين، بل وحتى قبل ظهور الماركسية نفسها، كان الإسلام بما فيه الأدب والفن مطروحاً على الصعيد العالمي. وهذا القلق تثبت ضرورته عندما نشاهد اليوم بعض الأشخاص الذين يتصورون انّ الفن والأدب الإسلاميين هما نوع من الخيال. ولذلك فإنهم يفتحون أبواب الفن والأدب بوجه سراديب القرون الوسطى بدلاً من فتحها بوجه العالم اللامادي. كما وانهم يعربون عن ارتياحهم للرائحة الكريهة المسممة للجو بدلاً من لعنها والابتعاد عنها.

المصدر: مجلة التوحيد/ العدد 4 لسنة 1403هـ. ق

ارسال التعليق

Top