العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله
ليعتبر الحاج أنه ذاهب إلى الله فنحن لا نذهب إلى الحج من أجل أن نطوف طوافاً مادياً حول الكعبة، بل على الحاج أن يتعرّف على البيت من خلال الرموز التي يرمز إليها، وعلى ضوء هذا فإن الطواف في البيت يرمز إلى أنك لا تطوف بأي موقع إلاّ إذا كان هذا الموقع منتسباً إلى الله، فلا تطوف في بيوت الكافرين والفاسقين والمستكبرين والظالمين، لأن من طاف ببيت الله فإن البيت يمثل موقع رضاه، وموقع طاعته، وكذلك فعليك إذا كنت صادقاً في طوافك أن تمتنع عن الطواف بأي بيت يختلف في مضمونه وإيحاءاته وأعماله عن بيت الله.
وهكذا قبل الطواف عندما تحرم أو تلبّي لأن الله دعاك وها أنت تأتي لتحج البيت، وعندما تقول "لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك" فمعنى ذلك أن تقول إجابة بعد إجابة، وهذا معنى كلمة لبيك، وإذا كان الله قد أمر إبراهيم أن يدعو الناس إلى الحج إلى بيته المحرّم فإن الله دعا رسله لحجّه فلقد أمر نبيّه محمّداً (ص) أن يدعوك بأن تتقي الله في كل شيء فهنا إحرام صغير في الحج بحيث تمتنع عن بعض ما أحل الله لك وما حرّم الله عليك. وهناك إحرام كبير في الحياة لابدّ أن تمتنع فيه عن محارم الله. وأما "السعي" فإنه يرمز إلى أنك تسير في هذا الطريق ذهاباً وإياباً أي أن الله أمرك أن لا تحرك خطواتك في أي طريق لا يرضاه الله.
وفي "عرفات" و"المشعر" وفي "منى" تذكر الله أكثر مما تذكر أي شيء آخر، وتعيش التأمل في الله وفي عبوديتك له وفي مسؤوليتك في الصغير والكبير على مستوى القول والفعل والحركة والموقف والموقع والعلاقات بالناس وبالحياة لتخرج من هذه المواقع العبادية الإيحائية بفكر توحيدي لا شرك فيه وبعاطفة توحيدية لا شرك فيها وبخط مستقيم في حياتك الفكرية والعملية لا إنحراف في حالة من الطهارة والصفاء في العقل والروح والإحساس بما يؤكد توازن العقيدة عندك (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً) (البقرة/ 201). أي لا تقتصر على الدنيا وهكذا عندما ترجم الشيطان فعليك أن تستحضر شيطانك الكامن في عقلك الذي يوحي إليك بالأفكار الضالة وفي قلبك حيث يوحي إليك بكل عاطفة ضالة وفي خطواتك حيث يوحي إليك بكل حركة باطلة حتى ترجمه بإرادتك.
وهكذا فقد ورد في بعض الأحاديث عن أحد أئمة أهل البيت (ع) وهو يشير إلى الكعبة قال: "لا يعبأ الله بمن أمَّ هذا البيت إذا لم يكن فيه خصال ثلاث، ورع يحجزه عن الحرام، وخلق يداري به الناس، وحلم يردّ به جهل الجاهل" فعندما تذهب إلى الحج وأنت تعيش حدة الطبع فإن عليك أن تكون في الحج حليماً طيباً أي أن تعيش أخلاقية الحج وتذكر الله أكثر عندما تقف أمام الحرام، وإذا كنت تنفتح على ما حرّم الله فعليك أن تنغلق عنه – بالحج – وإذا كنت سيّئَ الخلق بعيداً عن الإحساس بالواقع الداخلي والتعامل معهم فعليك أن تأخذ بأسلوب المداراة التي تلاحظ الحساسيات والمشاعر والأوضاع المثيرة هنا حتى تكون شخصاً اجتماعياً في خط المسؤولية الإنسانية والإسلامية، لأن المسلم هو الذي إذا غاب عن الناس حنّو إليه وإذا مات بكوا عليه من خلال التفاعل الروحي الأخلاقي في علاقته بهم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق