• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كرامة الإنسان بروحه

مركز نون للتأليف والترجمة

كرامة الإنسان بروحه

معرفة النفس ومراتبها

النفس والروح في معنى واحد، وهي ذات حقيقة واحدة إلاّ أن لها أبعاداً وجهات متعددة: 1-    جهة رشد ونمو مع نمو الجسد. 2-    جهة حركة وشهوة وغضب.. كما في بقية الحيونات وهذا هو بعدها الحيواني. 3-    جهة كمال، لأنها تدرك وتفكر وتعقل، وهذا هو بعدها الإنساني وهو أسمى المراتب الإنسانية وأرقاها. وبذلك تكون للنفس مرتبتان: مرتبة دنيا، ومرتبة عليا. فالنفس بمرتبتها الدنيا هي حيوانيّة الميول، لها صفات وآثار الحيوان، وتميل كما يميل أي حيوان، وبمرتبتها العليا هي إنسانية ملكوتية طاهرة كاملة، إلا أنها تحتاج لكمالها الى التربية والتهذيب، فالإنسان يحتاج في المرتبة الدنيا الى الماء والطعام والمسكن والهواء والزواج وغير ذلك، فهو حيوان بالفعل، إلا أن النفس تقبل النمو والتربية، وتميل الى الكمال والصفات الكمالية من علم ومعرفة وإحسان وإيثار وعفو واستقامة وصدق وأمانة وشجاعة وكرم وحب للخير ودفاع عن المظلومين وغير ذلك، وبهذا يكون كمالها وبذلك تصل الى مرتبتها العليا.   وإن الذي يجعل الإنسان إنساناً ويميزه عن سائر الحيونات، هو بعده الإنساني وروحه الملكوتية المجردة، وهذا الجانب بالذات هو مورد التكريم الإلهي في قوله تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ آية (70)). كما أن هذا الجانب هو الذي يشكل موضوعاً للتزكية والتربية وليس الجانب الحيواني المادي. صحيح أن الإنسان حيوان وله حاجات على هذا المستوى، لكن تلبية حاجات البعد الحيواني ليست هدفاً بذاتها، بل هي من أجل خدمة البعد الإنساني وتكميل حياته الإنسانية، فلو جعل الإنسان بعده الحيواني هدفاً، ولم يكن همه في الحياة إلا الأكل والشرب واللباس وإرضاء شهواته وغرائزه الحيوانية، لفقد إنسانيته ولسقط في درك الحيوانية وإن كان بصورة إنسان، وهذا ما عبر عنه القرآن في قوله تعالى:(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف/ (179)). أقسام النفس: 1-    قسم يعتبر النفس جوهراً ثميناً وأمراً ملكوتياً جاء من عالم الكمال، وأنها منشأ كل الفضائل والقيم الإنسانية، ولذلك فيجب تربيتها على الأخلاق والقيم، من قبيل قول أمير المؤمنين (ع) :" أنَّ النفس لجوهرة ثمينة من صانها رفعها ومن ابتذلها وضعها". 2-    وقسم يصف النفس بأنها عدو وموجود شرير، وأنها منشأ السيئات، فيجب لذلك محاربتها وتعنيفها، من قبيل قوله تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف/ آية (53)). وقول النبي (ص) :"أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك". ولا تعارض بين هاتين الطائفتين من النصوص، لأن مورد المدح في الطائفة الأولى هو البعد الإنساني، والمرتبة العليا من النفس، بينما مورد الذم في الطائفة الثانية هو البعد الحيواني منها، فإذا قيل: احفظ نفسك وربِّها، فالمراد من ذلك المرتبة الإنسانية. وإذا قيل: اقهرها، فالمراد بذلك المرتبة الحيوانية، وذلك لأن كلا المرتبتين في حالة صراع وتجاذب دائمين، فالذات الحيوانية تسعى دائماً لإرضاء رغباتها وميولها، وتحاول أن تقطع طريق الرقي والتكامل على النفس الإنسانية، وعلى العكس من ذلك، فإن الذات الإنسانية تسعى دائماً للسيطرة على الرغبات والغرائز الحيوانية من أجل طي المراحل الرفيعة للكمالات الإنسانية، حتى تنال مقام القرب الإلهي.

فإذا تغلب البعد الإنساني في هذا الصراع ارتقى الإنسان في مدارج الكمال، ولو تغلب البعد الحيواني فيه انحدر الإنسان في وادي الضلال والإنحراف.

المصدر: كتاب ( دروس في تزكية النفس)

ارسال التعليق

Top