إنّ المرأة قبل أن تكون أنثى هي ـ كما الرجل ـ إنسان، خليفة الله على الأرض: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30)، يحمل المسؤولية الإلهيّة على عاتقه: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ) (الأحزاب/ 72)، ترفعه الكرامة الإلهيّة: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70)، لا يتميز فرد من أفراد الإنسان سواء كان ذكر أم أنثى إلّا بالتقوى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13).. إذاً كلّ ما أعطاه الإسلام للإنسان هو المرأة، فهي الخليفة وهي المكرمة وهي تتحمّل الأمانة الإلهيّة وهي مكلفة بإعمار الدُّنيا.. كالرجل تماماً فالمرأة إنسان بل إنسان عظيم. ولكن هذا لا يعني عدم وجود فارق بين الرجل والمرأة، بل هناك تفاوت بينهما في الاستعدادات الجسمية والنفسية، من دون أن يكون لهذا التفاوت ارتباط بالنقص أو الكمال، بل هو تعادل وتناسب، فقد استهدف قانون التكوين بهذا التفاوت جعل تناسب أكبر بين الرجل والمرأة. تُعتبر المرأة العنصر الإنساني المكمّل للحياة البشرية، فمنذ أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم، خلق معه زوجه حوّاء، فلا تكامل للحياة إلّا بوجود المخلوق الثاني، وهو المرأة. ولمّا بزغ نور الإسلام، أضحت المرأة في كنف الشريعة الإسلامية معززةً مكرَّمة، شامخة، فهي مكرَّمة ببُعدها الإنساني. كما منحها حقوقها الإنسانية، وهي مخاطبة بالتكاليف الإلهيّة كالرجل، ولديها حقوق وعلى عاتقها أدوارٌ وواجبات في الميادين المختلفة من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وغيرها من الميادين في مسيرة التكامل البشري. فكانت المرأة شريكة الرجل في نيل نِعمة الوجود، نشأت معه من نفسٍ واحدة وبحقيقة وجوهر إنساني واحد، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) (الأنعام/ 98).
للمرأة بُعد إنساني وتكاملي والمُراد دور المرأة بصفتها إنساناً في طريق التكامل المعنوي والنفسي. وفي هذا البُعد، لا تفاوت بين الرجل والمرأة، إذ كانت هنالك نساء جليلات وبارزات مثلما كان هنالك رجال كبار وبارزون. كالزهراء وزينب ومريم (عليهن السلام) مقامهنّ فوق قدرة أمثالنا على الوصف والتصوّر. وفي الآية الشريفة من سورة الأحزاب، لا فرق بين المرأة والرجل، ولعلّ المقصود ضرب التصوّرات الجاهلية حول المرأة، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب/ 35). أمّا البُعد الاجتماعي لدور المرأة في مجال النشاطات الاجتماعية والسياسية والعلمية والاقتصادية، فباب هذه النشاطات مشرّع أمام المرأة بالكامل. ولو شاء أحدٌ حرمان المرأة من مزاولة النشاط العلمي، والسعي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فإنّما يتكلّم خلافاً لحُكم الله. فلا مانع من مزاولة هذه الأعمال بالقَدر الذي تُبيحه القدرة الجسدية، وتستدعيه الحاجات والضرورات. والشرع المقدّس لا يمانع في بذل الجهود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قدر المستطاع. ولمّا كانت المرأة بطبيعة الحال أرقّ جسدياً من الرجل، لذلك فإنّ لهذه الحالة ضروراتها، وفرض العمل الثقيل على المرأة ظلم لها. إنّ الإسلام لا يوصي بهذا، ولكنّه في الوقت نفسه، لا يمنع ممارسة النشاط العلمي والجهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. يوصي الإمام عليّ (عليه السلام) ابنه محمّد بن الحنفية بالمرأة فيقول (عليه السلام): «إنّ المرأةَ ريحانةٌ وليستْ بقهرمانةٍ، فَدَارِها على كلِّ حالٍ، وأحسِنِ الصُّحبةَ لها، ليصفُوَ عَيشُك».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق