لا يزال يسود لدى بعض الألمان الاعتقاد بأن من اخترع الطريق السريع هم النازيون الذين روجوا إلى أنهم قلصوا من نسب البطالة المرتفعة من خلال تنفيذ مشاريع الطرق السريعة، ولكن الحقيقة تقول بأن ذلك لم يكن سوى كذبة تاريخية.
النازيون عارضوا فكرتها
قبل بضع سنوات فقط من ذلك قام الحزب النازي الألماني بالاشتراك مع الحزب الشيوعي بإعاقة تعبيد حتى الطرق العادية. وكانوا يبررون ذلك بأن مد تلك الطرق لا يخدم سوى "الأرستقراطيين الأثرياء والرأسماليين اليهود ومصالحهم".
لذلك بقي النازيون بعيدين عن المفاوضات السياسية بشأن تمويل الطرق السريعة للمسافات البعيدة. وبقي الحال هكذا إلى أن آلت مقاليد السلطة لأدولف هتلر في عام 1933، عندها اكتشف النازيون أهمية الطرق السريعة لخدمة مصالحهم الخاصة.
كان كونراد أديناور، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس بلدية كولونيا، الوحيد الذي نجح عام 1932 في تعبيد وتمويل أول طريق سريع يربط بين مدينتي بون وكولونيا خال من التقاطعات. ولا يزال هذا الطريق السريع موجودا حتى يومنا هذا. وكان طوله آنذاك يبلغ عشرين كيلومترا، فيما كانت السرعة المسموح بها لا تتعدى 120 كيلومترا في الساعة، بينما كانت سرعة معظم السيارات آنذاك لا تتجاوز 60 كيلومترا في الساعة.
وكانت منطقة كولونيا وما جاورها تعتبر في ذلك الوقت أكثر المناطق اكتظاظا بالسيارات وبالمسافرين. وبعد نصف عام فقط من افتتاح ذلك الطريق السريع، قام الحزب النازي الحاكم بتخفيض تصنيف الطريق ليكون طريقا عاديا بدلا من سريع، وذلك ليحتكر الحزب لنفسه لقب أول من شق الطرق السريعة.
لكن لا بد من العودة قليلا إلى الوراء، وبالتحديد إلى سنة 1909. ففي ذلك العام اجتمع عدد من الصناعيين من عشاق السيارات وبعض المواطنين النافذين وقرروا العمل من أجل مد طريق تسير عليه السيارات، بعيدا عن الغبار والأوساخ وبعيدا عن المشاة والعربات التي تجرها الخيول، مما يسمح بحرية السفر.
وبالفعل انطلقت في عام 1913 في برلين أعمال مد "طريق مرور السيارات والتدريب"، وبدلا من المسافة المخطط لها مسبقا والتي تبلغ 17 كيلومترا، لم يكف المال المخصص في النهاية إلا لعشرة كيلومترات فقط. لكن العمل توقف بسبب الحرب العالمية الأولى، وبعد عام 1921 أصبح الطريق يستخدم لاختبار السيارات الرياضية السريعة.
وفي عام 1926 تأسس ناد عمل على مد طريق يربط ألمانيا من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، بحيث يبدأ من هامبورغ مرورا بفرانكفورت وصولا إلى مدينة بازل.
تبنوها بعد أن حكموا
ووجهت هذه المبادرة في البداية بالرفض من جانب النازيين، ليختلف الأمر بعد استيلاء هتلر على السلطة، حيث حظيت خطط مد الطريق قبولا جزئيا، وتم تغيير اسم النادي إلى "شركة مد شبكة الطرق السريعة للرايخ".
وكان يفترض في كل عام أن يتم الانتهاء من إنجاز ألف كيلومتر من الطرق السريعة، تجسيدا لأوامر هتلر. وفي عام 1934 تحدث هتلر عن بداية "معركة العمل" وأعلن أنه سيقلل بذلك من الأعداد المرتفعة للعاطلين عن العمل.
وحتى عام 1941 تم الانتهاء من مد 3800 كم من الطرق السريعة، فيما تم بين عامي 1941 و1942 إيقاف العمل بشكل كامل تقريبا.
وانطلاقا من خريف سنة 1943، وبسبب انخفاض حركة مرور السيارات، تم السماح حتى لراكبي الدراجات باستخدام الطرق السريعة.
وكانت الأفلام والصور تظهر مسيرات العاملين في مد الطرق السريعة، بينما في الحقيقة كانت الأعمال قد توقفت منذ زمن. وبقيت صور جموع العمال على الطرق السريعة راسخة في ذاكرة جيل كامل من الألمان، وبالتالي فقد نجح النازيون في تحقيق هدفهم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق