• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تكريم الإنسان واحترام حقوقه

أسرة البلاغ

تكريم الإنسان واحترام حقوقه

◄﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا﴾ (الإسراء/ 70).

والأساس المهم أيضاً في بناء المجتمع القرآني هو تكريم الإنسان واحترام شخصيته وإنسانيته، وليس من حقّ أحد أن يوجِّه له الإهانة، أو ينتقص من حقوقه ووجوده الاجتماعي، أو يمسه بسوء، فهو ذات محترمة ومُصانة في الإسلام، وإنّما الإنسان هو الذي يُضيِّع كرامته ويُعرِّضها للانتقاص ويظلمها.

والقرآن يُوضِّح هذا المفهوم بقوله: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (النحل/ 118).

يُروى أنّ الرسول الكريم محمّداً (ص) كان جالساً في جماعة من أصحابه، فمرت جنازة فقام الجالسون، وبقي أحدهم لم يقم، فسأله الرسول (ص) عن عدم قيامه للجنازة، فقال: هو يهودي يا رسول الله ، فرد عليه الرسول (ص): «أليست نفساً»، فالناس جميعاً يشعرون باحترام إنسانيتهم في ظل مجتمع القرآن.

ومن الأحكام والقوانين التي شرَّعها الإسلام للحفاظ على كرامة الإنسان وصيانة شخصيته.. هو حُرمة الغيبة، وتوجيه الطعون له، والاستهزاء به ورميه بالعيوب، أو تعييره بفعل صدر منه، أو ممن ينتسب إليه، أو سوء الظن غير المسبب بشخصيته، أو يطلق عليه أسماء مُهينة، فكلّ ذلك مُحرَّم وعليه عقاب.

ثبت القرآن هذا التكريم وحماية الشخصية في منظومة تشريعية وأخلاقية لا مثيل لها في قوانين العالم الوضعية.

وإذاً فلنستمع للخطاب القرآني وهو يُشرِّع لنا ذلك:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات/ 11).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات/ 12).

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النور/ 23).       

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (النور/ 19).

﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ (الهمزة/ 1).

إنّ قراءة متأمِّلة في هذه المنظومة من النصوص كافية لأن تعرِّفنا بمدى حرص الرسالة الإسلامية على كرامة الإنسان وسمعته، فالقرآن يُحرِّم الغيبة والتجسس على الناس والسُّخرية منهم، والاستهزاء بهم والغمز واللمز، وسوء الظنّ الموهوم بشخصياتهم والتُّهم الباطلة: كالاتِّهام بارتكاب الفاحشة.. إلخ، فالقرآن يريد أن يصون حُرمة الإنسان: (حُرمة ماله، ودمه، وعرضه.. إلخ).

جاء في الحديث النبويّ الشريف: «كلُّ المسلم على المسلمِ حرام: دمه، وماله، وعرضه».

وتحريم الاعتداء على عرض الإنسان.. يعني تحريم الاعتداء على كلّ ما يمسُّ شخصيته وكرامته. جاء في الحديث النبويّ أيضاً: «المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر مَن هَجَرَ ما نهى الله عنه ورسوله».

بل وجاءت دعوة الرسول (ص) إلى الناس أن يحفظوا كراماتهم وسمعتهم ببذل المال، واعتبر ذلك صدقة يَتَصدَّق بها الإنسان على نفسه، قال (ص): «كلُّ معروف صدقة، وما وَقِي به المرء عِرضه، كتبَ له به صدقة».

والإنسان غير المسلم المتعايش مع مجتمع المسلمين يحضى باحترام إنسانيته وحقّه كإنسان، وهكذا تكون إنسانية الإنسان مصونة ومحترمة في مجتمع القرآن، ولا يحقُّ لأحد أن يتجاوز عليها بقول أو فعل، والمُعتدي يستحق العقاب الجنائي، كما ويستحق العقاب في عالم الآخرة.. فعلى الإنسان أن يحفظ كرامته وشخصيته، ولا يسقطها، أو يجلب عليها المهانة بسوء تفكيره وفعله، ونجدُ في البيان النبويّ الشريف ما يجسِّد هذا المعنى، فقد روي عنه (ص) قوله: «رَحِمَ اللهُ امرءاً جَبَّ عن نفسه الغيبة»، فالرسول يثني على الإنسان الذي يبتعد عما يجلب له الذم وسوء السُّمعة وغيبة الآخرين له.►

ارسال التعليق

Top