إنّ الحديث عن المخدرات، هو حديث المآسي والحوادث المؤسفة والآثار المترتبة آنياً ومستقبلياً على صحّة المتعاطي للمخدرات، وعلى مَن حوله من ذويه وأرحامه وأصدقائه. إنّ تعاطي المواد المخدرة، أيّاً كان نوعها أو وضعها الاجتماعي أو القانوني، هي مواد ذات خطورة كبيرة وأضرارها المباشرة وغير المباشرة تشل حركة المجتمع الإنساني وتضر بأخلاقه واستقراره وأمنه ومصادر عيشه. لذلك تعتبر مشكلة تعاطي المخدرات من المشكلات التي تؤثر في بناء المجتمع وأفراده لما يترتبُ عليها من آثار اجتماعية واقتصادية سيئة تؤثر على الفرد والمجتمع، كما أنّها ظاهرة اجتماعية مرَضية تدفع إليها عوامل عديدة، بعضها يتعلق بالفرد والبعض الآخر بالأسرة والثالث بالبناء الاجتماعي ككلّ ممّا يشكل تهديداً لكيان المجتمع وأفراده.
إنّ الوقاية وبناء الحصانة الذاتية والمجتمعية هي أفضل إستراتيجية لمواجهة المخدرات على المستوى بعيد المدى. من المهم بناء وتعزيز قدرات الشباب الفكرية والاجتماعية والسلوكية، وتنمية ثقتهم بأنفسهم، وتبصيرهم بدورهم الاجتماعي العام، وتسهيل سُبل الإنجاز لهم. كما ولابدّ من الإسهام في تنشئة جيل قوي واثق من نفسه، يسعى أكثر نحو تحقيق إنجازات إيجابية وليس مرهوباً أو مسكوناً بالخوف، من ارتكاب أخطاء أو التعرض لمخاطر الوقوع فريسة أو ضحية لآخرين. وممّا ينبغي الإشارة إليه، هو أهمية توعية الوالدين وتبصيرهم وتدريبهم على مهارات الأبوة والأمومة، وحُسن التعامل مع أبنائهم، خاصّة مع الأطفال في سن النماء والتنشئة والتغيرات الجسدية والعاطفية. ما تسمى مرحلة المراهقة حيث إنّ سوء معاملة الأسرة قد يدفع الأبناء إلى مصادر التوجيه والاهتمام خارج الأسرة، حيث رفاق السوء وقناصو الانحراف.
وكذلك الدولة التي تضع قانوناً يحرّم تعاطي المخدرات وتعاقب على تجاوزه، وتفتح المصحّات التي تعالج المدمنين لإعادة تأهيلهم إلى الحياة الكريمة، وتستخدم وسائلها التعليمية والإعلامية لتثقيف الشبان والفتيات ضد الإدمان، تساهم مساهمة فعّالة وأعظم من أيّة دائرة أخرى من الدوائر المسؤولة.
إنّ الإنسان هو خليفة الله على الأرض، حيث استخلفه الله عليها لبنائها وعمارتها، وهو استخلاف لا سبيل للقيام بأعبائه إلّا بالعقل، لأنّ العقل هو أداة الإنسان في استقبال تكاليف الله وفهمها ومن ثمّ القيام بأداء دوره على أكمل وجه في بناء وعمارة الكون. ومن هنا فإنّ كلّ تدمير أو تخريب للعقل أو تغييب له وكلّ إهدار لسلامة وصحّة الإنسان هو نقض لشريعة الله، وبناء على ذلك فإنّ الإسلام يحرّم تعاطي المخدرات والمسكرات. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة/ 90-91). ويقول الحديث النبوي الشريف: «لا ضرر ولا ضرار».
إنّ القرآن الكريم، حين يتحدّث عن الإنسان، يتحدّث عنه كقيمة إنسانية، يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُم فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُم عَلَى كَثِير مِمَّن خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70). فهو تعامل مع الإنسان بإنسانيّته، الإنسان العاقل المُدرِك، الإنسان المُريد المختار، الإنسان الأخلاقي الذي يستحسن الخير، ويستقبح الشرّ في سلوكه وأفعاله، ويستشعر قيمتها في وعيه ووجدانه.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق