◄تزداد أهميتنا التاريخية نحن أبناء هذه الحقبة لكوننا شهود اللحظة التي ينعطف فيها التاريخ نحو حقبة جديدة في مسيرته، حيث تقود فيه المعرفة انقلاباً جديداً شبيهاً بالانقلاب الصناعي الذي حدث من قرنين من الزمان، فكما بدلّ ذاك الانقلاب مفاهيم القوة والثروة والتجارة وغيرّ من شكل الدول والحكومات وأعاد رسم الخريطة السياسية، فإنّ ثورة المعلومات المتصاعدة اليوم ومن خلال وسائط النقل المتطورة تعيد المشهد نفسه، حيث تقدم المعرفة نفسها كمصدر أهم للثروة في اقتصاديات عالمنا المعاصر، وتعيد صياغة مفاهيم سياسية واقتصادية واجتماعية بشكل ينسجم مع متطلباتها، بدءاً من مفهوم السيادة بالدولة القومية ومروراً بحركة الأموال والتجارة بالاقتصاد المعاصر وانتهاءً بحركة العولمة التي تجتاح العالم.
لقد أصبحت المعلومة اليوم سلعة باهظة الثمن تتسابق على اقتنائها الجيوش والشركات الكبرى وصُناع القرارات السياسية، حيث أصبح القفز بخطوة استباقية أمام الأحداث المتسارعة تكتيكياً أساسياً في مجال التخطيط الاستراتيجي، مما دفع المفكرين والاستراتيجيين لابتكار نظم تلبي حاجة التكتيك وتوفر المعلومات الاستباقية، فأصبح إيجاد نظم مثل نظام الإنذار المبكر Early Warning System، أو مثل الاستخبارات التنافسية عنصراً أساسياً Competitive Intelligence في استراتيجيات الجيوش والشركات الكبرى ومؤسسات صناعة القرار.
وإذا كان تدفق المعلومات ووفرتها وسهولة الحصول عليها سمة من سمات هذا العصر، فإن تعدد وسائل نقلها وتنوعها وتطورها يواكب وفرتها، إذ أصبح ابتكار تلك الوسائل وتحديثها أمراً يتم بسرعات قياسية لا تعرف الاستقرار، فما يتم إنتاجه من تكنولوجيا اليوم قد يصبح قديماً خلال أشهر قليلة، فسرعة التغيير في هذا العصر هي ميزته، ولهذا يصبح تصورنا لما ستكون عليه وسائل النقل خلال عقدين ونصف من الزمان أمراً صعباً مع تلك السرعة القياسية في التغيير. دعونا نتذكر كيف كان عصرنا قبل عقدين ونصف من زمان مضى، فقبل خمس وعشرين سنة لم يكن هناك كمبيوترات محمولة ولا إينترنت ولا شبكة www ولا هواتف نقالة ولا مكوكات فضائية (Space Shuttles) تدور حول الأرض ولاخراف مستنسخة ولا آلة ذكية (Robots) فوق المريخ، كما لم يكن هناك دمج العمليات الحاسوبية في نشاط المخ الإنساني كخطوة نحو ما يسمى بالإدراك التكنولوجي Conscious Technology ولا خلايا جذعية من البقر والأسماك لإنتاج أنسجة لحوم ولا النانو تكنولوجيا ولا إنتاج الكهرباء من أقمار صناعية مجهزة لتوليد الطاقة الشمسية بشكل يقينا مشاكل الطاقة النووية أو الأحفورية، وكذلك لم يكن هناك الغذاء المفصل (Personalized Food) ولا الهندسة الجينية ولا تطوير القدرة على التفكير من خلال الكمبيوتر ولا أنماط حياة أخرى توجدها الهندسة الوراثية ولا الذكاء الحاسوبي ولا مرض الإيدز ولا تطورات جينية بسبب الإدمان، ولهذا فإنّ الخمس والعشرين سنة القادمة في ضوء تجربة الخمس والعشرين سنة الماضية قد تشهد تطورات وتغييرات حادة في وسائل نقل المعلومات قد لا تكون حاضرة في أذهاننا اليوم، بل قد تكون البشرية في نهاية نصف القرن القادم قد شارفت على نهاية الثورة المعلوماتية التي نشهدها هذه الأيام لتلج عصراً آخر يطلق عليه عصر التكنولوجيا الواعية Conscious Technology.►
المصدر: مجلة الكويت/ العدد 270
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق