• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«.. والأرض ننقصها من أطرافها»

د. محمّد نبيل النّشواتي

«.. والأرض ننقصها من أطرافها»
◄لقد أضحى معلوماً لجميع الناس أنّ الجبال والهضاب والمرتفعات، وكذلك شواطئ الأنهار والبحار والمحيطات معرَّضة وباستمرار إلى عوامل الحتِّ والتعرية، كالرياح والأمطار والسيول والفيضانات والثلوج الذائبة والأمواج القوية التي ترتطم بشواطئ البحار والمحيطات. تقوم هذه العوامل الطبيعية بتفتيت الطبقة السطحية من قشرة الأرض ثمّ تجرف ترابها وحصاها وصخورها المتفتِّتة بعيداً لتترسَّب في الوديان والسهول وفي أعماق البحار والمحيطات وعلى شواطئها، مما أدَّى تشكّل جبال رسوبية إلتوائية بلغ ارتفاع بعضها 30000 قدم. لقد قدِّرت رمال أمريكا وصخورها المتفتِّتة التي تنتهي في المحيطات بحوالي 513 مليون طن سنوياً، هذا عدا عن المواد الصخرية الذائبة كالمعادن والأملاح التي قدِّرت كميَّتها بـ270 مليون طن سنوياً. وهذا يعني أنّ عوامل التعرية تجرف من سطح الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب من ارتفاع قدم من اليابسة كل 9000 سنة. فإذا كانت مساحة أمريكا ثلاثة ملايين ميل مربع فإنّ المواد المحتوتة (المنقوصة) من جبالها – أي من أطراف أرضها – والتي قدِّرت بـ 5000 قدم تقريباً، ستستقرّ في قاع المحيطين الأطلسي والهادي اللذين يحيطان بأمريكا لتشكِّل فيها جبالاً كبيرة خلال 45 مليون سنة. لقد تبيَّن أنّ بإمكان عوامل التعرية إزالة جبل من الوجود إرتفاعه 5280 قدماً خلال 90 مليون سنة. ومن الأمثلة الحيَّة القريبة لهذه الظاهرة الجيولوجية القرآنية العظيمة: الرواسب والطمي الذي جلبه النيل من أفريقيا أثناء رحلته الطويلة من منابعه، فتشكَّل منها دلتا النيل الذي يعتبر من أخصب بقاع الأرض على الإطلاق، كما تشكل جبل في البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مصبّ النيل بلغ إرتفاعه حتى الآن 23760 قدماً (من قاع البحر). لقد بقي معنى الآية الكريمة: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) (الرعد/ 41)، غامضاً طيلة أربعة عشر قرناً من الزمان، حتى كشف العلم الحديث السرّ الإلهي العظيم الكامن في طيّاتها. ولو جاء معنى الآية صريحاً واضحاً عند نزولها لسخر الناس واتهموا نبي الرحمة (ص) بالمرض والجنون والمسِّ وما شابه ذلك، وليس بعيداً أن يكفر بعض ممن سبق لهم الإيمان؛ لذا شاءت حكمته سبحانه وتعالى أن يؤجِّل إكتشاف معنى هذه الآية وغيرها إلى ما بعد إرتقاء العقل البشري لتصبح عندئذ آية دالّة، وإعجازاً ساطعاً قائماً أبد الدهر، ودعوة دائمة مفتوحة للإيمان بالله وللدخول في رحاب الإسلام.   المصدر: كتاب وجود الله بالدليل العلمي والعقلي

ارسال التعليق

Top