• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ضعف الرغبة في الدراسة

عبدالكريم بكّار

ضعف الرغبة في الدراسة

◄لو عدنا مئة سنة إلى الوراء، لوجدنا أنّ علاقة التحصيل العلمي المرموق بكسب الرزق لم تكن واضحة بالقدر الكافي؛ بسبب شيوع الأُميّة وضعف مساهمة المعرفة في المنتجات المختلفة. أمّا اليوم، فقد أصبح التزوّد بالمزيد من المعارف والخبرات، واكتساب المزيد من المهارات، هو المدخل الوحيد لرقيّ الأفراد والأُسر والشعوب.

ومن هنا، فإنّ عدم امتلاك الطفل لدافع قوي إلى تحصيل علمي جيِّد، هو عبارة عن مشكلة كبرى لأُسرته، وأعتقد جازماً أنّ مغادرة طفل في الصف الخامس الابتدائي للمدرسة والدراسة، يلحق به من الأذى والإضرار بمستقبله ما يزيد على قطع يده أو فقده للسمع بإحدى أذنيه..

ولهذا، فإنّي أهيب بالآباء والأُمّهات أن يولوا مسألة تفوق أبنائهم في الدراسة، ومسألة إكمال تعليمهم إلى نهاية السلُّم، كلّ اهتمامهم وعنايتهم، وأحثهم على أن يكونوا كرماء في البذل في تدريس أبنائهم في أفضل المدارس المتاحة، وأود أن أؤكّد قبل كلّ شيء، أنّ رغبة الأطفال في التفوق الدراسي ومواصلة التعليم، تصنع صناعة من قبل الأُسر المهتمة والحريصة على مستقبل أبنائها؛ ولهذا، فإنّ إعراض الأطفال عن تحصيل العلم هو ثمرة للبيئة المريضة والسيِّئة التي نشأوا فيها، أو ثمرة للمدارس الضعيفة والمتهالكة التي ينتسبون إليها.

ما المقصود بضعف الرغبة في الدارسة؟

كثيراً ما تختلط الرغبات والدوافع، فنعبّر ببعضها عن البعض الآخر، ومن حيث المبدأ، فإنّ جميع الصغار والكبار يتمنون لأنفُسهم التفوق والنجاح والبروز الاجتماعي، لكن الأُمنيات والأحلام تظل أقرب إلى الأوهام ما لم تتحوّل إلى رغبات مقلقة، وتتحوّل إلى دوافع محركة؟ الدوافع هي طاقة كامنة لدى الطفل تحركه في اتجاه سلوك معين، إنّ الطفل في حاجة إلى دافع كي يسعى إلى التحصيل العالي، وكي يؤدِّي متطلّبات التفوق الباهر، وهو بحاجة إلى دافع يجعل سعيه في سبيل ذلك مستمراً، وكلّ منّا قد رأى الأطفال مندفعين إلى تحصيل العلم في السنوات الأربع من دراستهم الابتدائية، وبعدها أخذت عزائمهم تفتر، وأخذت درجاتهم في المواد الدراسية المختلفة في الانخفاض، وما ذلك إلّا لأنّهم فقدوا الطاقة التي تحملهم على بذل الجهد من أجل تعلُّم جيِّد ومثمر.

مظاهر ضعف الرغبة في الدراسة

1- رسوب الطفل في جميع المواد ورسوبه في مادتين فأكثر على نحو مكرر.

2 - تباطؤ الطفل في كتابة الواجبات المدرسية؛ حيث يشكو كثير من الآباء والأُمّهات من أنّ أطفالهم لا يقومون بأداء ما طلبه منهم معلموهم، إلّا بعد الإلحاح والمتابعة، وحين يقومون بذلك، فإنّهم يظهرون الكثير من التبرم والضيق. ويضاف إلى هذا، الأداء الناقص للوظيفة، وكم من طالب يكلَّف بحلّ خمسة تمارين في مادة الرياضيات، فيحلّ اثنين أو ثلاثة، ويترك الباقي!

3- الحصول على درجات متدنية في ثلاث مواد فأكثر.

4 - البحث عن أعذار تتيح له الغياب عن المدرسة؛ فالطفل غير الراغب في الدراسة يتعلّل يوماً بألم في ضرسه، ويوماً بوجع في معدته، وفي يوم ثالث يقول: سمعت أنّ المدرِّس لن يحضر اليوم، ويدَّعي في يوم رابع أنّ لدى المدرسة حفلاً، ولن يكون مطلوباً من أيّ طالب كتابة أيّ واجب.

5 - أحياناً يكون ذكاء الطفل عادياً، وتكون الدراسة في المدرسة التي يدرس فيها سهلة وقليلة الأعباء، ومن ثمّ، فإنّ الطفل ينجح بتفوق من غير أن يظهر لديه أي رغبة في المطالعة أو تعلق بالكتاب، وهذا الأمر لا يزعج الأهل في العادة، لكنّه يرسل إشارات سلبية؛ حيث إنّ الشغف بالتعلُّم والحصول على المعارف شرط للتفوق الباهر.

كيف نعالج ضعف الرغبة في الدراسة؟

1 - من المهمّ أن أؤكّد المرة تلو المرة، أنّ الرغبة في التعبُّد وعمل الخير وطلب العلم، تصنع صناعة من قبل الأُسرة، ويكتسبها الأطفال من أُسرهم ومعلِّميهم.. وإنّما أؤكّد هذا المعنى، ليعلم الآباء والأُمّهات أنّ ضعف الدافعية لدى أبنائهم إلى التعلُّم والتفوق في الدراسة، هو ـ في الغالب - بسبب تقصيرهم في توجيه أبنائهم، أو بسبب أخطاء ارتكبوها خلال تربيتهم لهم.

