حوار مع الأُستاذة ليلى شمس الدِّين
◄تعتبر الإيجابية من الأُمور المهمّة في الحياة الإنسانية، فهي الطريق الموصل إلى هدم الحواجز بين الناس، والتلاقي فيما بينهم، على الرغم من وجود الاختلافات الفكرية والعقائدية والاجتماعية، وحتى السياسية، فالإيجابية هي تلك النافذة التي تبعث فينا الأمل من جديد، لنحيا معاً جنباً إلى جنب، بعيداً عن منطق الإلغاء والتشكيك والتهميش الذي يعتمده مَن يعتنق السلبية منهجاً في حياته؛ هذا المنهج الذي لا يمكن حصره في إطار التعبير والتعاطي السلبي مع الآخرين، بل يطاول طريقة التفكير بمختلف الأُمور في هذه الحياة.
يشبه الحديث عن الإيجابية والسلبية الحديث عن الضوء والظُّلمة، أو الأمل واليأس، لأنّ مَن يمتلك الإيجابية، يعش رحابة التفكير، ويبحث عن النقاط الإيجابية والمشتركة التي تشكّل أملاً في الحياة، فيما يعيش «السلبي» في الحياة عقدة التشبّث بالرأي، وعدم القدرة على تقبُّل الآخر، مهما امتلك من قدرات تستحقّ التقدير.
ماذا يعني أن أكون إيجابياً؟
تعتبر الباحثة في الشؤون الاجتماعية والإعلامية، الأُستاذة ليلى شمس الدِّين، أنّ الشخص الإيجابي هو مَن يمتلك القدرة على إدراك الأُمور وأبعادها بشكلٍ أوسع، وهو القادر على السيطرة على ردود فعله حيال مختلف الأُمور التي يتعرَّض لها بحكمة وتعقّل. والإيجابية فنٌّ يتمثَّل بترجمة ما نفكِّر فيه إلى مواقف وتصرُّفات تحمل القليل من السلبية تجاه النفس والآخر، لأنّ الإنسان الذي يعيش السلبية، لا يعيشها فقط مع الآخرين، بل مع نفسه أيضاً.
وترى شمس الدِّين أنّ الإيجابية أكبر كنزٍ يمتلكه الإنسان في هذه الحياة، وهي عنوان عام يتفرّع منه العديد من الخطوط التفصيلية التي تعتبر أساساً حتى تتحقَّق الإيجابية، وهي تطاول الأُمور التالية:
- الكلمة التي نتلفَّظ بها.
- الرأي الذي نعبّر عنه.
- الفعل الذي نقوم به.
- ردّ الفعل على ما نتعرَّض له.
- نظرتنا إلى الآخر (هل هي فوقيّة أم لا؟).
- طبيعة السلوك الديني والأخلاقي والاجتماعي (هل نتقبَّل الآخر باختلافاته؟).
- طريقة المشي، سواء على القدمين أو من خلال قيادة السيّارة، (هل فيها تعالٍ وتكبّر؟).
الإيجابية في الحياة هي نتاج التربية التي يتلقَّاها الإنسان في البيت والمدرسة والمحيط
أين تصنع الإيجابية؟
توضِّح الأُستاذة شمس الدِّين أنّ الإيجابية في الحياة هي نتاج التربية التي يتلقَّاها الإنسان في البيت، والأسلوب الذي تتعامل به المدرسة معه، إلى جانب المحيط العائلي والاجتماعي الذي يتأثّر به ويتفاعل معه، فضلاً عن أجهزة الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي، فكلّ ما يشاهده الطفل أو يقرأه، يؤثِّر في نفسه، ويُضاف إلى ذلك، العامل الذاتي، مشيرةً إلى أنّ تأسيس الإيجابية أو زرعها، يبدأ خلال فترة الحمل، وذلك من خلال العلاقة التي تربط الأُمّ بالجنين، وتؤسِّس لديه الأحاسيس والانفعالات، لجهة التّلقي والتفاعل.
الإيجابية وصناعة التغيير
وحول فرص التغيير في ظلّ بعض العادات التي تتملَّك الإنسان، لا تنفي شمس الدِّين صعوبة هذا الوضع، إلّا أنّها تؤكّد أنّ تغييرها ليس بالأمر الصعب أو المستحيل، وتقول: «إنّ جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، وإنّ تغيير بعض الأُمور المتعلّقة بالشخصية، لا يعتبر أمراً سهلاً، لأنّه يرتبط بعوامل قد تكون وراثية، ولكن عندما نعي خطورة هذه العادات السلبية، يمكّننا إحداث تغييرات، والتخفيف من وطأة تصرُّفاتنا وانفعالاتنا، إذا ما توافرت المعرفة والاقتناع والإرادة للتغيير، ومن ثمّ الإقدام على التغيير نفسه، لأنّ معرفة الأُمور لا تكفي، وهذا مبدأ عام في الحياة».
وفيما يتعلَّق بمميّزات الشخصية الإيجابية التي تعتمد على التفكير والتصرُّف والتعامل بإيجابية، فإنّ أبرز خصائصها هي:
1. امتلاك المبادرة.
2. التفهُّم والتسامح.
3. التصالح مع الذات.
4. السلام الداخلي.
5. القدرة على تقبُّل الصدمات والتعاطي معها بمرونة.
6. التعامل بسماحة وحُسن خلق مع الآخرين.
وتؤكِّد شمس الدِّين أهمّية هذه الخصائص التي تساعد مَن يمتلكها على فهم مدارك الآخر واستيعابه، وتساهم في ترميم خطوط التواصل معه، مهما كان الآخر يمتلك من سلبية.
الإيجابية والمجتمع السلبي
ويبقى السؤال الأهمّ الذي يحتاج إلى إجابة: ما هي حظوظ الإيجابية في مجتمعٍ يتَّسم بسلبية التعاطي بين أفراده؟ هل تسقط الإيجابية، أم تنتصر على سلبية المجتمع؟
تجيب شمس الدِّين بالقول: «إنّ تأثّر الإنسان بمحيطه أمر طبيعي، فإذا كان المحيط يتَّسم بالإيجابية، فإنّه يأخذها منه، وإذا كان سلبياً، فيكون التحدّي أكبر، نتيجة الصعوبة التي يواجهها في هذه الحالة، وهنا تكمن البراعة أكثر، ويكبر التحدّي، من خلال التمسّك بالإيجابية، وعدم التخلّي عنها، ومواجهة السلبية بإيجابية عالية، لأنّ إحداث التغيير، يتطلّب الجُرأة والقدرة على إبقاء نافذة الإيجابية مفتوحةً مع الآخر، من خلال الكلمة الطيِّبة، والتصرُّف الحسن، والتعامل برفقٍ ولينٍ معه، حتى تنتصر الإيجابية على السلبية في مجتمعنا».
وتختم الباحثة في القضايا الاجتماعية والإعلامية، بتأكيد أهمّية معرفة النقاط السلبية التي نمتلكها، من خلال الفهم الجيِّد لذواتنا، إلى جانب فهم الآخر الذي يمتلك أيضاً نقاطاً إيجابيةً نلتقي فيها معه في هذه الحياة، والعمل على تغيير سلوكنا السلبي في الحياة، دون مللٍ أو كللٍ من التجربة.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق