◄للإعتذار معطيات وفوائد عديدة على مستوى شخص المعتذر، وكذلك على مستوى العلاقات الزوجية والمحيط الأسري، منها:
أوّلاً: التخلص من تبعات وحقوق الآخرين:
عندما يخطئ الإنسان في حق غيره، ويتجاوز عليه فإنّه قد ارتكب إثماً واحتطب فوق ظهره ذنوباً، وقد تعلقت برقبته حقوق الآدميين، وعليه أن يسارع للخروج من تبعاتها قبل أن يلقى ربه وهو مثقل بتلك الحقوق، ولا طريق إلى ذلك في الحياة الدنيا إلا بطلب الإعتذار والعفو والصفح من أولئك الناس الذين أساء إليهم واعتدى على حقوقهم، وفي حال امتناعه عن ذلك، فإنّ الله عزّ وجلّ سيحاسب المعتدي ويقتص منه، ويرد الحقوق إلى أصحابها حسب الموازين والمعادلات الأخروية، وفي يوم القيامة يُقتص للمظلوم من الظالم وللمعتدى عليه من المعتدي، وذلك بأخذ حسنات الظالم وإعطائها للمظلوم.
فقد جاء في رواية عن الرسول الأكرم (ص) قوله: (إنّه ليأتي العبد يوم القيامة وقد سرته حسناته فيجيئ الرجل فيقول: يا رب ظلمني هذا، فيؤخذ من حسناته، فيجعل في حسنات الذي سأله، فما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة، فإذا جاء من يسأله نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل، فلا يزال يستوفي منه حتى يدخل النار).
وتؤكد التعاليم الدينية على قبح ظلم الإنسان لغيره، وأنّ القصاص ينتظر كلّ معتد أثيم، فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليّ (ع): قوله: (.. الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص هناك شديد، وليس هو جرح بالمدى، ولا ضرباً بالسياط، ولكن ما يستصغر ذلك معه).
والقصاص من المعتدي لا يكون بسبب الاعتداء الصارخ فقط، وإنما يتم القصاص من كلّ معتد، ولو كان فعله يعد في نظر الآخرين أو عند نفسه سهلاً، يسيراً، بسيطاً كالإعتداءات المعنوية التي تُستَسهَل عند البعض.. وكتجاوزات الأزواج على بعضهم بكلمات مسيئة تجرح مشاعرهم، وتؤذي نفوسهم.. وبرغم استصغارهم لها إلا أنّ الله عزّ وجلّ لهم بالمرصاد، حيث يحاسبهم على ما اقترفوه من تجاوزات على غيرهم، لا فرق بين زوج أو زوجة أو أخ.. أو.. فلا تسهل مع المعتدين، ولو كان حجم الإعتداء صغيراً ما دام المعتدي لم يعتذر، ويطلب الصفح والعفو من الآخر.. وليس بمقدور أحد أن يتجاوز ذلك القصاص إذا كان في عنقه حقاً لغيره.. فقد جاء عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر/ 14).. قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة.
ثانياً: إيقاف التداعيات السوداء:
عندما يقوم الشريك الزوجي بالإعتذار لشريكه، فإنّه يؤدي دوراً هاماً يتمثل في إزالة صاعق تفجير المشكلة، ويوقف تفاعلاتها ويحتوي ردود الأفعال السلبية للطرف الآخر، إذ يعمل الإعتذار على تبريد الموقف، وتخفيف الإحتضان والتشنج الشديد، وتهيئة الأجواء للمصالحة، والعودة بالعلاقات الزوجية إلى طبيعتها في كلّ مرة تتعرض فيها إلى انتكاسة.
وإذا كان تقديم الإعتذار للشريك الزوجي يُقرب من طرفي العلاقة الزوجية ويمهد للمصالحة، فإنّ الإساءة التي لا يعقبها إعتذار وتأسف تنتج الإحتقان والضغينة والتباعد بين الطرفين، وتنذر بتداعيات خطيرة على العلاقات الزوجية، وتؤسس لعلاقة متشنجة، وتكرس القطيعة النفسية بين الأزواج.
