قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن تعصّب أو تُعصِّب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه».
التعصب والكراهية ظاهرة لها جذورها في تاريخ البشرية، وقد ارتبطت هذه الظاهرة بمفاهيم كالتمييز العنصري والقومي والديني والطائفي ولعلّ كثيراً من الحروب والصراعات، تسبّبت في نشوئها، وما زالت هذه الظاهرة لها تأثيراتها الخطيرة لتشكِّل آفة تنخر في وجودنا الإنساني وعلاقاتنا.
لذلك، حذار من العصبية، وحذار من الخطابات النارية مهما تراكمت الأخطاء، وتعالوا جميعاً إلى الخطوط التي رسمها الإسلام لوأد نار الفتنة، تعالوا إلى «الكلمة السّواء»، وإلى رفض التنازع الذي لا يؤدّي إلّا إلى الفشل وذهاب الريح، تعالوا إلى الحوار الذي لا بديل منه. يقول تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال/ 46).
وهكذا، كان التعصب دائماً أساساً خطيراً لدوامات الصراع التي تسبّبت في تعاسة البشرية، عبر اختلاق الحواجز بين مكوّناتها ووقوفها سدّاً مَرضياً ضد إمكانات التفاهم بين تلك المكوّنات. إنّ الإنسانية نظرت إلى جوهر الديانات والمذاهب من بوابة قيم التسامح والتعايش، إلّا أنّ الإكراه فيها وحالات العداء والصراع مع الآخر يعود لخطاب التعصّب القائم على منطق التشدّد والتطرّف ومركزية الأنا التي تلغي الآخر وهنا تظهر حالات العداء وصراعاته. ومهما بلغ الخصم من الضعف في رأيه والخطأ في محاورته نجد أنّ القرآن الكريم يحاوره من دون أذى أو تسفيه أو تحقير أو نحو ذلك، مما يفسد القلوب ويهيج النفوس ويورث الحقد.
ومثال ذلك محاورة مَن أنكر البعث وقدرة الله في إحياء الموتى، قال تعالى: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ* أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ» (يس/ 78-81).
نحن- المسلمين- بحاجة إلى أن نلتقي جميعاً حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سيّما في ظلّ مَن يسعى ويعمل على تقسيم الواقع الإسلامي، من خلال الفتن المشتعلة في داخله على المستويات كافة. الجميع يتحدث عن الفتنة ومَن يقف وراءها، ولكن الكلّ يقع في أفخاخها ويغذِّيها، سواء من خلال خطابه وكلماته الموتّرة والمستفزّة للحساسيات والعصبيات، أو من خلال الكثير من المواقف والأحكام.
لذلك من الضروري التمسك بالوحدة الإسلامية في مواجهة كلّ مَن يقف في وجهها، أو يعتبر أنّها انتهت، فالوحدة ليست خياراً، بل هي واجب نلتزم به ونعمل على حمايته أمام كلّ هذه العواصف التي تريد أن تضرب واقعنا، وهي عواصف انبعثت من صراعات سياسية يُراد لها أن تحمل أبعاداً مذهبية وطائفية تُسوِّق للفتنة، فيما المطلوب أن يكون شعار المرحلة: «لأسلمنّ ما سلمت أُمور المسلمين».
وفي الختام، يحث ديننا على أن تكون علاقتنا وتعاملنا مع بعضنا البعض بعيدة عن كلّ هذه الأحقاد والنزاعات والحروب والفتن التي تحصل. فيجب أن نسعى إلى تحقيق العدالة في واقعنا، فلا نميّز بين أحد وأحد، أو بين جماعة وجماعة، أو بين طائفة وطائفة. فالعدالة تحفظ الأوطان، وتخفّف الكثير من التوترات الاجتماعية والطائفية والمذهبية. فالشريعة الإسلامية ترفض أيّ ظلم يتعرّض له أي إنسان، لأنه يشكِّل إساءة لقيمنا ومبادئنا، فنحن لا نُفرِّق بين ظالم وظالم، أو بين مظلوم هنا ومظلوم هناك، لأنّنا لا نحدّد مواقفنا على أساس الأشخاص أو الجهات، بل نحن مع القيم، ونحاسب الآخرين على مدى التزامهم بهذه القيم وهذه المبادئ.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق