• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أمين المنبر الواعي

عمار كاظم

أمين المنبر الواعي

  العلم هو الوسيلة الأهم والأنجح في بناء المجتمع في عقيدته، واقتصاده، وإنتاجه، وسياسته، وأمنه، وحلّ المشاكل والأزمات التي يواجهها. القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تتحدث عن العلم والفكر والوعي والبصيرة، فقد جعل القرآن العلم هو الطريق إلى الإيمان بالله، وتأسيساً على ذلك ثبت العلماء في دراساتهم العقيدية أنّ الإيمان بالله تعالى يقوم على دليل العقل والعلم. يقول سبحانه وتعالى: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (المجادلة/ 11). ويقول جلّ جلاله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (طه/ 114). ويقول عزّ وجلّ: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران/ 18). نظرة فاحصة مُتأمِّلة في هذه الاضمامة من الآيات المباركة، وأمثالها كثير، تكشفُ بوضوح كافٍ عن قيمة العلم والعلماء. والقرآن الكريم بالإضافة إلى دعوته إلى التعليم وحضه على طلب العلم يبيّن درجات العلماء ويخاطب ذوي الألباب بقوله عزّ وجلّ: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (الزُّمر/ 9).

كما وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جسِّد الإسلام الحيّ، في حثّه على العلم والتوصية به، يقول: «العلمُ حياة الإسلام وعماد الدين»، وأن يكون العلمُ -بحسب توجيهاته الربّانية- فريضة على كلِّ مسلم، وأن يمتدّ بامتداد الحياة من المهد إلى اللّحدِ، وألا يكون من النوع الذي لا ينفع مَن عَلِمَهُ، ولا يضرّ مَن جَهِلَهُ. يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن أراد العمل منكم فليعلمه وليتقنه»، ويقول الإمام عليّ (عليه السلام): «لا خير في علم لا ينفع»، ورُوي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلّا به»، والغاية من هذا أنّ الهدف من العلم إتقان العمل النافع. فالعلم النافع الذي يرفع مستوى وعي الإنسان، ويجعله منفتحاً على آفاق الحياة الواسعة، وعلى التفكّر في رحاب الله وعظمته، قال الإمام عليّ (عليه السلام): «ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك».

وممّا يؤكِّد أهميّة العلم ودوره في بناء المجتمع المثقّف المتعلِّم أنّ قيمة الإنسان المتقدِّمة والراقية، كما أوضحت الآيات والنصوص، ومكانته ودرجته في عالم الدُّنيا والآخرة، إنّما يُحقِّقها بالعلم والإيمان. ويُحذِّر القرآن من الجهل أشدّ التحذير، جاء ذلك في عرضه لحوار النبيّ موسى (عليه السلام) مع قومه والذي نصّه: قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (البقرة/ 67)، فالنبيّ موسى (عليه السلام) يعوذ بالله من الجهل كما يعوذ أي مؤمن بالله من كلّ شرّ وضرر وفساد وانحراف، وقال تعالى في خطابه للنبيّ نوح (عليه السلام): إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (هود/ 46)، وهكذا يثبت القرآن قيمة العلم والعلماء وأهمّيته في بناء المجتمع. وفي ظلّ هذه الثقافة وهذا المنهج العلمي، نَبغَ العلماء والفلاسفة والمفكِّرون الإسلاميون في مختلف علوم الطبيعة والدين واللغة والأدب والفنون والفلك والرياضيات والطب والكيمياء والصيدلة وعلوم الأحياء والهندسة والمعارف الإنسانية، كعلم الاجتماع والأخلاق والتربية... إلخ، وأسسَ المسلمون للإنسانية الصرح الحضاري الشامخ. وجديرٌ ذكره، أنّ معظم المؤسّسات العلمية في ظل الحضارة الإسلامية نشأت باهتمام مدني ومجتمعي.

العلم يهذّب النفس ويصقلها للأفضل دوماً، وبالتالي فهو السبب في نشوء الحضارات والرقي بالشعوب. فالعلم وجد لتيسير حياة البشر، هذه هي رسالة العلم السامية التي يجب أن تسري في كلّ أرجاء الأرض، ليعم السلام والعمار، والازدهار.

رحل عنا المرحوم السيد محمد أمين السيد جواد شبر خطيب المنبر الحسيني الخطيب الرسالي الواعي ذو الأخلاق العالية والثقافة الراقية ذو البعد الإنساني والإجتماعي الذي كان يحمل هم الأمة وهم المنبر، وانتماؤه لأسرة آل شبر الكرام التي أعطت الكثير وتعرضت للمحن والابتلاءات وقدمت الشهداء وقدمت العلم والعقيدة ودروس في المنبر الحسيني، له مؤلفات عديدة منها خطيب الأمة ومعالجة المشاكل في العلاقات الزوجية، كان وفيا مخلصا للمنبر وكان عطاؤه لا ينضب أبداً. وأخيراً فهو يشرف على المدرسة الشبرية في النجف الأشرف، المدرسة التي أعطت وما زال تعطي وقد رثاه صديق دربه الشيخ عبدالرسول الفراتي بقصيدة رثاء وانتماء:

صعبة لحظة الأسى والوداع

يا أمينا لمنبر السبط ناعي

صعبة لحظة الجفا والفراق

بعد وصل وألفة واجتماع

إلى أن يختم قصيدته الرثائية:

فجزاك الإله أمين عنا

كل خير فأنت للخير ساعي

ولأحبابك أسرة العلم شبر

من محب أبكاه يوم الوداع

صعبة لحظة الجفا والفراق

يا أمينا إلى العقيدة داعي

رحم الله الفقيد العزيز المرحوم السيد محمد أمين شبر ونسأل الله تعالى له المغفرة والرحمة والرضوان ولعائلته الكريمة الصبر والسلوان ولهم في رسول الله أسوة حسنة وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ارسال التعليق

Top