إنّ لحظة إعتراف واعتذار يمكن أن تطفئ نيران الغضب، وتعيد الأمور إلى نصابها.. يقول الإمام عليّ (ع): (اقبل أعذار الناس تستمتع بإخائهم، وألقهم بالبشر تمت أضغانهم).
ثالثاً: قوة رادعة:
يشكل الإعتذار قوة ردع داخلية للإنسان تذكِّره وتمنعه من الإعتداء على الآخرين والتجاوز عليهم وظلمهم، وذلك لأن الإعتذار يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً.
فطلب الإعتذار والعفو من الآخرين يشعر الإنسان بالضعف والهوان، وهو أمر ثقيل على النفس ومكروه لها، وعندما يستعيد الإنسان ذاكرته في لحظات الإعتذار، ويعيش تلك الأوقات الثقيلة والعصيبة فسيأخذ العبرة والدرس القاسي، وسيحذر من التجاوز على الآخرين، لتجنيب الذات الضغوط النفسية الهائلة جراء ذلك الخطأ والتجاوز..
وتشير التعاليم الدينية إلى هذا المعنى، فقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله: (إعادة الإعتذار تذكير بالذنب).
ومن الواضح أن تكرار الإعتذار في كلّ مرة تذكِّر المعتذر بما تحمَّله من شدائد نفسية جراء تجاوزه على الآخرين، وبالتالي يشكل له رادعاً عن العودة إلى الذنب والإعتداء على الآخرين، وسيفكر ألف مرة ومرة قبل أن يرتكب أي خطأ أو حماقة، فكل إنسان يرغب أن يحتفظ بكبريائه ورفعة نفسه، ولا يمرغها في الوحل، ولا يعرض نفسه للذل والمهانة.
رابعاً: الخلاص من لوم النفس وعذاباتها:
عندما يصدر منا الخطأ لا نستريح، وإنما نتألم، ونتعرض لعذاب الضمير، ونلوم أنفسنا ونحاسبها بقسوة، هذا ما يشعره الأسوياء من الناس ويحسونه، أما أصحاب الضمائر الميتة الذين لا يشعرون بتقصيرهم وتجاوزهم على الغير فلهم شأن آخر!!
كما أن عذاب الضمير الحي لصاحبه يشل قدرته على التفكير والحركة ويجعله أسيراً للمشكلة، وسجين لها، ولا سبيل إلى تحرر الذهن والنفس إلا باعطاء الحق لأصحابه، بطلب العفو والصفح منهم وتخليص النفس من هموم حقوق الغير، والإعتذار هو مفتاح إلى خلاص الإنسان من لوم الذات وعذاب الضمير وإزاحة أثقال التفكير وضغط الهموم، وهو من يعيده إلى طبيعته النفسية السوية.
خامساً: رسالة حب وإخلاص:
يعبِّر الإعتذار عن إعادة تقويم الموقف الخاطئ والتراجع عن الخطأ، وفي نفس الوقت يمكن اعتباره رسالة إيجابية للطرف الآخر تعبِّر عن الحب والتقدير والمودة والرغبة في تجاوز المشكلة، ووصل ما انقطع على قاعدة الاعتراف بالخطأ والتقصير في حق الشريك، حيث أنّه لم يصر على كبريائه وخطأه ويدير ظهره للآخر، ويمضي في طريق الخطأ والإصرار عليه ولا يكترث بحق شريكه.. واختار الرسالة الإيجابية والموقف السليم، وعبَّر عن احترام الآخر، وإخلاصه له، وعبَّر عن إرادته في التراجع عن الخطأ والتجاوز، وكان بإمكانه أن يفعل غير ذلك، ولا يهتم بمشاعر الطرف الآخر وإعادة الإعتبار إليه.
ولا شك أنّ الإعتذار وإعادة الاعتبار يؤسس لعلاقة سليمة بين الطرفين؛ ويرسل رسالة حب وإخلاص يمكن للطرف الآخر أن يلتقطها ويعمل بها عند المواقف المتشابهة.►
المصدر: كتاب آسف قلها وكفى
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق