عن رسول الله (ص): "إنّ الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها".
إنّ القرآن الكريم يعلّمنا أن ننظر إلى أيّ عمل بمقدار ما يثيبنا في الآخرة وما ينسجم مع تكليفنا في الدنيا بغضّ النظر عن إمكانيّة تحقّقه أو عدمها، والإقدام على العمل مهما بلغت تحدياته أو صعوباته، فإنّ موسى (ع) دخل على فرعون وهو لا يحمل إلّا عصاه قائلاً له: "أسلم تسلم".
وقد ورد في الدعاء: "يا محوّل الحول والأحوال حوّل حالنا إلى أحسن الحال". فالمؤمن يطمح أن يتحسّن حاله إلى أفضل حال ولا يغنيه مطلق التحسّن ولو كان بسيطاً.
وورد في دعاء كميل بن زياد: "واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك وأقربهم منزلة منك وأخصّهم زلفة لديك".
فطمع المؤمن بأحسن الثواب وأقرب المنازل إلى الله.
ونقرأ في دعاء أبي حمزة الثماليّ: "وعليك يا واحدي عكفت همّتي، وفيما عندك بسطت رغبتي".
من كلامٍ لأمير المؤمنين لابنه محمد بن الحنفيّة لمّا أعطاه الراية يوم الجمل: "تزول الجبال ولا تزل، عضّ على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تدّ في الأرض قدمك، وارم ببصرك أقصى القوم، وغضّ بصرك، واعلم أنّ النصر من عند الله".
وفي هذه الكلمات نقرأ عدّة شرائط لبلوغ الهمّة العالية في النفس:
1- الثقة بالنفس: أي أن لا يتسرّب للنفس أي وهن أو شكّ في أنّه غير قادرٍ على فعل هذا العمل، وهذا ما عاناه أمير المؤمنين (ع) من أصحابه الذين كانوا دائمي الخوف من الحرب وجهاد الأعداء وتفوّقهم عليهم.
2- الاستعداد للتضحية: والإيمان أنّ التضحية شرط أساس في تحقّق الإنجازات الكبرى، وهذه سنّة من سنن الحياة جرت على كافة الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين.
3- الثبات والإرادة: فالأمور الجسام لا شك تستبطن الكثير من التحديات التي تحتاج إلى عزيمةٍ قويةٍ لتخطّيها، وعدم اليأس حتى في حالات الإخفاق والفشل.
4- النظر إلى الهدف الأقصى: وعدم الرضا بالأهداف التي تقع في متناول الأيدي ويسهل تحقيقها وإنجازها.
5- عدم التلهّي بصغائر الأمور: فإنّها تُغرق الإنسان في تفاصيل تجعله يحيد عن الهدف المنشود أو تُخفّف من سرعة سيره نحوه.
فالإنسان ينبغي أن يوائم بين أمرين إبقاء النظر على الأهداف البعيدة ومتابعة الخطوات المرحلية التي توصله إلى تلك الأهداف.
6- التوكُّل على الله: أي الإيمان بأنّ الله ينصر عباده وهو معنا أينما كنّا يسمع ويرى ويحفظ عباده ويدافع عنهم.
وما يعني ذلك من الإخلاص والنزاهة في العمل والتحلّي بالروح الرسالية والحذر من السقوط أمام الشهوات.
ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة:
فعن الإمام عليّ (ع) قال: "ما رفع امرء كهمّته ولا وضعه كشهوته".
وعلوّ الهمّة سيف ذو حدّين إذ يمكن استغلالها في الطاعة والعبادة ويمكن استغلالها في المعصية والبعد عن الله، ولذلك اهتمّت النصوص الشريفة ببيان ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة.
1- طاعة الله: من عبادة ونشر للدين وإعلاء لكلمة الحقّ والجهاد في سبيل الله ومساعدة الناس والفقراء وسوى ذلك ممّا يندرج في دائرة الطاعة والتقرّب إلى الله.
فعن الإمام عليّ (ع): "واصرفوا همّتكم بالتقرّب إلى الله".
وفي دعاء للإمام السجاد (ع): "فقد انقطعت إليك همتي". وفي دعاء أخر "وهب لي... همّةً متّصلة بك".
2- النجاة في الآخرة: بطلب العلم ومعرفة عواقب الأمور والتوبة والإنابة، فعن الإمام الباقر (ع): "ولتكن همتك لما بعد الموت".
3- إصلاح النفس والمجتمع: إنّ مبدأ التغيير وإصلاح المجتمع على كافة المستويات من أهمّ ما ينبغي تعويد النفس عليه وحملها على المشاركة في كلّ ما يمكن فعله لخدمة الناس وتلبية حاجاتهم، وعلى المرء أن يبدأ بنفسه أوّلاً ثمّ يتبعه بإصلاح الآخرين.
فعن الإمام عليّ (ع): "إن سمت همّتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، وإنّ تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر عيب".
ومن أهمّ الساحات التي ينبغي أن تتجلّى فيها علوّ الهمّة هي المشاركة الفعّالة في التغيير السياسي والاجتماعي من إعلاء الصوت والاستنكار الميداني ومواجهة الظلم ورفع الفساد بكافّة الوسائل المتاحة.
وعلوّ الهمّة يتطلّب من الإنسان السعي والمثابرة والجد والسهر وعدم الاستسلام للخطأ والإيمان القوي بما يقوم به، ولعلّ من أبرز الأمثلة والمصاديق اليوم ما استطاعت المقاومة أن تحقّقه من إنجازات وانتصارات بفضل ثبات مجاهديها وعلوّ همّتهم وإصرارهم على إلحاق الهزيمة بالعدوّ رغم كلّ التفاوت في العدّة والعتاد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق