• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

النجاح من بعد تعثّر

النجاح من بعد تعثّر

◄يقول الروائي روبرت لويس ستيفنسون: «هدف الحياة الوحيد هو أن نصبح كما ينبغي علينا أن نكون، وأن نحقّق ما نحن قادرين على فعله». بمعنى، أنّ الهدف الأسمى في الحياة هو أن تكون على طبيعتك، كيفما كانت تلك الطبيعة. التطوّر الفردي يكشف عن نفسه بشتّى الطُّرق اعتماداً على ظروف الفرد. لذلك، توقع تطوّر شخصي متوافق مع توقعاتنا المُسبقة عنه هو خطأ كبير. فقط لأنّك تشعر أنّك لم تحقّق كلّ ما تسعى له في سن معين لا يعني أنّك لن تتمكن من أن تحقّق ما تستطيع وترغب به. لا توجد نهاية لما يمكن للعقل والجسد تحقيقه، حتى في وقت متأخر من الحياة. مهما كان عمرك أو وضعك الاجتماعي، سيمكنك تعلُّم السعي وراء رغباتك. ربّما لست سوى زهرة تأخرت في إزهارها عن المحيطين بك.

فهم ودفع حدودك  

1- عليك تقرير إن كنت قد تأخرت في إظهار مواهبك. الشخص الذي يُنجِز متأخراً هو الشخص الذي يتمكن من تحقيق هدفه في بعض جوانب الحياة في وقت متأخر عن رفاقه. هذا لا يجعله شخصاً فاشلاً، هو مجرد شخص يحقّق نجاحاته في وقت لاحق. هناك كثير من الطُّرق التي قد يتأخر فيها «إزهارك»:

* التأخر التعليمي: قد يعني هذا أنّ درجاتك المدرسية متوسطة حتى تصل لمرحلة تتفوق فيها وتتخطى الكثير من رفاقك في الامتحانات. ربّما أصبح بوسعك ربط ما تفعله في المدرسة بهدف أكبر في حياتك، أو ربّما قد أصبح بمقدورك استخدام ما تتعلّمه في المدرسة لجعل حياتك أفضل. مهما كان السبب، سيصبح بمقدورك أن تزهر في بيئتك التعليمية إن تمكنت من إيجاد هدف ممّا تتعلمه.

* التأخر الوظيفي: من الممكن أن تمضي أوّل 15 أو 20 سنة من حياتك كبالغ متسائلاً عن المهنة التي ترغب بها لتجدها فجأة وتُبرع فيها. النجاح في حياتك المهنية يتطلب أن تجد شغفاً بما تقوم بعمله. ربّما تشعر بهذا الشغف تجاه الأشخاص الذين تعمل معهم أو الأهداف التي تسعى لتحقيقها. إن كنت لا تشعر بالشغف تجاه هذه الأشياء، حاول سؤال أصدقائك أو المقربين منك عمّا إذ تمكنوا من إيجاد هذا الشغف في وظائفهم، أو يمكنك البحث عن وظيفة أُخرى تُرضي حاجتك البشرية للشغف.

* التأخر الاجتماعي: بينما يحقّق الجميع من حولك أهدافهم الأولى، تبدو فكرة تكوين صداقات جديدة والمواعدة غريبة، وربّما حتى مرعبة، بالنسبة لك. هذا حتى تلحظ في أحد الأيّام أنّ محادثة الآخرين ليست مخيفة كما كنت تعتقد، وحينها ستبدأ دائرتك الاجتماعية بالتوسع.

2- ابحث عن القيود. الكثير من قراراتنا، وخاصّة في بدايات حياتنا، تعتمد على مقدار شعورنا بالأمان في البيئة المحيطة بنا. قدرتنا على تكوين علاقات مترابطة مع الآخرين تعد بنفس الأهميّة. وحتى في مرحلة متأخرة من حياتنا، مخاوفنا التي نبعت في طفولتنا بمقدورها أن تعوق تصرفاتنا.

يمكنك تحدي الريبة بداخلك عبر تحدي القيود المختلفة المفروضة على بيئتك. بهذه الطريقة، ستكتشف إمكانيات جديدة في الحياة.

سيكون عليك اختبار أُمور جديدة في حياتك لتبتعد عن القيود المحيطة بك. فكلّما سنحت لك الفرصة، ينبغي عليك تجربة شيء جديد. الخطوات القادمة ستوفر بعض الاقتراحات لك.

3- قم ببعض التغييرات في نشاطاتك اليومية والبيئة المحيطة بك. يؤمن علماء النفس أنّ طاقاتنا الفردية مرتبطة بشكل وثيق بالبيئة التي نعيش فيها. حاول دفع نفسك خارج نطاق راحتك وقم ببعض التغيرات في ظروفك الحياتية.

تخيل على سبيل المثال أنّك تقضي معظم وقتك وحيداً سواء في المنزل أو منعزلاً في عملك. ما يعني أنّه سيكون من الصعب عليك تنمية صفات تتعلّق بالصحّة البدنية أو التواصل الاجتماعي، حتى وإن كانت تلك الصفات جزء من تركيبك الجيني.

لتتخطى هذه العوائق، ربّما ترغب بالانضمام لصف رياضي أسبوعي، أو تلتزم بالقيام بنزهات أكثر في الحديقة. في كلتا الحالتين، تغيير المشهد من حولك أو دفع جسدك للقيام بشيء جديد سيجعلك منفتحاً لمشاعر وأفكار مختلفة.

4- كوّن علاقات جديدة. إن قابلت نفس الأشخاص كلّ يوم، قد تعيق مقدرتك على النمو. تواصلك مع أشخاص لهم وجهات نظر مختلفة عنك سيساعدك في فهم نفسك والعالم من حولك بشكل أفضل.

قضاء بعض الوقت مع أشخاص جدد سيساعدك في توسيع آفاقك. سيمكنك من تحدي الأحكام المسبقة والصور النمطية وستتكشف أمامك أسلوب حياة مختلف.

ابدأ محادثة مع غريب في مقهى، أو انضم لأحد تلك اللقاءات لمجموعة من الأشخاص يشاركونك نفس اهتماماتك.

إن كنت تشعر بعجزك عن لقاء أشخاص جُدد ولكنّك لازلت ترغب بمحادثة شخص مختلف، فكّر في لقاء مدرب محترف في مجال الصحّة النفسية. سيصغي لك وسيوفر نصائح مختلفة للخروج من نطاق راحتك والتعامل مع الآخرين.

5- اعد النظر في رؤيتك لنفسك. عادةً ما نمنع أنفُسنا من تحقيق كلّ يمكننا فعله بسبب توقعاتنا غير الواقعية عمّا يجب أن نكون عليه. وقد يكون هذا نابعاً من طفولتك، أو توقعات والديك. إجراء مقارنة سريعة على صفحات الفيسبوك من شأنها خلق توقعات غير منطقية عن الحياة.

مهما كان مصدر تلك التوقعات، من المهم تحديها عند شعورك بأنّها تمنعك من التقدّم للأمام. عند مواجهتها، قم بأخذ نفس عميق وركّز على ما يمكنك القيام به في هذه اللحظة لجعل حياتك أفضل.

حاول ربط توقعاتك بالمستقبل بخبراتك في الحاضر. ركّز على عملية تحقيق هدفك بدلاً من القلق على النتيجة.

تخيّل على سبيل المثال أنّك تفكر في حاجتك لصديق جديد. فكر في كيفية تحقيق هذا الهدف بدءاً من هذه اللحظة. أيمكنك تكوين صداقة جديدة بالتفكير فيها فحسب، أم ينبغي عليك محادثة هذا الشخص أوّلاً؟ ربّما إحاطة نفسك بمجموعة جديدة من الأشخاص هي خطوة أولى هامّة.

6- تجنب مقارنة نفسك بالآخرين، فكلّ منّا يتميز بطريقته بقدرات جسدية وعقلية مختلفة، ممّا يعني أنّ كلّ منّا سيتطوّر طِبقاً لإيقاعه الخاص. يحقّق الناس أهدافهم بخطوات مختلفة، كلّ على طريقته.

أواخر العشرينات هي الفترة التي تتوقف فيها أدمغة وأجساد الناس عن النمو بنفس السرعة والإيقاع التي كانت تتبعه في السابق. ولكن تحتفظ أجسادنا بشكل من الليونة على مدار حياتنا، ما يتيح الفرصة لحدوث تغيرات درامية في شخصيتنا وتصرّفاتنا، حتى وإن كان في وقت لاحق من الحياة.

لا يوجد جسدان يتبعان نفس الإيقاع ومسارات التطوّر والنمو. ما يعني أنّه لا توجد مشكلة في وصولك لمراحل التطوّر الثقافية والجسدية بسرعة مختلفة عن الآخرين، حتى أنّه قد يكون على ما يرام ألا تصل لها في بعض الأحيان.

البلوغ، على سبيل المثال، يحدث للأشخاص في مختلف الأعمار. غالباً ما يعتمد على عوامل مثل النوع، ونسبة الدهون في الجسم، والتوتر. فليس هناك جدوى من محاولة دفع جسدك للبلوغ قبل استعداده. ستعرّض نفسك لضغوطات لتحقّق شيء ليس من طبيعتك.

إن لاحظت نفسك تُجري مُقارنات مع الآخرين عن حياتك وقدراتك، خذ نَفساً عميقاً وحاول التركيز على الوقت الحاضر؛ أن تجد سعادتك وشغفك في حياتك اليومية لهي أفضل طريقة لتُزهر وتُصبح نفسك، في أي عمر كان.

7- الاستفادة من تدريبات التنفس والتأمّل. التأمّل وتدريبات التنفس يمكنها توجيه انتباهك لنشاطك الجسدي في الوقت الحاضر. تعدّ هذه من أفضل الطُّرق للسيطرة على الأفكار غير المرغوبة أو الضارة عن الماضي أو المستقبل.

أحد نشاطات التأمّل البسيطة: اختر مكان مريح للجلوس بيديك في حضنك. خذ عدّة أنفاس عميقة واشعر بالهواء يتحرّك من حولك. ركّز على التنفس فحسب. إن بدأ ذهنك بالشرود، ركّز من جديد على التنفس واللحظة الحالية.

 بينما تصبح أكثر تمرساً في التركيز على الحاضر، اسمح لنفسك في الانخراط في تلك النشاطات التي تثير اهتمامك. هكذا يمكن لأهدافك وتوقعاتك للمستقبل أن تنبع من رغباتك الحالية.

استغلال نقاط قوتك

1- تواصل مع جوانبك الخفية. مَن يحققون نجاحهم متأخراً عادة ما يكونون مفكرين عميقين يميلون لمحاولة التحكم في جوانب أكثر في الحياة من أقرانهم.. لكنّك في الأغلب شخص ماهر؛ لذا فابحث عن طريقة تستخدم فيها طبيعتك تلك لصالحك.

ميلك للتفكير ومحاولة السيطرة على الموقف من الممكن أن يعني أنّ الآخرين سيتمكنون من تحقيق أهدافهم أسرع منك. ولكن لأنّك تستغرق في التفكير والتدقيق، عندما تسنح لك الفرصة مُجدداً ستكون حينها مُستعداً لاستلام زمام الأُمور.

تدرّب على الكتابة الإبداعية. إن وجدت نفسك تقضي وقت أطول ممّا ترغب في المنزل، أو إن كنت تبحث عن طريقة تقضي بها وقتك، حاول التدريب على الكتابة الإبداعية. قد تكون في شكل نثر أو شعر. في الحالتين، قد تصبح الكتابة الإبداعية طريقة عظيمة للتواصل مع جانبك الإبداعي. قد تزهر لتصبح شيئاً غير متوقعاً.

حاول ابتكار أعمال فنّية أو موسيقية. فإن لم تكن الكتابة الإبداعية ملائمة لك، ربّما تكون الفنون البصرية أو الموسيقى أنسب. هذه النشاطات ستجعلك على تواصل دائم بعقليتك المبدعة.

2- سجّل أفكارك. الاحتفاظ بأفكارك بشكل ملموس سيجعلك على تواصل مع رغباتك وقدراتك. كما أنّ تسجيل عملية تحقيقك لهدف ما قد تساعد شخص آخر، خاصّة وإن كان أحد أفراد عائلتك.

مثل هذه الصفات قد تكون متوارثة. إن تمكّن أولادك أو فرد آخر من عائلتك من الاستفادة من تجربتك، ستكون قد ساهمت في تحسين حياة أحدهم.

احتفظ بيومياتك. تسجيل اليوميات من الممكن أن يكون طريقة مثالية لاستكشاف مشاعرك وإتاحة الفرصة لها لتصبح جزءاً من حياتك اليومية. لا تحاول إجبار نفسك على الكتابة بنسق معين. اكتب كلّ ما يخطر في بالك. اجلس وابدأ الكتابة بحرّية – ستتفاجأ ممّا سترى أناملك تخطه. هذه طريقة جدية أيضاً لتشجيع التفكير العميق.

احتفظ بكتاب لأفكارك. احتفظ بمفكرة تكتب فيها أفكارك، ربّما بجانب سريرك أو في حقيبتك. قد تساعدك هذه المفكرة في لحظات الشكّ أو انعدام الثقة. كلّما جاءتك فكرة على غفلة، اكتبها. مَن يحققون نجاحاتهم متأخراً يكونون مليئين بالأفكار، أحياناً تكن أفكارهم كثيرة لدرجة أنّهم لا يعرفون ما الذي يمكنهم فعله بها. ربّما تشعر بالقلق عندما تنتابك أحد تلك الأفكار، ولكنّ تلك الفكرة لها أهميّتها وقد تفيدك لاحقاً في الحياة عندما تستعيدها.

3- تعرّف على نقاط قوّتك. مَن يزهرون متأخراً عادة يتمتعون بعدد من الصفات القيمة، والتي تشمل التفكير، الصبر، ومراعاة الآخرين. كما يتمتعون بقدرة عالية على الإبداع والتفكير التجريدي.

استخدم نقاط قوّتك تلك لزيادة ثقتك بنفسك وشحذ همتك في الأوقات السيِّئة.

بفضل صبرك وطبيعتك التي تعتمد على التفكير، قد يلجأ الآخرون لك عندما تواجههم مشاكل شخصية. استخدم مواهبك لمساعدتهم. صبرك ومراعاتك لهم هي صفات قد تستفيد منها في اختيارك لمهنتك أو أسلوب حياتك. فعلى سبيل المثال، قد ينتهي بك الحال أن تعمل كأكاديمي أو استشاري.

4- ثق في نفسك وفي قدراتك. أنت تتطوّر ويمكنك تخطي عقبات الحياة. إن بدأت بالتراجع، ذكّر نفسك بأنّك شخص ناجح بمواهب قيّمة.

إنجازاتك قد تستغرق وقتاً أطول من الآخرين. ولكن تذكر أنّ النجاحات الفورية ليست كالحكايات الخيالية على الدوام. يخشى الكثيرون القيام بأي خطوات إيجابية لأنّهم يشعرون بالتعجل ولا يعرفون ما الذي ينبغي عليهم فعله. مَن يحققون نجاحهم متأخراً يتفادون مثل هذا الشعور باستغراقهم لوقت كافي للتأكد ممّا يرغبون في فعله.

ولكنّ في نفس الوقت، تعلّم من أخطائك كذلك. فالعقبات التي ستواجهها في طريق النجاح ليست علامات فشل شخصية. قد تعتبرها مصدراً للنُّصح لكيف يمكنك أن تكون أفضل في المرّة المقبلة.

5- تمتع بنجاحك وثابر عليه. عندما تحقّق شيئاً هاماً في الحياة، احتفل بنجاحك. استخدم هذا النجاح كمحفز لتحقيق المزيد.

 قد تستغرق الكثير من الوقت لتحقق أهدافك. ولكن كنتيجة لذلك، ربّما أصبحت لديك فكرة أوضح عمّا تفعله أكثر من هؤلاء الذين حقّقوا نجاحاتهم مبكراً.

سيلجأ لك الكثير من الأشخاص عندما يلاحظون خبراتك ومعرفتك. فقد استغرقت وقتك في التفكير بعمق في حياتك. ها قد توصلت لقناعاتك الخاصّة بدلاً من تبنّي قناعات الآخرين.

أفكار مفيدة

* ساعد المتأخرين مثلك في إيجاد طريقهم في الحياة. حاول أن تطمئنهم أنّهم ليسوا أقل ذكاءً من الآخرين أو أنّهم سيصبحون مُهملين. جميعنا لنا هدف في الحياة وجميعنا مهمين.

* طوّر حس دعابة خاص بك. اضحك كثيراً، وخاصّة على نفسك. يقلل الضحك من القلق ويجعلك أكثر تحملاً لتحدّيات الحياة. ►

ارسال التعليق

Top