أسرة البلاغ
عززت حوادث انتهاك جنود أميركيين جثامين قتلى بأفغانستان الأسابيع القليلة الماضية سجلا مليئا بانتهاكات جسيمة ضد مدنيين اقترفتها القوات الأميركية خلال السنوات القليلة الماضية بدول خضعت للاحتلال مثل العراق أو فيها قواعد عسكرية أميركية كاليابان.
وشملت تلك الانتهاكات القتل والتعذيب والاغتصاب, وأثارت موجات تنديد, وعرّضت واشنطن لحرج شديد.
وسُلط الضوء بصورة أكبر على الانتهاكات التي تقترفها القوات الأميركية بالعراق وأفغانستان لفظاعة بعضها على غرار ما حدث بسجن "أبو غريب" غربي العاصمة العراقية بغداد.
ويمكن ترتيب الانتهاكات وفقا لفداحتها ووفق البلدان التي وقعت فيها.
العراق
عام 2004, سرّب حراس بسجن أبو غريب الواقع على مسافة 34 كلم تقريبا غربي بغداد صورا التقطوها لسجناء عراقيين جرى امتهان كرامتهم بطرق مختلفة لتتفجر فضيحة عرّضت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش لانتقادات كثيرة من الداخل والخارج.
وكان الأميركيون قد أعادوا فتح السجن بعد بضعة شهور من غزوهم العراق، وحولوه إلى معتقل يحتجز فيه آلاف العراقيين المشتبه في صلتهم بالجماعات المسلحة. وكان نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أغلق السجن قبل ذلك بعام تقريبا.
ووفقا لمنظمات حقوقية عراقية ودولية, فقد شملت الانتهاكات بهذا السجن اعتداءات جنسية فضلا عن استخدام وسائل تعذيب وترويع للمعتقلين بينها الكهرباء والكلاب الشرسة, وأكدت تقارير أن سجناء توفوا جراء التعذيب بالسجن الذي وصفه بوش بالخطأ الكبير.
وبينما سعت إدارة بوش إلى تقديم تلك الانتهاكات باعتبارها أعمالا فردية, اتُهم وزير الدفاع السابق دونالد رمسفيلد بأنه من أصدر أوامر تعذيب المعتقلين العراقيين في إطار سياسة ممنهجة بالعراق وأفغانستان, وكان من بين من اتهموه بذلك الجنرال يانيس كاربينسكي التي كانت مسؤولة عن ثلاثة سجون بالعراق بينها أبو غريب, قائلة إنه طُلب منها الصمت بعد تسريب صور الانتهاكات.
ثم إن تحقيقا للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ خلص عام 2008 إلى أن الانتهاكات لم تكن مجرد تصرفات فردية, وأشار إلى أن مسؤولين من مستوى عال بالإدارة الأميركية أجازوا استخدام أساليب تحقيق عنيفة ضد المعتقلين. وكان أقصى حكم بهذه الفضيحة عشر سنوات سجنا, بينما نال بقية المتهمين أحكاما مخففة مع خفض الرتب العسكرية أو التسريح من الجيش.
وبعد عام تقريبا على كشف فضيحة أبو غريب, وتحديدا يوم 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005, قتل جنود من البحرية الأميركية 24 مدنيا عراقيا عزلا بينهم نساء وأطفال بمدينة حديثة بمحافظة الأنبار غربي العراق.
وحاول الجيش الأميركي بادئ الأمر تغليف المذبحة بالدفاع المشروع عن النفس من خلال الادعاء بأن الجنود واجهوا مسلحين, لكن التحقيقات أظهرت أنهم قتلوا مدنيين بالقنابل اليدوية والرصاص بغية الانتقام لزميل لهم قتل بهجوم بعبوة ناسفة. ورغم ذلك, أسقط القضاء العسكري الأميركي تهم القتل عن سبعة من المتهين الثمانية بهذه القضية.
ومن الانتهاكات الأخرى البارزة التي ارتكبتها القوات الأميركية بالعراق اقتحام جنودها يوم 11 مارس/ آذار 2006 منزل أسرة عراقية في بلدة المحمودية جنوبي بغداد, واغتصابهم الطفلة عبير قاسم الجنابي (14 عاما) ثم قتلها وحرقها بعد قتل والديها وشقيقتها.
وفي هذه القضية تحديدا, حكم القضاء الأميركي على أحد الجنود المتورطين بالسجن تسعين عاما مع إمكانية إطلاق سراحه بشروط.
شهدت أفغانستان بدورها منذ غزوها عام 2001 سلسلة من الانتهاكات التي اقترفتها القوات الأميركية ضد مدنيين عزل.
ومنذ مطلع هذا العام, تم تسريب مقطع فيديو وصور يظهر فيها جنود أميركيون بصدد انتهاك حرمة جثامين قتلى أفغان بينهم على الأرجح مقاتلون من حركة طالبان بحادثتين منفصلتين زادتا من حرج إدارة الرئيس أوباما.
وقد تم الكشف عن الحادثة الأولى في يناير/ كانون الثاني الماضي, والثانية في أبريل/ نيسان الحالي, ووفقا للجيش الأميركي وحلف شمال الأطلسي فإن الحادثة الثانية التي نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز بعض الصور المتعلقة بها وقعت بولاية زابل, وتعود إلى عام 2010.
ورجحت طالبان أن مئات الانتهاكات من هذا القبيل وقعت منذ غزو البلاد عام 2001, وقالت إن مثل هذه التصرفات تعكس حقيقة القيم الأميركية والغربية.
وكانت حادثتا انتهاك حرمة قتلى أفغان من بين انتهاكات أخرى استهدفت مدنيين أفغانا هذا العام, ومن أفدحها إقدام جندي أو مجموعة جنود أميركيين على قتل 17 مدنيا أفغانيا بعد اقتحام منازلهم بقرى متجاورة بولاية قندهار جنوبي أفغانستان في مارس/ آذار الماضي.
وتحدث الجيش الأميركي عن تورط جندي واحد جرى ترحيله لمحاكمته, بيد أن مصادر أفغانية رجحت تورط مجموعة من الجنود. ولم تقتصر الانتهاكات على القتل وامتهان حرمة الموتى, وإنما شملت أيضا حرق نسخ من المصحف الشريف في قاعدة باغرام الجوية في فبراير/ شباط الماضي مما فجر موجة احتجاجات قتل فيها العشرات, ودفع أوباما إلى الاعتذار.
خليج غوانتانامو
باشرت إدارة الرئيس السابق جورج بوش عام 2002 نقل سجناء من أفغانستان اعتقلوا بتهمة أو بشبهة "الإرهاب" إلى معتقل غوانتانامو الذي يقع بقاعدة بحرية تستأجرها الولايات المتحدة من كوبا منذ 1903, وتلح كوبا على استعادتها حيث تعتبر الوجود الأميركي فيها غير مشروع.
بعد عامين تقريبا من وصول أولى المعتقلين, بدأت تتكشف انتهاكات اقترفها مسؤولون بالمعتقل وحراس ضد السجناء, وقال مفرج عنهم إنها شملت الامتهان الجنسي. وكشف سجناء آخرون عن أساليب متنوعة من التعذيب شملت الحرق بالسجائر, وسكب الماء البارد, والإيهام بالغرق, فضلا عن تدنيس المصاحف.
وكان الصحفي بقناة الجزيرة سامي الحاج بين نحو ثمانمائة شخص اعتقلتهم القوات الأميركية بأفغانستان وباكستان ودول أخرى ونقلتهم لمعتقل غوانتانامو حيث أمضوا سنوات بتهم تتعلق بالإرهاب, بيد أن السلطات الأميركية أطلقت لاحقا مئات منهم بعدما تبين أنه لا صلة لهم بتنظيم القاعدة.
وتحدثت واشنطن عن "انتحار" ما لا يقل عن ستة من المعتقلين بين عامي 2002 و2011 إضافة إلى ادعاء محاولة عشرات آخرين الانتحار, بيد أن المعتقلين أنفسهم ومنظمات دولية شككوا في صدق الرواية الرسمية الأميركية. ومن تلك المنظمات الصليب الأحمر الدولي الذي زار فريق منه المعتقل عام 2004, وأكد استخدام أساليب تعذيب ضد السجناء.
كما أن صحيفة واشنطن بوست نشرت عام 2004 وثائق سرية تظهر أن وزارة الدفاع الأميركية وافقت على استخدام أساليب تعذيب ضد معتقلي غوانتانامو تشمل حرمانهم من النوم وتعريضهم للبرودة القاسية والحرارة الشديدة والأضواء المبهرة والموسيقى الصاخبة خلال عمليات الاستجواب.
دول آسيوية
سُجلت السنوات الماضية حالات اغتصاب تورط فيها جنود أميركيون بدول آسيوية تنتشر فيها قوات أميركية, خاصة اليابان وكوريا الجنوبية.
وفجّر اتهام جندي أميركي باغتصاب فتاة يابانية بسن الـ12 عام 1995 أضخم موجة احتجاج ضد القوات الأميركية المتمركزة بالبلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وفي كوريا الجنوبية التي ينتشر فيها نحو ثلاثين ألف جندي أميركي, تعددت أيضا حوادث الاغتصاب وبينها حادثتان وقعتا العام الماضي.
ارسال التعليق