• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

عقبات في طريق الشباب نحو المستقبل

أسرة البلاغ

عقبات في طريق الشباب نحو المستقبل

◄الطريق إلى المستقبل ليست معبّدة أو مفروشة بالورود، ففيها الكثير من العقبات والصعوبات، ولعلّ حلاوة الهدف تنسي في كثير من الأحيان مرارة الصعاب، وإلاّ فمن يريد مستقبلاً سهلاً فإنّه لن يحصل إلاّ على فتات بسيط لا يتناسب وطموحاته وتطلّعاته كشابٍّ يفترض أن يقف المستقبل باسماً بين يديه خاضعاً لإرادته.

وعلى مَن يبحث عن مستقبل مشرق أن يعدّ العدّة لتحمّل المشاق والعقبات التي تعترض طريقه، ولابدّ أن يكون كالماء الذي تأتي الصخورُ طريقة فيجوزهنّ ويذهب، ومن هنا جاء قول الشاعر:

 

تريدين نيلَ المعالي رخيصةً *** ولا بدّ دونَ الشهد من إبرِ النحلِ

 

وقديماً قيل "مَنْ طلبَ العُلى سهرَ اللّيالي"، وقيل أيضاً:

 

فإذا كانت النفوسُ كباراً *** تعبت في مرادِها الأجسامُ

 

فبعض المشاكل والعقبات يمكن تذليله بالصبر والحكمة والعمل الجادّ المثابر، وبعضها قد يصعب تجاوزه لأنّه ممّا قد لا يقع عامل تذليله تحت يد الشاب أو الشابّة، وهنا يتعيّن الاستعانة بذوي التجارب من الأبوين والأقربين والأصدقاء المخلصين من أهل الخبرة في كيفيّة اجتياز السدود والعقبات، وفي الحديث: "في التجارب علمٌ مستفاد".

  عقبات أُسريّة:

قد تكون العقبة أو المعوّق أسريّاً حيث يقف أحد الأبوين أو كلاهما في طريق المستقبل فيرفضان لابنهما أو ابنتهما أن يختارا حقلاً دراسياً معيّناً، أو أن يواصلا دراستهما، أو أن يعملا في بلد تتاح الفرصة فيه للعمل باختصاصهما، أو أنّهما يتدخلان في اختيار الزوج أو الزوجة.. وما إلى ذلك.

في مثل هذه الحالات تكون الحكمة في التعامل، والقدرة على الإقناع، والرفق في التفاهم عوامل في تذليل العقبات، وتبقى الكلمة في شأن المستقبل حصيلة نقاش يذوّب الحواجز، وإلاّ فهو حقّ الشاب أو الشابّة لا ينازعهما فيه أحد. ولا بدّ للوالدين أن ينظرا إلى مستقبل ابنهما أو ابنتهما على أنّه مستقبلهما، وأنّ سعادتهما هي سعادتهما أيضاً، فلا يكون حرصهما سبباً لتحطيم سعادة ومستقبل أبنائهما وبناتهما.

وقد يتطلّب الأمر الاستعانة بواسطة حميدة من صديق مُقرّب للعائلة، أو قريب له كلمة مسموعة عند الأبوين عسى أن يتمكّنوا ممّا لم أتمكّن، أنا بنفسي منه.

  عقبات اجتماعيّة:

وهناك عقبة المجتمع الذي يعيش عاداتٍ وتقاليد وأعرافاً قد لا تسمح حتّى لبعض الأعمال غير المنافية للخلق والدين، ومع أنّها عقبة تحتاج إلى الزمن الكافي للتغلّب عليها وتغييرها، إلاّ أنّ الشاب الطموح يرفض الاستسلام للسائد الراكد، وربّما كانت المغامرة – لا التهوّر – علاجاً مناسباً في مثل الحالات، ذلك أنّ من بين وسائل تغيير المجتمعات المختلّفة هو أسلوب الصدمات، وإلاّ ما كانت هناك إبداعات المبدعين ونتاجات العباقرة وإنجازات الثوّار وصفحات المصلحين الخالدة.

  عقبات نفسيّة:

وقد لا تكون العقبات خارجيّة، بل داخليّة أي ذاتيّة يعانيها الشاب فتحول دون الانطلاق نحو المستقبل، كالانشغال بالثانويّات والهوامش والجزئيّات، وكالاكتفاء بما نحن فيه وعليه، أي (المراوحة في المكان)، وقد تكون التجارب الفاشلة والصادقة عائقاً دون الإقدام من جديد، أي أنّها تُشكِّل مثبِّطات ومحيطات، وربّما كانت المخاوف الوهمية من استصعاب العمل، أو عدم القدرة على تلبية متطلّباته، أو خشية المنافسة، عاملاً من عوامل الانحسار والقعود.

وقد تكون هناك عقبات كثيرة أخرى، لكنّ المهم أن لا تفتر همّة الشاب أو ينسحب من طريق الجدّ والاجتهاد متذرعاً بما يعترض هذا الطريق:

 

ومن يتهيّب صعودَ الجبال *** يعش أبدَ الدّهر بينَ الحفر

  إنّ (أعداء المستقبل) هم:  

1- الإهمال:

إنّ أيّ إهمال – مهما كان صغيراً – إذا استفحل فإنّه سيؤدِّي إلى كارثة مستقبلية.

ماذا تستنتج من النصّ التالي:

ركب فلاّح فرسه وانطلق إلى المدينة، وقبل أن يركب رأى أنّ إحدى نعلي الفرس ينقصها مسمار، فقال: لا بأس: مسمار زائد أو ناقص لا يؤثِّر شيئاً في سرعة الفرس.

وبينما هو في الطريق سقط نعل الفرس. فقال: لا بأس فإنّه يمكن المشي بالثلاث نعال الباقية! ولكنّ الفرس أخذ يعرج، وتعطّلت حركته، فخرج عليه اثنان من قطّاع الطّريق، فلم يتمكّن من الهرب بسرعة فسرقا منها الفرس وأخذا ماله فرجع ماشياً وهو يقول: ما كنتُ أظنّ أنّ فقد مسمار واحد من نعل الفرس سيكون سبباً لخسارة الفرس!

 

2- التوكّل:

منْ الذين لا يُستجاب لهم دعاء في الإسلام، أولئك الذين يجلسون في بيوتهم أو على قارعة الطّريق، ولا يعملون وهم قادرون على العمل، وإنّما يتّكلون على الدعاء بأن يرزقهم الله ما يكفيهم، لأنّ الله تعالى يقول لهم: ألم آمركم بالطلّب؟ أي ألم أأمركم بالسّعي في طلب الرِّزق وقد مهّدتُ لكم سُبله، وذلّلتُ لكم معايشكم؟

دخل رجل على الإمام جعفر الصّادق (ع) في أسمال بالية وحالة يُرثى لها، وقال له: يا مولاي أدعُ لي الله أن يرزقني فأنا فقير لا أملك قوت يومي!

فقال له الصّادق (ع): لن أدعو لك. فتعجّب السائل: ولِمَ يا مولاي!

فردّ عليه بالقول: "إنّ الله تبارك وتعالى أمرنا بالسّعي في طلب الرِّزق وعدم التواكل"!

إنّ الإتِّكال على (تركة) أو إرث قد تصيبه إذا مات قريب لك، أو على جائزة (يانصيب) قد لا تُصيب، أو على (كنز) تحت جدار.. كالإتِّكال على صيد طير لم تطلق نحو أيّة رصاصة.

المستقبل لا ينتظر المتواكلين البطّالين التنابلة.. قطاره سيفوتهم حتماً، وربّما يسمعون صفيره فقط، ويرونه وهو يمرق مسرعاً أمامهم.. أمّا عرباته فمشغولة بالذين حجزوا مقاعدهم سلفاً!

 

3- التشاؤم:

الذي يُبرِّر قعوده وتكاسله وتقاعده وتقاعسه فيقول: مَن قال إنّني باقٍ لغدٍ، فلماذا أنشغل بالاستعداد له، كم من إنسان استعدّ للغد فأصبح في الموتى، وحتى لو أتعبنا أنفسنا فلن يصيبنا إلّا ما كتب اللهُ لنا.. وما إلى ذلك من نظرات سوداويّة.. ليس له في المستقبل حصّة.

كان أحد الملوك يتشاءم من يومه لو رأى في الصباح رجلاً تدعو هيئته إلى الاشمئزاز، فخرج في صبيحة يوم إلى الصّيد فرأى أعرابيّاً بائساً رثّ الهيئة، دميم الخلقة، فقال لأتباعه: إقبضوا عليه فإنّه شؤم، فأُخِذَ وحُبِسَ ريثما يعود الملك من الصّيد.

في المساء عاد الملك بصيدٍ وفيرٍ، وكان يومه يوم رخاء وسرور، فاستدعى الأعرابي وكان قد سمع بقصّته الملك، فقال له: تشاءمتَ منِّي وكان يومكَ سعيداً، ولقيتكَ فحُبِسْتُ وضُرِبْتُ من غير ذنب، فأيّنا كان شؤماً على الآخر؟!

 

4- القناعة السلبيّة:

الرِّضا بالموجود وكأنّه غاية المأمول وأقصى المجهود مراوحة.. والمراوحة في حقيقتها – لمَن يتأمّلها جيِّداً – تراجع، لأنّ الوقت الذي تمضيه وأنت كالماء الراكد هو وقت يمكن أن تحرزه للتقدّم نحو الأمام، وكلّما طالَ بكَ العهد وأنتَ راكد وراقد وجامد تراجعتَ وأنتَ تدور حول النقطة ذاتها.

انتُقِدَ أحد العمّال القدامى ممّن لم يغادر عمله ولم يُطوِّر مستوى أدائه ولم يُبدع فيه، فقال للناقد: أنا في عملي هذا منذ عشرين عاماً. فقال له الناقد: هذا صحيح أنتَ عملتَ لسنة واحدة ثمّ بقيتَ تلفّ وتدور حولها تسعة عشر عاماً!

 

5- نفاذ الصّبر أو انعدامه:

المستقبل مع الصّبر.. والصّبر مع المستقبل يدور معه حيثما دار، فإذا كنتَ تعاني نقصاً في زاد الصّبر فإنّ طريق المستقبل طويل ولا يواكبه إلّا الذين صبروا، والذين عندهم نَفَس طويل في المواصلة.

دخل الإمام عليّ (ع) المسجد، وقال لرجل: أمْسِك عليَّ بغلتي، فخلع (المؤتمَن) لجامها، وذهب به ليبيعه. فخرج عليّ (ع) بعدما قضى صلاته وبيده درهمان ليدفعهما إليه مكافأة له، فوجد البغلة عُطلّا (أي منزوعة اللِّجام)، فدفع إلى غلامه الدرهمين ليشتري بهما لجاماً، فصادف الغلام اللِّجام المسروق في السّوق، قد باعه الرّجل بدرهمين، فأخذه بالدرهمين وعاد إلى عليّ (ع).

فقال الإمام: "إنّ العبد ليحرم نفسه الرِّزق الحلال بترك الصّبر، ولا يزداد على ما قدّر له"!

تعجّل الحرام ولو صبر لحصل على ما طمع به بالحلال، وقد قيل في الأمثال "العَجَلة فرصة العَجَزة"، وأنّ "الزّلل مع العَجَل"، وأنّ "الأناة نجاة"، وأنّ "مَن تأنّى أدركَ ما تمنّى".. يقول الشاعر:

قد يُدرِكُ المتأنِّي بعض حاجته *** وقد يكونُ مع المستعجلِ الزّلَلُ وربّما فاتَ بعضَ القومِ أمرُهمُ *** مع التأنِّي وكان الرّأيُ لو عجلوا  

6- التسويف والمُماطلة:

إرجاء العمل وتأجيله وتراكمه ثمّ إهماله والتقصير في إنجازه، هو عملية تحايل على الوقت الذي لا يقبل التحايل، فالإرجاء والتأجيل تضييع، لأنّ غداً له قائمة أعماله أيضاً، فإذا رحّلتَ أعمال اليوم أو بعضها إلى الغد وزاحمتها أعمال الغد، فإنّك تضطرّ أن ترحِّلها إلى ما بعد غد، وهكذا فإنّك تُميت مستقبلك أو تقتله بكثرة التأجيلات التي قد لا يحين موعد للوفاء بها.

يقول أحد العلماء في مذكّراته:

"ممّا ندمتُ عليه أشدّ النّدم تضييع أوقات كثيرة كان من الممكن أن لا تضيع ولا نخسر ثمارها، وأوقات الصِّبا لا يساويها من الأوقات شيء؛ لأنّ ما يحصل عليه الشاب من خبرات وتجارب تبقى راسخة في الذِّهن ولا تمحوها الأيّام، بعكس الأوقات المتأخِّرة، فما أسرع ما تذهب عن الذِّهن فيها الحصائل المختلفة. أمّا محصولات بواكير العمر فتسلِّم الإنسان للرّاحة بعد ذلك، فلا تعب بعدها بعكس محاولة التلافي فإنّها مُتعبة"!

وفي بعض الأمثال "أسوأ المياه هي المياه الراكدة"، تلك الساكنة التي لا تجري، ولذا فهي تأسن وتنتن رائحتها فلا تصلح للشرب بل تكون مدعاة للقرف والنفور.►

ارسال التعليق

Top