2 - الجو الأُسري المحفِّز على التعلُّم قد يكون أهم ما على الأُسر توفيره، وقد شرح أحد الفتيان أسباب حصوله على المركز الأوّل في الثانوية العامّة على مستوى القطر، فقال: إنّ الإنجاز الذي حقّقته كان مفاجئاً بالنسبة لي، وقد لحظت فيه توفيق الله ـ تعالى - وأنا لم أكن في الحقيقة سوى المخرج لعمل بطولي قام به أبي وأُمّي وأُختي الكبيرة، لأنّهم جميعاً بذلوا جهوداً عظيمة في سبيل توفير بيئة تجعل النجاح أمراً غير وارد نهائياً.

3- حين يجد الأب أنّ ابنه لا يرغب في الاستمرار في الدراسة، أو يجد أنّ تحصيله العلمي ضعيف مقارنة بزملائه، فإنّ عليه ألا يكتفي بحثه على بذل المزيد من الجهد؛ بل عليه أن يبحث فيما إذا كان ذلك لسبب نفسي أو جسمي، فقد يكون سمع الطفل ضعيفاً، وقد يكون في حاجة إلى نظارة، وقد يكون بطيء الفهم، فلا يستطيع في كلّ هذه الحالات متابعة المدرِّسين، وقد يكون لديه نوع من عيوب الكلام؛ مثل: (التأتأة) وقد يكون لديه حياء شديد ممّا يمنعه من التحدُّث أمام زملائه.. إنّ معالجة هذه المشكلات يعدّ شرطاً مهمّاً لتقوية رغبة الطفل في التعلُّم ومواصلة الدراسة.

4 - للمكان الذي يدرس فيه الطفل تأثير كبير في إقباله على تحصيل العلم، والحقيقة أنّ المدارس الممتازة دائماً قليلة، والدراسة فيها مكلفة مادياً، ووضوح هذه الفكرة لدى الآباء مهمّ، حتى يستعدوا لتعليم أبنائهم بتوفير نسبة محدَّدة من دخلهم الشهري من أجل إنفاقه على تعليم الأولاد في مدارس وجامعات ممتازة، ولا أُريد التوسع في هذا الموضوع الآن.

لكن أود أن أشير إلى شيء واحد، هو أنّ المدرسة الجيِّدة هي المدرسة التي يتوفر فيها شيئان أساسيان: جدية في التعليم، وشعور المدرِّسين فيها بالرِّضا عن أوضاعهم وأوضاع مدرستهم، وقد ثبت من مشاهدات كثيرة، أنّ ارتفاع الروح المعنوية للإداريين والمدرِّسين، وشعورهم بالانتماء إلى المكان الذي يعملِّون فيه، ممّا يثير روح التفاؤل لدى الطلّاب، ويحفِّزهم على الإقبال على التعليم، هذا يعني أنّ على الآباء النظر إلى المدارس التي يسجّلون فيها أبناءهم من الداخل، وليس من الخارج، والنظر إلى الإنسان الذي فيها أكثر من نظرهم إلى الأبنية والتجهيزات.

5- إذا كانت المدارس هي الأماكن الأساسية لتعليم أبنائنا، فإنّ لها علينا حقّ التواصل والمؤازرة والنُّصح، ولا سيّما بعد التطوّرات الكبيرة التي طرأت على خبراتنا حول التعليم الجيِّد وحول الظروف الملائمة لأفضل تحصيل ممكن، فقد دلّت البحوث والدراسات الكثيرة على أنّ استجابة الطفل لمعلِّميه تكون في أحسن حالاتها إذا كان أسلوب التعليم مثيراً وممتعاً ومشوّقاً، وهذا يحتاج إلى تمتّع المعلِّمين بلياقة عقلية وروحية عالية، ويحتاج إلى توفير مكان أنيق وجميل ومكيّف وثري بوسائل التعليم الحديثة.

المدارس الحكومية تحتاج إلى مساعدة الأهالي من خلال ترتيب علاقات جديدة، وتحتاج من الأهالي التواصل معها لمعرفة أحوال أبنائهم.

أمّا المدارس الأهلية، فنحتاج نحن عند البحث عن مدرسة لدراسة الطفل، إلى التأكد من جودة المدرسة، ونحتاج أيضاً إلى التفاعل والتواصل مع معلِّميها.

6- سيظلّ بنو البشر في حاجة إلى ما يعزّز دوافعهم إلى العمل، وإنّ الثناء والتشجيع والمكافاة على الإنجاز وعلى الكفّ عن بعض التصرُّفات السلبية، من الأُمور التي ينبغي أن يهتم بها كلّ مربّ، سواء أكان أباً أم معلِّماً.

الطفل الصغير جدّاً يحتاج إلى المكافأة المادية أكثر، وكلّما كبر كَبُرت حاجته إلى المكافاة المعنوية، وحين يدخل في مرحلة المراهقة، يصبح تواصل أهله معه وإحساسهم بما يعانيه أفضل ما يمكنه أن يتلقّاه من هدايا ومكافآت. بعض الآباء يضعون معايير عالية جدّاً لإنجاز أبنائهم، وقد رأينا مَن يحصل ابنه على المركز الثالث، فلا يقدِّم له أيّ تهنئة أو هدية؛ بل إنّه يوبّخه لأنّه كان يتوقع منه الحصول على المركز الأوّل، وهذا أسلوب خاطئ في التربية، ونتيجته قد تكون شعور الطفل بالإحباط والعجز. كافِئ، وشجِّع، وفكّر بصمت كيف تكون النتائج أفضل في المستقبل، وكيف يمكن مساعدة الطفل على الوصول إليها. ►

 

المصدر: كتاب مشكلات الأطفال

ارسال التعليق

Top