رسم الإمام الكاظم (عليه السلام)، انطلاقاً من الخطّ الإسلامي العام، منهجاً للإنسان في علاقته بربّه وبمجتمعه وبالحياة من حوله.. ونحن إذ نستذكر هذا المنهج، فلكي ننفتح على إمامته في خطّ تعاليمه ووصاياه وروحانيّته وعصمته، لنزداد من خلال معرفتنا التزاماً بخطِّ أهل البيت (عليهم السلام) وبإخلاصهم وتضحياتهم في سبيل الله. عُرف الإمام الكاظم (عليه السلام) بكثرة عبادته وتهجّده حتى لقّب بـ«العبد الصالح» و«زين المتهجّدين»، وقد روى أحد سجّانيه أنّه سمع الإمام بعد ما أُدخل السجن يقول في دعائه (عليه السلام): «اللّهُمّ إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرِّغني لعبادتك، وقد فعلت فلك الحمد».
وكان (عليه السلام) دؤوباً على قراءة القرآن حيث وصفت علاقته بكتاب الله تعالى في كلام للإمام الرِّضا (عليه السلام): «وكان أبي - الإمام الكاظم (عليه السلام) - أحفظ الناس بكتاب الله تعالى وأحسنهم صوتاً به، وكان إذا قرأ يحزن ويبكي السامعون لتلاوته..». وكان (عليه السلام) كثير الاستغفار، حيث قال (عليه السلام) لأحد أصحابه: «أنا أستغفر الله كلّ يوم خمسة آلاف مرّة». وكان كثير الشُّكر لله تعالى، فعن هشام بن أحمر: «كنت أسير مع أبي الحسن - موسى بن جعفر (عليه السلام) - في بعض طُرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخرّ ساجداً، فأطال وأطال، ثمّ رفع رأسه وركب دابّته فقلت: جعلت فداك، قد أطلت السجود؟ فقال: إنّي ذكرت نِعمة أنعُم الله بها عليَّ، فأحببت أن أشكر ربّي»، وكان يقول في سجوده: «قبح الذنب من عبدك فليحسُن العفو والتجاوز من عندك».
من جانب أخر، كان (عليه السلام) يوصي أصحابه بتهذيب نفوسهم وتنظيم أوقاتهم قائلاً: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثُّقات الذين يعرفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات، ولا تحدّثوا أنفُسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنّه مَن حدَّث نفسه بالفقر بخل، ومَن حدَّثها بطول العمر يحرص، اجعلوا لأنفُسكم حظاً من الدُّنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروءة، وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أُمور الدِّين، فإنّه رُوِي: (ليس منّا مَن ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه)». ومن حِكم الإمام (عليه السلام): «كفى بالتجارب تأديباً، وبممرّ الأيّام عظة، وبأخلاق مَن عاشرت معرفة، وبذكر الموت حاجزاً من الذنوب والمعاصي، والعجب كلّ لعجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء أن (ينزل) بهم كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار إذا اشتعلت في أبدانهم...».
يقول الإمام الكاظم (عليه السلام) لبعض ولده وهو ينصحه: «يا بنيّ، إيّاك أن يراك الله في معصية نهاك عنها ـ اعرف مواقع معاصي الله لتبتعد عنها، واعرف أيضاً أنّ الله تعالى يبغض الذين يعصونه، لأنّهم يبتعدون عن مواقع رضاه، حاول وأنت تعرف مواقع المعصية ألّا يراك الله في معصيةٍ نهاك عنها، لا في كلمةٍ ولا في فعل ـ وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعةٍ أمَرَك بها»، فالطاعات معروفةٌ في ما أمرك الله به وأوجبه عليك، والله تعالى يريد أن يجدك عند مواقع طاعته لتحصل على مواقع رضاه. وفي وصية أُخرى له (عليه السلام) يقول: «يا بنيّ، عليك بالجدّ، فلا تخرجنَّ نفسك من حدِّ التقصير في عبادة الله عزّوجلّ وطاعته، فإنّ الله لا يُعبد حقَّ عبادته ـ مهما صلّيت وصمت، لا تحسبنَّ أنّك أدّيت لله حقّه وعبدته حقَّ عبادته ـ وإيّاك والمزاح ـ والمزاح ليس محرَّماً، لكنّ البعض يغلب المزاح على حياته، بحيث لا تجده إلّا مزّاحاً في طريقته في الحياة ـ فإنّه يُذهب بنور إيمانك ويستخفّ مروءتَك، وإيّاك والضجر والكسل ـ لا تضجر من عملٍ أو دراسةٍ أو عبادة، وحاول أن تكون الإنسان الذي يجدّد رغبته في ما ينفعه في الدُّنيا والآخرة فإنّهما يمنعانك حظك من الدُّنيا والآخرة».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
الهدهد سالم
أحسنتم / أسناذ عمار