أنا شاب أبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً. مشكلتي هي أنّني لا أثق في نفسي، فهذه المشكلة كانت بدايتها معي عندما كان عمري خمسة عشر عاماً، فأحياناً أجد بعض الثقة في نفسي وأحياناً أفقدها تماماً وبدأت معاناتي ولم أجد حلاً لها، فأصبحتُ أستسلم بسرعة لأي أمر، حيث أصبحت حيلتي قليلة لدرجة أنّني لا أستطيع تحمل أي مسؤولية، وحاولت أن أغيِّر من هذا التفكير لكن لم أجد حلاً لمشكلتي. وهناك شيء كان يراودني في الصغر هو أنّني متميّز عن الكل.. فجأة بدأ هذا الإحساس يختفي حتى بدأت أعاني من عدم الثقة بالنفس، فوصلت إلى قناعة بأنّني لا أستطيع مواجهة الأمور، ولا أستطيع تحمل أي مسؤولية. بالأصح أتخيّل نفسي لا أقدر على مسؤولية، أرجو إفادتي ببعض الحلول.
قبل كل شيء لابدّ من القول بأنّ رسالتك تدلّ على أنّك فعلاً ذات مميزات خاصة وتمتلك مقداراً من الثقة بالنفس رغم أنّك قد لا تشعر بذلك. فالشخص الذي يشخّص مشكلته ويتقدّم لحلّها يمتلك شجاعة وصراحة، قد يفتقدها كثيرون، ولكنه على أيّة حال بحاجة إلى أن يكتشف المزيد من طاقاته وامكاناته، وأن لا يحتقر ملكاته وقابلياته، ومن ثمّ يستحضرها في نفسه ويسخّرها لخدمة حياته. شعورك في صغرك بأنّك متميّز لم يكن شعوراً خاطئاً، بل كان في محلّه، فكل إنسان له مميزاته، والتي قد ينفرد بها أحياناً دون كثيرين غيره، ولكن هذا الشعور يجب أن يكون واقعياً ولا يصل إلى حد الإعتقاد بالكمال والغرور لا سمح الله، فكل إنسان، ومهما بلغت إمكانياته وعلت قدراته فهو معرض للخطأ، وهو مخلوق محدود وغير مطلق، وقد تكون فيه بعض النواقص أو تعوزه بعض الملكات. هذه النظرة الواقعية تجعل الإنسان يسير في طريق الكمال وفي نفس الوقت لا يفقد صوابه، فإذا ما أحسن العمل شكر الله تعالى وواصل الطرق بوعي دون تكبر أو غرور، وإذا ما أخطأ أو تلكأ أو واجه مشكلة لم يفقد ثقته بنفسه ولم ينتكس نفسياً لأنّه يعلم أنّ سائر البشر العاديين يخطأون، وأنّ الكمال لله وحده، وأنّ عليه أن لا يستسلم ولا يتراجع، بل يواصل الطريق بوعي وبصيرة أكثر ومضاعفة للجهد المبذول.. وينبغي أن تعرف نفسك حتى تزداد ثقة بها.. خذ ورقة وقلماً وسجِّل في جهة ما تعلمه وما تستطيع عمله وامكانياتك ومواهبك، وفي جهة أخرى ما تعجز عنه.. وستجد أنّك تستطيع الكثير وما لا تستطيع عمله قليل فضع برنامجاً لذلك، وابدأ بالأشياء البسيطة التي يمكنك تعلّمها وعملها، وخطوة فخطوة ستجد نفسك تتقدم في الوقت الذي يتوقف فيه آخرون. ومن المفيد جدّاً أن تزيد خبراتك سواء بالتعلّم الذاتي أو من آخرين، أو بواسطة التسجيل في المعاهد العلمية والمهنية. وابتعد عن الأشخاص الذين ينتقصون الآخرين أو يستهزئون بهم واعلم أنّ تلك الصفات صفات نقص فيهم قبل غيرهم وهم أحوج للنقد والتقويم من غيرهم. واقترب من الأشخاص الطيبين والذين يحترمون غيرهم، فتلك الأجواء أصلح لكل إنسان من غيرها. وتقبل النقد بصدر رحب واستمع له، لأنّه ينفعك، ولكن لا تستسلم لكلّ ناقد يريد الطعن في الآخرين، فإذا ما وجدته ناقداً ظالماً وغير منصف، فبيّن خطأه بهدوء دون إنفعال، وإذا ما وجدت الشخص متعصباً أو جاهلاً، فلا تعبأ بكلامه وابتعد عنه بسلام. استجب للطلب الخيِّر والنافع، ولكن تعلم أن تقول: لا، للطلب الذي لا تستطيع تلبيته، أو كان طلباً فضولياً لا يخصّك. إن قول: لا، بلطف ولباقة تقوي في ذاتك الإرادة والعزيمة، وتمنحك ثقة بالنفس إضافية، وتمرّن على قول لا، لتقوّي بذلك إرادتك وتنمِّي فيك إستقلالية شخصيتك.. ليكن لك عالمك الخاص بك، ولا تجعل كل شيء عندك مباحاً للآخرين، بل ليكن لك حريمك ولوازمك ووقتك الخاص وشؤونك الذاتية، وتصرّفك بها بملء إرادتك.:. ساعد الآخرين، وكن لطيفاً معهم، ولكن بحدود... وأخيراً، إعلم إنّ "قيمة كلّ امرئ ما يحسنه" وأنّ ميزان التفاضل عند الله هو التقوى، فلا تشعر بالخجل أو تستحقر نفسك عند غيرك، ممّن هو أكثر مالاً أو أفضل حالاً منك، وإذا كان أكثر كمالاً وعلماً وخلقاً وديناً فزد في احترامه وتواضع له وتعلّم منه لتزداد بذلك فضلاً. ولكن في كلّ حال، زد علاقتك بربّك، لأنّ هذه العلاقة ستبعث في نفسك الرضا والإطمئنان، وهو ما يفتقده كثيرون ممّن يملكون الكثير من الأشياء ولكنهم لا يمتلكون الإيمان، ومن المفيد هنا ارتياد المساجد حيث يقف الناس مهما اختلفت أوضاعهم أخوة متحابين بين يدي الربّ الكريم، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ...) (فاطر/ 10). وقال جلّ شأنه: (ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين) (المنافقون/ 8). وتذكّر دوماً نعم الله الكثيرة عليك وزد في شكره كما قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (إبراهيم/ 34)، وقال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم) (إبراهيم/ 7). بارك الله فيك ووفقك لكل خير.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق