◄إنّ الله عزّوجلّ قد فرض على عباده فرائض عدّة، بعضها بدني كالصلاة والصوم، وبعضها مالي كالخُمس والزكاة، وجمعهما معاً في فريضة الحجّ فكان مشتملاً على الواجبات المالية كبذل الهدي. وعلى الواجبات البدنية كالطواف والسعي. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على عِظم هذه الفريضة وأهميتها عند الباري عزّوجلّ.
وممّا يمتاز به الحجّ أيضاً أنّه عبارة عن زيارة لله عزّوجلّ، بذهاب الحاجّ والناسك إلى بيت الله تعالى زائراً له، وعبّر عنه في الروايات بضيف الله، وهذا شرف عظيم لمن تفكّر وفكّر في ذلك، وهذا بدوره يزيد في أهمّية الحجّ ومنزلته.
ومن جهة ثالثة يمتاز الحجّ بأنّه مقسوم، فإنّ الله تعالى يتولى تقديره، فمن كَتَبَ له الحجّ وُفِق إليه وإلّا فلا، فهو كالرزق المقسوم، وقد ورد أنّه يقدر وفد الحجيج في ليلة القدر؛ وهذا يعني أنّ امتثال هذه الفريضة لا يكون إلّا بعد قضاء الله بذلك، وتوفيقه تعالى له وهذا شرف آخر للحاجّ عليه أن يلتفت إليه ليكون شكوراً لله على هذه النِّعمة ولا يكون كفوراً.
آثار الحجّ:
إنّ الجوانب المتعلِّقة بالحجّ كثيرة بعضها عبادي، وبعضها أخلاقي واجتماعي، ونحو ذلك، وسنتناول فيما يلي جانب الآثار المترتبة على «الحجّ» بحسب ما يستفاد من الأدلة الشرعية:
1- من آثار الحجّ: أنّه يغفر الذنوب جميعاً، بل هناك ذنوب مستعصية قد لا تُغفر في غير الحجّ، ولذا ورد أنّ من الذنوب ما لا يغفر إلّا «بعرفات» وإنّما سُمّي «عرفات بعرفات» لأنّه يعترف فيه بالذنب، فهو محل غفرانها ومحوها بإذن الله تعالى، وفي الخبر عن رسول الله (ص) من أنّه قال: «فإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب قدر رمل عالج وزبد البحر لغفرها الله لك». وبالمراد بالرمل العالج الجبال المتواصلة، المحيطة بأكثر أرض العرب.
2- من آثار الحجّ وبركاته أنّه يوجب الحسنات ورفع الدرجات إضافة لما تقدَّم من غفران الذنوب ومحو السيِّئات.
حتى أنّه قد ورد أنّ في الطواف والسعي لوحدهما ستة آلاف حسنة ويحط بهما ستة آلاف سيِّئة ويرفع بهما للحاجّ ستة آلاف درجة.
وفي بعض الروايات أنّه أفضل من عتق سبعين رقبة، وقال رسول الله (ص): «لو أنّ أبا قبيس لك زنته ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما بلغ الحاجّ»، وأبو قبيس اسم لجبل معروف في مكّة يتصف بضخامته.
3- يوجب حصول الخير في الدُّنيا - فضلاً عن الآخرة -، وعن أبي عبدالله الصادق (ع) أنّه قال: «مَن حجّ حجّتين لم يزل في خير حتى يموت».
4- ومن آثار الحجّ أنّه يوجب كون الحجّ ضيفاً لله تعالى، وهذا الأثر لوحده يكفي الحاجّ فخراً وعزّاً، وفي الخبر عن عبّاد بن صهيب قال: «إنّ ضيف الله عزّوجلّ رجل حجّ واعتمر فهو ضيف حتى يرجع إلى منزله».
5- يُوجب الغنى والزيادة في الرزق، والصحّة في البدن وعن رسول الله (ص) قال: «حجّوا تستغنوا».
وعن أبي عبدالله (ع) قال: «قال رسول الله (ص): الحجّ والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد»، والكير هو ما يبنيه الحدّاد من الطين ليحمي الحديد فيه.
وكلّما تكرّر الحجّ كلّما زاد رزقه وقد ورد أنّ مَن حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبداً.
6- يعوِّض عليه ما بذله من المال - وهذا مغاير لسابقه كما لا يخفى - بل في بعض الروايات أنّ الله تعالى يعوِّضه بأكثر ممّا بذل وهذا هو المؤمل من كرم الله عزّوجلّ اللا محدود، وفي الخبر عن الإمام الباقر (ع) قال: «الحاج وفد الله إن سألوه أعطاهم وإن دعوه أجابهم وإن شفعوا شفعهم وإن سكتوا ابتدأهم ويعوِّضون بالدرهم ألف ألف درهم».
7- من آثاره الجنّة، فجزاء الحجّ المقبول الجنّة وهذا يتلاءم مع تقدّم من الأثر الأوّل والثاني ويشير له الخبر الآتي.
8- يحفظ في أهله وماله، ففي الخبر عن الإمام زين العابدين (ع) أنّه قال: «حجّوا واعتمروا تصح أبدانكم وتتسع أرزاقكم وتكفون مؤونات عيالاتكم، وقال: الحاجّ مغفور له وموجوب له الجنّة ومستأنف له العمل ومحفوظ في أهله وماله».
9- يرفع عنه مكاره الدُّنيا وأهوال الآخرة، فعن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: عليكم بحجّ هذا البيت فادمنوه، فإنّ في إدمانكم الحجّ دفع مكاره الدُّنيا عنكم وأهوال يوم القيامة». ويظهر من الخبر المذكور أنّ هذا الأثر مترتب على إدمان الحجّ وتكراره.
10- يرفع العذاب عن الناس في الدُّنيا، فمن المعلوم أنّ الله تعالى قبل الإسلام كان يعاقب على المعصية مباشرة بالزلازل والريح والصواعق والمسخ ونحو ذلك، وبعد بعثة النبيّ (ص) رفع ذلك ببركة النبيّ (ص)، والأئمّة (ع) كما دلّ الدليل، وبركة الاستغفار، وببركة أداء العبادات، والطاعات ولو من بعض الناس، خاصّة الحجّ، فإنّ الحجّ يُطفئ غضب الربّ ويمنع نزول العذاب.
وفي جملة من الروايات: «لولا الحجّ لنزل العذاب»، وفي الخبر عن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: أمّا إنّ الناس لو تركوا حجّ هذا البيت نزل بهم العذاب ما نوظروا».
11- من آثار الحجّ وبركاته أنّه يرفع ضغطة القبر، ويشفع لصاحبه حيث أنّ الحجّ كباقي الأعمال تتجسّد يوم القيامة. في صحيح منصور بن حازم عنه (ع) قال: «مَن حجّ أربع حجّج لم تصبه ضغطة القبر أبداً، وإذا مات صوّر الله الحجّ الذي حجّ في صورة حسنة من أحسن ما يكون من الصور بين عينيه تصلي في جوف قبره حتى يبعث الله من قبره ويكون ثواب تلك الصلاة له».
12- يغفر لأهله وعشيرته: فبالإضافة لغفران ذنوبه وبالإضافة للخير الذي يناله، فإنّ الله تعالى يزيد في إكرامه بأن يغفر لأهله وعشيرته وكلّ مَن يدعو لهم الحاجّ في حجّه.
وفي الخبر عن أبي عبدالله (ع) قال: «إنّ الله عزّوجلّ ليغفر للحاجّ ولأهل بيت الحاجّ ولعشيرة الحاجّ ولمن يستغفر له الحاجّ». ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق