عندما يعيش الانسان الحزن على قضية مرّت عليها القرون المتقادمة، يحتاج الى تسويغ هذا الحزن، ليكون عنصراً فاعلاً في حياته. فما معنى ان تبكي على مأساة حصلت في التاريخ لأناس تحبُّهم من خلال عقيدتك وايمانك وولائك، وأنت تعيش في أكثر من موقع من مواقع حياتك آلاماً قد تكون أقسى من آلام كربلاء وفظائعها، انّ ذلك يعني أنّ حزنك على الامام الحسين (عليه السلام) ليس حزناً انسانياً رسالياً، ولكنّه حزن انفعالي جامد لا يتحرك ليثير فيك حزناً مماثلاً في كلِّ صورة شبيهة بصورة كربلاء.
لقد أراد الامام الحسين (عليه السلام) الاصلاح في الأُمّة، لا الاصلاح في العائلة أو القرية. الاصلاح على مستوى الأُمّة كلّها لا على مستوى الوطن الذي يتأطّر فيه الانسان. لقد انطلق (عليه السلام) ليقول لنا: فكروا في قضايا أمتكم من خلال الاسلام الذي حمله جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاذا ما أردنا ان نتحدّث عن قضية الحريّة على سبيل المثال فيجب ان نثيرها على أساس علاقتها بقضية الحريّة في العالم الاسلامي والعالم بأسره، بحيث لا نجعل خطّ الحرية حركةً قد نَربح فيها شيئاً ويخسر العالم الاسلامي من خلالها أشياء. انّ الامام الحسين (عليه السلام) كان ينظر في ثورته الى الساحة الاسلامية الواسعة، والى الخط الاسلامي الممتد في حياة المسلمين جميعاً. لهذا فانّ معارضته ليزيد لم يعقها كون يزيد خليفةً يعيش في الشام. الامام الحسين (عليه السلام) كان يعيش في الحجاز وبالتالي فان قاده أمر لا يخصه، باعتبار أنّه لا دخل لأهل الحجاز بأهل الشام وعلى كلِّ فريق تدبير أمره ومشاكله، الامام الحسين (عليه السلام) لم ينظر الى القضية من هذا الجانب، ولم ينظر الى يزيد باعتباره مجرد والٍ على الحجاز يمكن ان يُعزَل فَتُحَلّ المشكلة، ولا باعتباره والياً على الشام؛ انما نظر الى يزيد كونه (خليفة المسلمين)، فسلوكه ينعكس سلبياً على السلوك الاسلامي كلَّه، وطريقته في ادارة المسؤولية تنعكس سلباً على كلِّ مواقع المسؤولية في العالم الاسلامي. وعلى أساس ذلك، فقد اعتبر الامامُ الحسين (عليه السلام) مشكلة يزيد مشكلةً تمسُّ الأُمّة كلّها، لا فريقاً معيّناً، لأنّه في موقع حاكم واسع الصلاحيات، في الوقت الذي لا يملك فيه أيّة مؤهلاتٍ فكريةٍ وأخلاقيةٍ وروحيةٍ تسوّغ له ان يكون في هذا الموقع. وعلى هذا الأساس وجد الامامُ الحسين (عليه السلام) أنّ عليه ان يطلق الصوتَ، فالأصوات كانت قد خفت، وأصبح هناك أمر واقع، كلٌّ يقول للآخر: ماذا نفعل وقوة الدولة أقوى من قوة الأفراد؟! وكأنَّ عليهم الاستسلام للدولة. انّ حركة الامام الحسين لم تكن حركةً نحو الفتح الكبير على مستوى الواقع، ولكنها كانت حركةً نحو الفتح الكبير على مستوى الذهنية الاسلامية التي يريد ان يطلقها باتجاه قضايا الحرية والعدالة، والمنهج الاسلامي القويم. وعندما طرح الامام الحسين (عليه السلام) هذه المسألة، طرحها بفرض ان تفتح عقول الناس على هذه العناوين، وأن تفتح أرواحهم الناس على تحسّس مثل هذه الأمور. ولم يكن في أسلوبه يتحرّك من موقع العنف؛ فقد خاطب الناس قائلاً: «من قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقِّ» كأنّه يريد ان يقول للناس: فكروا في كلماتي وفي طروحاتي ومواقفي؛ ولا تستغرقوا في ذاتي، ولكن استغرقوا في الخط الذي أطرحه عليكم، وفي الواقع الذي أنبهكم الى كلِّ ثغراته وسلبياته. ومن رد عليّ ولم يقبلني، فانّما يكون رافضاً الحقّ الذي جئتُ به، وانطلقت فيه صابراً حتى يأتي الوقت الذي ينفتح الناس فيه على الحقِّ دون ان أتراجع أو ان أسقط أو أتعقد، ولكنني أتابع قول كلمة الحقّ الآن وبعد الآن.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق