قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103). إنّ العمل من أجل وحدة الأُمّة الإسلامية، وتعزيز تماسكها وتلاحمها، هو من أهمّ الفرائض والواجبات، وإذا كانت الوحدة مطلوبة على كلّ الأصعدة والمستويات، فإنّها أكثر إلحاحاً وضرورة على الصعيد الديني، ذلك أنّ العامل الديني هو من أعمق العوامل وأشدّها تأثيراً على نفس الإنسان وسلوكه.. فالقيم الدينية الصحيحة، حين تأخذ موقعها في نفوس أبناء المجتمع وأفكارهم، تدفعهم إلى أعلى درجات التماسك والتلاحم، وتصنع منهم أفضل واقع وحدوي، وتمنحهم القدرة على تجاوز عوامل التجزئة والنزاع. وهذا ما حصل بالفعل عند بزوغ نور الإسلام، ودخول القبائل العربية إلى رحابه، حيث نقلهم من حالة الفِرقة والاحتراب إلى آفاق الإخوّة والتآلف يقول تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) (آل عمران/ 103).
إنّ النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الرحمة المهداة، والرحمة تختزن فيما تختزن السماحة والعفو والانفتاح والتواصل والتعاون والابتسامة والخلق الكريم، بمولده الشريف نستلهم إصلاح نظرتنا إلى الحياة، وننطلق إلى الإنسانية بالرحمة المحمّدية من خلال تأكيدها في تفاصيل حياتنا الإسلامية على مبدأ أساسي وهو الوحدة بكلّ أبعادها.. فمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) نور الحقّ، ورائد العدل والكرامة لبني البشر. كما وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المستوى الرفيع لوحدة أفراد الأُمّة العربية وتماسكهم، تلك الدرجة العالية التي بلغوها، بأنّهم أصبحوا بمثابة جسد واحد. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى».. هذا العطاء الطبيعي للقيم الدينية الصحيحة، التي تزرع في النفس روح المحبّة للآخرين، واحترامهم، وتربّي على أخلاقيات التعاون وخدمة المصلحة العامّة، وتحصّن الإنسان عن التأثير السلبي للعصبيات العنصرية والقومية والقبلية والفئوية. وكما أنّ الدِّين بقيمه وتعاليمه الصافية يكون مصدراً وصانعاً لأرقى حالات الوحدة والانسجام في الأُمّة. كما قد حذّر القرآن الكريم من استخدام الدِّين أداةً للفِرقة والنزاع، يقول تعالى: (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم/ 31-32)، ويقول تعالى: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى/ 13).
إنّ الوحدة الإسلامية لا تمثِّل مجرَّد شعار، بل هي قاعدة القوّة التي يرتكز عليها الإسلام، ولن نستطيع أن نصنع القوّة إذا لم نرتكز على الوحدة الإسلامية، ما دمنا نمزّق بعضنا بعضاً، ونكفِّر بعضنا بعضاً. قال الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 92)، وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10). وكرّس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مفهوم الوحدة في أحاديثه وسلوكه بشكل يشكّل لنا نبراساً في القيام بهذه المهمّة العظيمة من أجل تسوية مسيرة المجتمع نحو الله تعالى. ولما كان خُلق المجتمع الواحد الخال من التناحر هـو رغبة وهدف كلّ مؤمن، فإنّ الإصلاح هو الطريق الأقصر لذلك. وفي الوقت ذاته فإنّ نمو الروابط الأخوية بين المجتمع هي سعادة الإنسان التواق الى الله سبحانه، وهذا لا يتم إلّا في إصلاح الأُمّة. إنّ الأخوّة الإسلامية كأفراد أو محاور لا تضاهيها أية أخوّة أُخرى من حيث انشداد البعض للآخر نفسياً وجسدياً لأنّهم يتطلعون لأوامر الله تعالى الذي يقول: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/ 4).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق