"اصنع من نفسك ما استطعت فإنّك ستشعر بالراحة"
لا شيء يسيء إلى المظهر الفتي النشيط مثل وقفة خاطئة للجسم وكتفين مقوستين إلى الأمام.
اللعنة! لماذا هذا الطول؟ أنظر إلى الصور التي تجمعني مع أفراد العائلة وأرى نفسي أفوق الجميع طولاً. لقد تنبأت أختي التي تكبرني بعامين هي أقصر مني ولا تبلغ كتفي، وأنا في التاسعة من عمري بأن مستقبلي سيكون قاتماً وقالت: "سوف لن تحصلي على رجل". لم يؤثر فيّ الكلام حينذاك. وبعد سنوات قلائل وقعت في غرام فتى شاب من صف آخر. وقد دمّر أحلامي بجملة واحدة حين قال لي: "مرحباً! كيف الهواء عندك في الأعلى؟" وبالطبع كان أقصر مني. وبعد ذلك بأعوام حينما انتقلت من فرايبورغ إلى ميونيخ لم أعد أحمل مشكلة طولي على محمل الجد. وهناك وجدت الصداقة مع مجموعة من الرفاق وسرعان ما أعطوني اسماً هزلياً (صيف 77). كنت في البداية فخورة بهذا اللقلب فهو يوحي بالنضارة وخفة الروح والظرافة. ولكن هل تدري لماذا أعطوني هذا اللقب؟. لم يكن (صيف 77) يعني شيئاً آخر إلّا (الجفاف الطويل) فقد مرت في صيف عام 1977 فترة ستة أسابيع لم ينزل فيها المطر ويبست المروج الخضراء والأشجار وحرقتها الشمس، ومن هنا أتاني هذا الاسم، الجفاف الطويل!
مع مرور السنوات لا (تنحني) الثقة بالنفس فقط وإنما (تنحني) الرقبة أيضاً، وهكذا انتهى عهد الطول.
ومع أنّ ثقتي بنفسي لم تنقص ونبوءات أختي القاتمة لم تتحقق والحمد لله فلا تزال لدي بعض المشاكل.
ماذا أعني بذلك؟ هل تعرفون سر النساء الجميلات؟ إنّه يتجلى في وضع جميل للرأس ومشية رشيقة وقامة منتصبة وحركات انسيابية.
وهذا كلّه يعلن عن الشباب والسرمدية والكاريزما.
والآن نأتي نحن المائلون والمقوسون والمنحنون. لقد أضعنا مشيتنا المنتصبة ونجر أنفسنا الآن عبر الحياة بجسم مقوس إلى الأمام. نتعب بعد بضع ساعات لأنّ الأجهزة والعضلات لا تتلقى ما يكفيها من الأكسجين في هذا الوضع المضغوط. من أين ستأتي المشية الرشيقة والحركة الانسيابية؟ هذا ليس الأسوأ. الأسوأ ما ننتظره من الأمراض نتيجة الوضع التشريحي الخاطئ للعمود الفقري.
وبناء على ما تقوله المؤلفة والخبيرة في الأوضاع الصحيحة للجسم السيدة الدكتورة مارتا بودليشاك Martha Podleschak، فهناك العديد من الأمراض التي تنتج عن وضع غير صحيح للجسم، أحب أن أذكر هنا في هذا السياق بعضاً منها:
الانضغاط والإزاحة في مجال القلب والرئتين واحتمال التأثير على تروية العضلة القلبية. النتائج المحتملة: الإضرار بأوعية القلب التاجية ومشاعر الخوف وضيق الصدر.
وحتى لا أحدث صدمة لديكم أترك مجال البطن، بما فيه المعدة والكبد والبنكرياس والأمعاء إلخ... وانتقل مباشرة إلى منطقة الحوض الصغير. وهنا لا أود أن أذكر إلّا بعض الأضرار الممكنة فقط كهبوط الرحم والسقوط المهبلي. وترى السيدة الدكتورة بودليشاك أنّ الكثير من النساء اللواتي استأصلن رحمهن، كن يستطعن الاحتفاظ به لو عرفن أبسط قواعد الصحة وأقلها ألماً للمحافظة على صحتهنّ وهي: الوقفة المنتصبة.
وما الذي نعتقده الآن؟ هو العمر! هو الذي يجعلنا ننحني وحظنا التعيس هو الذي يجلب لنا الآلام. كلا! نحن المسؤولون عن ذلك. وحتى هنا لا نستطيع أن نحمل المورثات إلّا بحدود (30%) من المسؤولية. أما السبعون بالمئة الباقية فتعود إلى موقفنا الداخلي ووقفتنا الخارجية. وغالباً ما تبدأ هذه العملية في المدرسة.
لقد سببنا الضرر لأنفسنا بوضع جسدي غير صحيح دون أن ندرك ذلك، فما هي النتيجة نعم نستطيع إصلاح ما خربنا!
إذا لم تكن تحب أن تنضم إلى تلك المجموعات من الناس ذوي الأرداف المترهلة والبطون المكورة والمفاصل المتصلبة والرقاب الملتوية والأشكال الملتوية، كما تقول مارتا بودليشاك في كتابها، فيجب عليك إذن أن تغير وقفتك ومشيتك ووضع جسدك ككلّ.
جسدنا معمل رائع. إذا أوقفنا العوامل التي تسبب له المرض والأذى فإنّه يستطيع، في مجالات عديدة، أن يجدد نفسه ويرممها.
ليس العمر هو الذي يسبب لنا تلك الحركات المائلة والمؤلمة والمتصلبة. بل هو عدم اهتمامنا بجسدنا ومراعاتنا له. عندما نكون شباباً يكون الجسم سليماً والحاجة إلى الاهتمام به أقل، أما مع التقدم في السن فيتوجب علينا الاهتمام به أكثر وأكثر، وكلما ازددنا سناً ازدادت حاجتنا إلى التدريب اليومي.
والآن أود أن أقول لكم باختصار كيف يمكن أن نسيطر على الوضع الصحيح للجسد.
بينيتا كانتيني Benita Cantieni واحدة من المؤلفين والخبراء الذين طوروا طرقاً من أجل الحصول على وضع جسدي صحيح ومنتصب ودون ألم. وقد روت لي هذه المؤلفة أنّ طولها قد زاد بضعة سنتيمترات وأنّ الطبيب لم يصدق أنّه كان لديها انحناء في العمود الفقري.
تفرغ ساعة في اليوم وقم بالتمارين التي تنصح بها.
ابتعد بسرعة عن بقايا تلك التصورات القديمة إذا كان لا يزال لديك شيء منها. حاول أن يكون لديك طابع شخصي لا يرتبط بزمن سواء كان ذلك في اللباس أو حتى في تسريحة الشعر.
مارغيت بوركهارت/ الترجمة: د. هاني الصالح
المصدر: كتاب التدريب الذهني لمقاومة الشيخوخة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق